حـوار الســنة والشــيعة حول نكاح المتعـــة
تاريخ النشر : 2019-09-24 17:31

إن الحوارات والإختلافات الفكرية بين أهل السنة وأهل الشيعة مزمنة ، عمرها عمر الإسلام نفسه ، ولا تقف هذه الإختلافات والحروب الفكرية والإيديولوجية والعقائدية بين الفريقين عند حدودها السياسية التاريخية بل امتد إلى أصول الدين وفروعه الفقهية ومعتقداتنا الإيديولوجية كمسلمين عامة ، وبات كل فريق من الفريقين يدعم ويذكى روح الخلاف والإختلاف بين جناحى الأمة بروايات وأحاديث موضوعة مغلوطة وأدلة واهية ، فباتت علوم الحديث والفقه والتفسير ذات نزعة طائفية بحتة تخدم أصحاب المصالح والمناصب بعيداً عن جوهر الدين ونبراس الحقيقة ، فبدأ كل فريق يُكفّر الفريق الآخر ويدخله فى دائرة الشرك والإلحاد والكفر . ولقد بُذلت محاولات عديدة على مدى عمر الإسلام فى محاولات التقريب بين جناحى الأمة لإذابة الفوارق وصهر الجليد ودعم الوحدة ، ولكن باءت كل هذه المحاولات بالفشل لأن الخلاف لم يكن خلافاً فكرياً فحسب وإنما خلافاً نفسياً أيضاً منذ حادثة كربلاء .

ومن الموضوعات الأكثر إثارة للجدل الفقهى موضوع نكاح المتعة  ويشتد هذا الجدل بين جناحى الأمة (السنة والشيعة) إذا ما تعلق الأمر بمدى جوازية هذا النوع من أنواع النكاح ، ويثور دائماً التساؤل هل نكاح المتعة جائز شرعاً أم غير جائز ؟ (1) . ما موقف أهل السنة من هذا النوع من النكاح ؟ وما هو موقف أهل الشيعة منه أيضاً ؟ وما هو رأينا الخاص فى هذا الزواج ؟

لقد تشكّلت فى الآونة الأخيرة أبعاد مستجدة فى أوساط المغتربين وأبنائنا فى الخارج وفى أوساط الأقليات المسلمة التى تنزح وتهاجر إلى دول أوروبا وأمريكا وتلاميذنا فى بعثاتهم الخارجية للحصول على درجات علمية معينة أو الهجرة إلى بلاد المرأة الشقراء مما يضطرون معه للزواج منهن بهدف الحصول على الإقامة أو الجنسية أو العمل أو الشهادة العلمية المطلوبة وهذا الزواج يكون بهدف ولمدة معينة فقط هى مدة وجودهم فى تلك البلاد الأجنبية .

إن هذه الأبعاد المستجدة تمس أصل من أصول الزواج وهو الزواج بهدف الطلاق بمعنى أن الزواج يعقد لمدة معينة وميقات معين ، فإذا ما انتهت المدة أو انتهى العمل انتهت معه العلاقة الزوجية .

وبداية نحن نرى أنه لا بأس بهذا الزواج متى كان عقد الزواج قائماً على الإيجاب والقبول بين الطرفين وتم الإشهاد عليه من اثنين على الأقل ونسب الولد إلى أبيه نتيجة هذا العقد وترتب عليه النفقة والميراث والبنوة . هذا ولقد عرف المسلمون ثلاثة  أنواع من الزواج فى هذا المقام هى : نكاح المتعة ونكاح التحليل ونكاح المسيار .

