أوسلو له ما له ... وعليه ما عليه ... ولكن ..!
تاريخ النشر : 2019-09-15 11:19

في الذكرى السادسة والعشرون لتوقيع اتفاق اوسلو
طالعنا كثير من المقالات والتصريحات لكتاب ومسؤولين من درجات مختلفة، بشأن التبرؤ من إتفاق أوسلوا والغائه ... نجد في البعض منها بعضا من الموضوعية... وبعضها فيه نفاق سياسي لا يطاق ولا يحتمل ... بل ويكشف عن جهل كبير بحقيقة ما حصل وكيف حصل الإتفاق .... وما ترتب عليه من التزامات متبادلة، وما انتج من آثار على الأرض وما احدثه من تغييرات سياسية، وما اعقبه من احداث لدى الجانبين .... كان ابرزها التخلص من رابين على الجانب الآخر ... بهدف وقف اوسلوا عن التحرك والتطور الى ما بعد اتفاق الحكم الذاتي .... والعمل على التوصل الى تسوية نهائية تنهي الاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة وتقرر مصير الحدود واللاجئين والقدس والاستيطان ... الخ.. وتبع مقتل رابين وصول اليمين الصهيوني للحكم في (المستعمرة الاسرائيلية) والذي انقلب فعليا على اوسلو وحوله الى جثة سياسية، وتناغمت معه القوى الفلسطينية المعارضة لاوسلو وخصوصا (حركتي حماس والجهاد) واللتان كانتا تهدفان ايضا إلى الغائه، ولغاية الآن تسعيان لإلغائه كما تعلنان ...!
أوسلو فعليا قد تم قبره من قبل الطرفين دون اعلان، ... وبات جثة سياسية، وتاريخا أو جزءا من التاريخ السياسي والديبلوماسي للصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وكل طرف يتمسك منه بما يهمه من الاتفاق.
الإفرازات والنتائج التي انجبها وانتجها اتفاق اوسلو ليست كلها شر، بل هناك فيها جملة من الإنجازات قد تحققت وأُحدثت وتجسدت، لا يمكن أن يكون هناك عاقل يسعى إلى التخلي عنها فلسطينيا، لأنها ليست منةً من احد وإنما دفع ثمنها نضالا طويلا وتضحيات كبيرة مسبقا، وقد تم انتزاعها وفرضها بشكل او بآخر، تحت مظلة اتفاق اوسلو الذي لم ينهي الصراع، بل مثل مرحلة من مراحل الصراع، وهو اتفاق مرحلي مؤقت، وسوف يتواصل الصراع بعده بأشكال شتى اذا لم يتبعه مفاوضات عملية وجادة وذات مرجعية قانونية ودولية، حتى يحقق الشعب الفلسطيني كامل اهدافه في العودة والحرية وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس ...
علينا أن ندرك أن لحظة التوقيع على أوسلو في واشنطن يوم ١٣ سبتمبر ١٩٩٣م مثلت لحظة إنكسار المشروع الصهيوني على طريق هزيمته، وليس ذروة إنتصاره كما يظن البعض، ذلك ما يفسر لنا الإنقلاب الذي جرى على الإتفاق خصوصا من قبل ملاك المشروع الصهيوني من الأمريكان وأدواتهم في ذلك من اليمين الفلسطيني أولا، واليمين الإسرائيلي ثانيا.......، حيث أعطى الأول بمواقفه وافعاله المبرر للثاني للتخلص من التزامات أوسلوا من جهة، والاجهاز على قوى السلام في داخل الكيان الصهيوني من جهة أخرى ...!
لست ممن استفادوا من أوسلو ولا من غيره ... لكن هذا لا يمنع من القراءة السياسية التاريخية الموضوعية للحدث ... فإذا كان له بعض الإيجابيات التي من الخطأ الفادح إنكارها... أو تركها تذروها العواصف والرياح .... كي يتلقطها المتبعرون والمتربصون فيما بعد، ويتماشوا مع خطط التصفية للقضية الفلسطينية سواء بموجب (صفقة القرن) او غيرها من الصفقات والتسويات والتفاهمات....!
إن لإتفاق اوسلو الكثير من السلبيات وقد سبق طرحها ومناقشتها في مقالات عديدة سابقا، كما عَرضَ لها الآخرون من مستويات بحثية وقيادية مختلفة، منذ التوقيع على الإتفاق في ١٣ سبتمبر ١٩٩٣م وإلى غاية الآن .... لا أحد ينكرها.
لكن ما هو المطلوب اليوم؟!
المطلوب هو وضع خطة استرايجية فلسطينية وعربية بهدف المراجعة الموضوعية للتجربة بأكملها .... وقراءة المستجدات والمتغيرات بدقة متناهية للتعامل معها، والبناء والتثمير على الإيجابيات المتحققة والقائمة وهي مهمة ...
ومعالجة الأخطاء والسلبيات العديدة التي كشفتها الممارسة، لإستخلاص الاستراتيجية العربية والفلسطينية القادرة على المواجهة في المرحلة الحالية، ومواصلة النضال بأشكاله المختلفة وفق استحقاقات المرحلة، في ظل جملة المتغيرات الاقليمية والدولية التي باتت معالمها واضحة، وتختلف بشكل كبير عن ملامح وظروف مرحلة توقيع إتفاق اوسلو سنة ١٩٩٣م ، حيث كان العالم يعيش حالة التحول إلى الأحادية القطبية في ظل هيمنة امريكية كاملة، في حين اليوم كل المؤشرات تؤكد إلى نهايتها، وعودة التعددية القطبية للنظام الدولي من جديد، والتي تُفقد الولايات المتحدة الامريكية ميزة التفرد في إقرار السياسات الدولية، وفرض الحلول التي تناسبها كما تشاء لمختلف القضايا والمشاكل الدولية، ومن بينها القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني.
إن هدف الحفاظ على الحقوق الوطنية الفلسطينية الثابتة والمشروعة والعمل على إكمال انتزاعها هو الهدف الذي يجب ان يسيطر على التفكير السياسي الفلسطيني والعربي في هذه المرحلة، والمراكمة على ما تحقق من انجازات مادية وسياسية، على طريق انهاء الاحتلال والعودة واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس .... وليس العمل على إلغاء اتفاق اوسلو الذي لم يكن يمثل اكثر من محطة مرحلية تم تجاوزها فعليا من الطرفين دون إعلان، لأنه لا أحد من الطرفين يريد أن يتحمل مسؤولية الإعلان عن تخليه عن الإتفاق، لما فيه من مسؤولية دولية .. وما يمثلُ من نكوص إلى الوراء.