ذهب الفيومى إلى تعريف زواج المتعة لغة بأنه المؤقت فى العقد (2). ويسمى هذا الزواج المؤقت وهو أن يعقد الرجل على المرأة يوماً أو أسبوعاً أو شهراً زواج متعة . وسُمى بالمتعة لأن الرجل يتمتع بالزواج المدة المتفق عليها . وترى غالبية المذاهب بطلان هذا الزواج تأسيساً على أن هذا الزواج لا يتلاءم مع الأحكام الواردة فى القرآن الكريم بخصوص الزواج (3) والطلاق والعقد والميراث لما ورد فى الحديث ما رواه بن ماجة أن رسول الله ﷺ قال :«يا أيها الناس إنى أذنت لكم فى الاستمتاع إلا أن الله قد حرمها إلى يوم القيامة» . وزواج المتعة مُحرّم عند أهل السنة بهذا المعنى ولكن مباح لدى الشيعة ، ويرى بن عباس  أنه يباح عند الضرورة فقط ، والضرورة تقدر بقدرها (4) .

وترى الشيعة أنه جائز وأركانه عندهم هى :

 الصيغة : تنعقد بلفظ : زوجتك أو أنكحتك أو متعتك .

 الزوجة : يشترط فيها الإسلام أو أن تكون من أهل الكتاب ويفضل أن تكون من المسلمات العفيفات وتكره الزانية .

 المهر : وذكره شرط ، ويكفى فيه المشاهدة ويقدر بالإتفاق بين الطرفين .

 الأجل : وهو شرط فى التعاقد باليوم أو الأسبوع أو الشهر أو العام .

ومن أحكام هذا الزواج الإستمتاعى عند الشيعة :

 أن الإخلال بذكر المهر مع ذكر الأجل يبطل العقد وذكر المهر من دون ذكر الأجل يتحول إلى زواج عادى لا متعة .

 يلحق به الولد .

 لا طلاق فى المتعة ولا لعان .

 الولد يرث أبيه وأمه .

 تنقضى عدة الزوجة إذا انقضى أجلها بحيضتين إن كانت ممن تحيض أو خمس وأربعون يوماً (5) . ويرى الكاسانى أنه لا يجوز المتعة ، وهو نوعان : أحدهما بلفظ المتعة والثانى بالنكاح أو ما يقوم مقامهما (6) . ويفرق البعض (7) بين زواج المتعة وزواج التأقيت بأن زواج المتعة يكون بلفظ التمتع ، أما زواج التأقيت يكون بلفظ الزواج كما إن الإشهاد ليس شرطاً فى المتعة بخلاف التأقيت.

ويقول بن قدامة بتحريم زواج المتعة ومالك وأهل المدينة المنورة والإمام أبو حنيفة ، والأوزاعى فى أهل الشام والعراق والليث بن سعد فى أهل مصر والشافعى (8) .

إن الفقه الإسلامى فى مجموعه يرى أن علة تحريم هذه الأنواع من الأنكحة هى التأقيت ، بيد أنه لم يكن هذا الفهم محض اجتهادات فردية وإنما لها أصولها الشرعية من القرآن والسنة تدل فى مجملها على أهمية عنصر الدوام كعامل أساسى فى صحة الزواج  ، إن الله - - قد سمى الزواج حرثاً ، والحرث موضع الزرع والمقصود بالحرث هنا هو التناسل ، وهو أمر مطلوب ومرغوب ومنشود ، ففى الحديث أن النبى قال : «تزوجوا الولود الودود فإنى مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» رواه النسائى وبن ماجة . وهذا المقصد الشريف لا يتحقق بنكاح المتعة أو بزواج التأقيت ، لأن الهدف من زواج المتعة أو التأقيت هو الإستمتاع فقط لا الإنجاب ، كما أنه يتم بصورة سرية بخلاف الزواج العادى الذى يتم بشكل علنى للغاية .

ويرى أهل السنة أن زواج المتعة كان مباحاً فى صدر الإسلام ، وإنما كان مباحاً للضرورة وأثناء الغزوات فقط ، ولكن الرسول  حرّمه بعد ذلك . ولقد روى أحمد وأبو داود فى سنتيهما أن الرسول نهى عن المتعة فى حجة الوداع فى السنة العاشرة من الهجرة ، حيث قال :«يا أيها الناس إنى كنت قد أذنت لكم فى الإستمتاع من النساء ، وأن الله قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منه شىء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً» (9)

ويرى أهل السنة أن الدخول فى عقد الزواج على التأقيت والتأجيل يقربه من عقود الإيجارات ويخلع عنه ذلك المعنى المقدس الذى ينبعث فى نفس الزوجين من نية كليهما أن يكون قريناً للآخر ما صلح الحال بينهما ، فلا يتطلب إلا ما يعين على دوامة إلى أمر مقدر ومحدد ، وإن الشىء المقدر أو المؤجل يبعث فى النفس البشرية عدم الإطمئنان ويهدم السعادة ويؤدى إلى عدم الإخلاص بينهما (10) .

هذا ولقد ناقش علماء أهل السنة أدلة المخالفين من الشيعة الذين لا يوجبون ديمومة النكاح ويبيحون المتعة ، وبينوا ما فى أدلتهم من عوار من ذلك الآية الكريمة ﴿فما استمعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة﴾ (سورة النساء – الآية 24) .

يقول الإمام القرطبى رحمه الله فى الرد عليهم هنا : التلذذ والأجور هى : المهور وسمى المهر أجراً لأنه أجر الإستمتاع وهذا نص على أن المهر يسمى أجراً ، ولا يجوز الأخذ بظاهر النص لأن الرسول  قد حرّم زواج المتعة ، والله - - يقول : ﴿وأنكحوهن بإذن أهلهن﴾ (سورة النساء – الآية 25) . ومعلوم أن الزواج بإذن الأهل هو الزواج الشرعى العادى بخلاف المتعة .

إن القول باستمرارية حل النكاح بطريقة التأقيت أو الإستمتاع فقط يناقض مقاصد الشريعة الإسلامية فى الزواج ، لقد شرّع الله الزواج للسكن والإستقرار والتأبيد لبقاء أصل النوع بالتناسل والإلتزام بآثار الزواج وايجابياته وسلبياته ، ولكم حاول رجالات ومشايخ وحجج الشيعة وآياتهم الذود عن حلهم لعقود المتعة بمبررات واقعية محضة لا علاقة لها بالأصول .

ولقد وجدت تلك الدعوات تأييداً من بعض مشايخ الفقه السنى فى بلاد المشرق والمغرب وأوروبا وآسيا أحياناً . لقد ظهر فى زماننا هذا مما لا يدع مجالاً للشك بعض الصور التى تمثل مخالفات صارخة لشرط التأبيد فى الزواج ، وتحولت النظرة الفقهية فى هذه المسألة فى أصل وضعها الفقهى فى بيان بعض الوقائع النادرة فى مجتمعات المسلمين التى تشكل دعوة ودفعة للشباب المسلم المعاصر فى مثل هذه الصور الوضعية الفقهية كأسلوب للزواج من خلال الفتاوى حول مسألة الزواج المؤقت متعة أو تحليلاً .

فهذا هو مضمون زواج المتعة ونوضح هنا قبل الدخول فى الجدل الفقهى حول هذه النوعية من الزوجات : زواج التحليل أو المحلل بمعنى أن يُطلّق الرجل زوجته ثلاثاً ثم يأتى بآخر فيتزوجها بهدف أن يطلقها بعد يوم أو أكثر دون أن يمسها حتى يستطيع الزوج المطلق ثلاثاً أن يعقد عليها مرة أخرى وهذا النوع بهذه الطريقة حرام شرعاً بإجماع الفقهاء .

ويرى بعض العلماء أن الخلاف فى مسألة الزواج بنية الطلاق ضيق جداً ، فلقد نص بعض العلماء المحققين أن سائر الأئمة يرون جوازه ، يقول بن قدامة المقدسى : إن تزوجها بغير شرط إلا أن فى نيته طلاقها بعد شهر مثلاً ، وإذا انقضت مصلحته فى هذه البلد أو تلك فالعقد صحيح ، ولكن الأوزاعى يرى أنه زواج متعة ولكن هناك بعض العلماء يرون جوازه ولكن الإثم عليه هو (11) ومن ثم ؛ يمكننا إيجاز موقف أهل العلم حول هذه المسألة على رأيين :

الرأى الأول : (12) ذهب المالكية والشافعية والأحناف والحنابلة (13) إلى صحة زواج من تزوج وأضمر فى طيات نفسه الطلاق حين سفره أو انتهاء مصلحته فى بلد ما ، وذهب إلى هذا الرأى بن قدامة ، أما بن تيمية فهو متردد بين الكراهة والتحريم . قالت الأحناف : من تزوج إمرأة بنية طلاقها بعد عام لا يكون متعة ، وقال المواردى من الشافعية : أن النكاح يلزم لخلو العقد من الشرط الفاسد ، أما المالكية ففى المدونة أن النكاح حلال إن شاء الإقامة أقام وإن شاء الفراق فارق (14) ونقل الشاطبى عن بن القاسم ، أنه مما لا خلاف فيه بين أهل العلم مما علمنا أو سمعنا أنه نكاح ثابت لا غبار عليه فالنكاح هنا حلال (15) .

هذا هو الإتجاه الأول ، الذى يرى أصحابه صحة هذا الزواج ، ويرى بعضهم كراهته تنزيهاً أو تحريماً مثل بن تيمية فى السياسة الشرعية ، ولكن أنوه إلى أن هذا الرأى يقولونه فى حالة كتمان القصد ، لكن إذا نص فى العقد على نية الطلاق ، فالعقد باطل عندهم والزواج حرام فى هذه الحالة لديهم .

أدلـة الرأى الأول :

1- أن العقد اكتملت فيه جميع شروطه والنية المستقبلية للتطليق لا تضر ، فهذه نية محتملة ، ويمكن العدول عنها فى أى وقت وأنه لا عقاب على النوايا مطلقاً ما دامت لم تخرج إلى حيز الوجود .

2- أنه لو اشترطنا عدم الطلاق مطلقاً لكان ذلك زواج على الطريقة المسيحية وهذا ممنوع فى الإسلام الذى أباح الطلاق والتعدد .

3- أن الزواج بنية الطلاق يغاير زواج المتعة الذى لا طلاق فيه وانما فيه فسخ أو إنفساخ أو تفاسخ بحلول الأجل .

الرأى الثـانـى : ذهب فيه الأوزاعى إلى عدم صحة هذا الزواج ، واعتبره نوعاً من أنواع عقود المتعة وهذا هو الرأى المعتمد لدى الحنابلة ، يقول الأوزاعى فى هذا المجال أنه لو تزوجها بغير شرط ولكنه نوى ألا يحبسها إلا شهراً أو نحوه فيطلقها فهى متعة ولا خير فيه (16) .

ويوضح الإمام الماوردى الرأى المعتمد عند الحنابلة فى قوله ، لو نوى تقيده وتوقيته لصار باطلاً لأن التوقيت ينافى النكاح الصحيح (17) .

ويقول الشيخ محمد رشيد رضا أن تشديد علماء السلف والخلف فى منع المتعة يقتضى منع النكاح بنية الطلاق ، وإن كان علماء السلف يقولون أن الزواج صحيحاً إذا نوى الزوج التوقيت ولم ينص عليه فى العقد ولكن كتمانه إياه يعد خداعاً وغشاً وهو أجدر بالبطلان من العقد الذى يشترط فيه التوقيت الذى يكون بالتراضى بين الزوج والمرأة ووليها ، ولا يكون فيه من المفسدة إلا العبث بهذه الرابطة العظيمة ، التى هى أعظم الروابط البشرية وإيثار التنقل فى مراتع الشهوات بين الذواقين والذواقات وما يترتب على ذلك من غش وخداع تترتب عليه من مفاسد أخرى من العداوة والبغضاء وذهاب الثقة حتى بالصادقين الذين يريدون الزواج حقيقة ، وهو مصان كل من الزوجين للآخر وإخلاصه له وتعاونهما على تأسيس بيت صالح من بيوت الأسر المسلمة (18) .

يقول بن عثيمين – رحمه الله – لو نوى زواج المتعة (19) بدون شرط يعنى نوى الزواج بقلبه هذه المرأة لمدة شهر ، ما دام فى هذه البلد فقط فهل نقول : إن هذا حكمه المتعة أم لا ؟! فى هذا خلاف فمنهم من قال أنه فى حكم المتعة لأنه نوى وقد قال الرسول  :« إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل إمرىء ما نوى» . وهذا الرجل قد دخل على نكاح مؤقت (المتعة) فحكمنا أنه إذا نوى التحليل وإن اشتراطه صار حكمه حكم المشترط فهو إذا نوى المتعة وإن لم يشترطها فحكمه كمن نكح نكاح المتعة (20) .

أدلـة الرأى الثانى :

1- إن التشدد فى اشتراط التأبيد كشرط لصحة عقد الزواج وهذا مجمع عليه عند أهل العلم وهذا يوجب منع الزواج بنية الطلاق .

2- أن كتمان النية المستقبلية عن الزوجة أو أهلها يعتبر من باب الخداع والخيانة والغش ، مما يجعله أجدر بالبطلان من العقد المؤقت .

3- أن فيه ما فيه من مفاسد وتلاعب بهذه الرابطة التى أعطتها الشريعة المكانة اللائقة وما يترتب عليها من بغضاء وعداوة داخل الأسرة .

4- فتح الباب لذوى النفوس المريضة لكى يستغلوا بشكل بشع بمثل هذه الطرق هؤلاء النساء .

5- وبصفة عامة فإنه يترتب عليه ذهاب الثقة حتى من الصادقين الذين يريدون الزواج بدون النية المستقبلية ، بل تنتزع الثقة بأهل الأخلاق والمبادىء .

**رؤيتنا الخالصة حول هذا الموضوع : (نكاح المتعة بين الحظر والإباحة)

قبل أن نعرض لوجهة نظرنا حول هذا الموضوع الهام ، نود إبراز بعض النقاط المهمة فى هذا الخصوص :

1- يتضح من خلال فتاوى القدماء أن شبه اتفاق على الترخيص بالزواج بنية الطلاق وكان الأساس الذى بنوا عليه لتلك الفتاوى كون هذا العقد قد اكتملت شرائطه ، أما النية المستقبلية للطلاق فلم ير العلماء أنها تؤثر على العقد لأنها احتمالية فهو بالخيار على كل حال فى المستقبل أن يبقى عليها أو يتركها وهو حق مكفول له شرعاً .

2- أنه لم تكن الحالات التى برزت على السطح وأفرزت مقابلها مثل هذه الفتاوى لم تكن لتشكل ظاهرة تؤثر بدورها على شكل العقد وتأبيده كونها كانت تمثل حالات نادرة بل تمثل نوعاً من الإستثناء فى المجتمع فى العصر الإسلامي الأول يسهل فيها تعدد الزيجات والوفاء بمتطلبات الحياة الأسرية ،  إن النظام الإجتماعى السائد آنذاك لم يكن ليدفع لهذا الإتجاه بل طبيعة الزواج وأسلوبه لا يجعل الشباب يقدم على هذا التفكير ، كما أن تعقيدات الحياة الزوجية لا تقارن مع المستوى الذى وصلت اليه الآن ، من مغالاة فى المهور وارتفاع إيجارات المنازل وغيرها من أعباء الحياة العامة والخاصة المعاصرة إذا ما قورنت بحياة الأسلاف فى الزمان الماضى السحيق . فصدرت فتاوى شيوخنا الأولين معبرة وعاكسة لتلك الأوضاع الماضية ، حتى أولئك الذين أفتوا بالجواز اشترطوا مدة معينة له أو أن تكون الزوجة عالمة بهذه النية .

3- لقد كان من مزايا النظام الإجتماعى آنفاً قدرته على تحمل واستيعاب المشاركة التى تنجم عن مثل هذه المسائل ، فلم يكن الأمر ذا بال لديهم ، فلقد قدّم هذا النظام الحلول والعلاجات المناسبة التى تنجم عن العديد من الإشكاليات التى كفلتها الشريعة الإسلامية ، ووظيفة الدولة الإسلامية ودورها وطبيعتها ، مما قدم آلية ميكانيكية لإستيعاب مثل تلك الزوجات وأولادهم ، أما فى عالم اليوم فما ذنب هذه الزيجات وأولادهم من وضعهم فى مجتمعات لا ترحم مرهونين بعوامل الضعف والفساد والتشرد والتى تمتلىء بها مجتمعات اليوم ولكن نسمع العديد من الصيحات التى تشتكى من مثل هؤلاء الأزواج المتلاعبين الذين فرغوا غير مبالين بحقوق النساء ومصالحهم .

4- إن وضع المرأة اليوم قد تغير ، وما عادت مجتمعات اليوم تستوعب مثل هذه الإفرازات السلبية السيئة ، لقد أصبح الطلاق بالنسبة للمرأة عبارة عن إعدام لحياتها الزوجية ، ونادراً ما يتقدم لخطبتها أحد وعليها بعد ذلك أن تتحمل أعباء الحياة وقسوتها بكل ما تحمله هذه الكلمة من تخوف على كرامتها وعفتها وشرفها .

5- ولنا أن نتصور طبيعة مثل هذه الزيجات التى تقوم على غش وخداع ومداراة من قبل الزوج ، وأين هذا الزوج من قوله تعالى : ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ، إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون﴾ (سورة الروم – الآية 21) .

6- إن الرأى بجوازهذه النوعية من الزيجات لا يتواءم مع مقاصد الشريعة فى باب الزواج القائم على حفظ التناسل ودوام العشرة إلا فى حالات الضرورة وبرضاء الزوجة.

7- كما أن القاعدة العامة فى الإسلام فى مادة السلوك الإجتماعى بصفة خاصة تقضى بأنه لا ضرر ولا ضرار تدل دلالة قاطعة على أن الإسلام يرفض هذا الشكل من الزيجات ، ولكن هذا بحسب القاعدة العامة فقط فى الزواج.

ولنا أن نتساءل : هل يجوز للزوج أن يطلق زوجته دون مسوغ شرعى ؟! ... إن حرية الطلاق تقترن به الأحكام التكليفية الخمسة فهو قد يكون حراماً او مكروهاً أو مندوباً أو واجباً أو مباحاً هذا بالنظر إلى كل حالة بانفرادها أما القاعدة العامة بشأنه فهى الحظر فلا يباح عند كثرة الفقهاء (21) . ونحن لا نتفق مع ذلك لأن الطلاق وإن كان مكروهاً إلا أنه حلال شرعاً لا حظر فيه .

لقد أدرك الإمام الأوزاعى إمام أهل الشام فى عصره كل ذلك والنتائج على مداها المستقبلى ، فلم يتردد لحظة فى نسبة هذا الزواج إلى كونه زواج متعة ، إدراك منه لخطورة هذا الشكل من أشكال الزواج على الشرط الذى اتفق عليه المسلمون وفقهائهم ألا وهو شرط التأبيد .

وإننى أرى بعد كل هذا أولاً أن نتفق حول مفهوم زواج المتعة أو التأقيت وفقاً لما ورد فى القرآن والسنة لا كما يفهمه أو يريد بأن يفهمه الفقه الشيعى فى هذه المسألة ، فما هو نكاح المتعة أو النكاح المؤقت عموماً ؟ ومتى يكون مباحاً أو حلالاً ومتى لا يكون كذلك ؟

8- نقول أن النكاح فى الإسلام هوعقد مدنى لا سلطان لرجل الدين فى إبرامه أو إشهاره أو إنعقاده أو صحته أو لزومه ونفاذه لأن الإسلام لا يقر ولا يعترف برجال الدين ولا يوجد فى الإسلام رجال دين أو كهنة أو أحبار أو قساوسه ، فالإسلام دين الفطرة والنكاح مدنى وبالفطرة ويكفى لإنعقاده وصحته الإيجاب والقبول بين طرفيه واشهاره أمام شاهدين وهذا يكفى ويلزم لصحته وانعقاده ونفاذه ولزومه شرعاً ، كما أن النكاح فى الإسلام لا يجوز اشتراط تأبيده لأن شرط التأبيد إن ذكر فى العقد أبطل العقد وجعله نكاح مسيحى ، كما أنه لا يوجد ما يمنع الزوج أو الزوجة من التطليق أو الطلاق بعد انعقاده ولو بساعة مما يجعل أمر أو شرط التأقيت لا يتنافى مع جوهر الإسلام وأساس النكاح من حيث الإنعقاد أو الصحة ، غير أن الأهم من شروط التأبيد أو شرط التأقيت هو أثار النكاح من نفقة وعدة وميراث وإثبات بنوة وأى عقد يتضمن إقصاء أو الإخلال بهذه الآثار يعتبر باطلاً ولو كان نكاحاً بغير متعة أو تقليدى ، وأى عقد يتضمن الإلتزام بهذه الآثار يعتد به ويعتبر صحيحاً فى نظر الإسلام ولو تضمن شرط التأقيت .

9- ويتقعر بعض فقهاء السلف والسنة ويقولون بجواز عقد التحليل النكاحى وحرمة أو كراهية عقد المتعة علماً بأن الإثنين لا فارق بينهما فى اعتقادى لأن الإثنين فى التأقيت واحد ، وإنى لأسأل هؤلاء إذا لم يكن للنكاح هدف للمتعة ، فماذا يكون هدف النكاح ؟ هل يكون هدفه النكد والتعاسة للزوجين ؟

إن النكاح أياً كان مسماه أو صورته هدفه الأساسى هو الإمتاع والإستمتاع بين المتناكحين وإلا نكون بصدد زواج فطرى هدفه الإحصان وغض البصر والإرتياح النفسى والإرتواء العاطفى للزوجين وجعل بينهما مودة ورحمة ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا﴾ (سورة النساء – الآية الأولى) . ﴿والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفده﴾ (سورة النمل – الآية 72) .

فأهل الشيعة قد فهموا جوانب زواج المتعة خطأ ووضعوا له شروطاً لا تتفق معه وتخالف أصول الشريعة ، وعليه فلقد رفض أهل السنة هذا الفقه ولم يقبلوا نكاح المتعة فى حد ذاته ، فى حين أن أهل السنة قد أجازوا نكاح المحلل المؤقت بطبيعته فأبطلوا الشروط وأجازوا العقد علماً بأن العبرة بالنية فى العقد وليس المكتوب هو الأساس .

10- لذلك فأنا أقول – ونحن فى منتهى الخشوع والتواضع – أن نكاح المتعة بحسب الأصل وبحسب وضعه فى الشريعة نكاح صحيح وغير مخالف للشريعة وجائز شرعاً بل وربما يكون واجباً فى بعض الأحوال مثل الأزمات والكوارث والفقر والمجاعات وانتشار الزنا والفساد ، كذلك فى أحوال الحروب والغزوات والثورات والإنقلابات والكساد المالى والإقتصادى ومنه أيضاً نكاح الجهاد أو الحروب .

ولكن نكاح المتعة هذا الذى أراه جائزاً شرعاً ليس بمفهوم أهل الشيعة ، فنكاح أهل الشيعة فى المتعة باطل عندنا لا لكونه يشترط التأقيت ولكن لأنه لا يترتب عليه آثار النكاح الفطرى عند المسلمين ، فيلزم من وجهة نظرنا لصحة نكاح المتعة شرعاً وجوازه وصيرورته مباحاً وواجباً فى بعض الأحوال ما يلى :

1- توافر الإيجاب والقبول لدى الطرفين .

2- تمام العقد بألفظ النكاح أو الزواج .

3- اشتراط المدة أو عدم اشتراطها غير لازم أى سواء تم الإتفاق على مدة أو لم يتم الإتفاق فهو جائز فى كلا الحالتين .

4- دفع المهر أو الأجر قبل أو بعد أو أثناء المدة جائز فى كل الأحوال .

5- توافر شاهدين للعقد على الأقل و إلا يبطل العقد عندنا .

6- ترتيب جميع آثار النكاح العادى كالتوارث الشرعى وإثبات البنوة والنفقة والطلاق أو الفسخ ما لم يتم تجديد العقد من الطرفين فضلاً عن التوارث بينهما إذا مات أحدهما أثناء المدة .

7- أن الأبناء يرثون الزوجين معاً .

8- يفضل توثيق العقد للإثبات لسماع الدعوى عند الإنكار.

فالفارق الوحيد بين نكاح المتعة الذى أراه صحيحاً والنكاح العادى لدى أهل السنة والشيعة معاً هو شرط التأقيت الذى أراه لا يبطل العقد ويصح النكاح ، لذلك فلا أرى فى نكاح المتعة بهذا الشكل أى مخالفة للشريعة وآيات وأدلة ذلك لدينا كثيرة ، وهى :

1- قوله تعالى : ﴿... وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين ، فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليكم حكيما﴾ (سورة النساء – الآية 24) .

هذا فيما يتعلق بنكاح متعة الحرائر من النساء .

2- قوله تعالى : ﴿... فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان﴾ وهذا فيما يتعلق بنكاح متعة غير الحرائر من النساء .

- وتوضح هذه الآيات جواز نكاح المتعة حيث لفظ الإستمتاع جاء صريحاً ، كما أوجب وفرض ايتاء الأجر والمهر فلا فارق بينهما ، كما أجازت الإتفاق على أى أجر وأجازت التنازل عن الأجر ، فأساس العلاقة بين المتناكحين هو الرضا والإشهار فقط أما الماديات فليست أساس العلاقة .

3- فلقد روى عن بن مسعود أنه قال : كنا نغزو مع رسول الله  ليس معنا نساء فقلنا ألا نختصى ؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ بن مسعود ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم﴾ ومن سيرة الجهنى أنه غزا مع النبى  فتح مكة فأقمنا بها خمسة عشر ، فأذن لنا رسول الله فى متعة النساء .

ولقد روى عن إمام الشيعة الصادق قوله : " ليس منا من لم يستحل متعتنا " ولقد روى الكافى أن الباقر سأل عن المتعة فقال أحلها الله فى كتابه وسنة نبيه ، نزلت فى القرآن ﴿ فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن﴾ فهى حلال إلى يوم القيامة ، ولقد روى عن على بن أبى طالب قوله : " لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقى " .

وأنا أرى أن أهل السنة كرهوا بل حرّموا المتعة بالشكل الذى فهمه الشيعة إلا كراهية فى الشيعة لا حباً فى الشريعة ، وأرى أن أهل الشيعة أحلوا وأجازوا المتعة كراهية فى أهل السنة وبصفة خاصة فى عمر بن الخطاب الذى كان حريصاً على تحريمها . فالمسألة إذن لا علاقة لها بالفقه أو الشريعة ولكن تعصب الأقوام والإنحياز لمذهب دون أخر (22) .    

4- ولقد روى البخارى فى صحيحه أن رسول الله  قال : « أنه قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا» وروى أيضاً البخارى فى صحيحه أن رسول الله  قال : «أيما رجل وإمرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال فإن أحبا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركا» .

غير أن فقهاء السنة يرون أن المتعة وإن كانت حلالاً مباحاً فى البداية بالقرآن والسنة إلا أن هناك بعض الأحاديث التى نسختها فحرّمت أو نهت عن المتعة ، غير أننى أرى أن الحديث لا يجوز له أن ينسخ القرآن ، فالقرآن لا يُنسخ إلا بالقرآن لا بالحديث ، فمثل هذه الأحاديث قد تكون غير صحيحة وربما موضوعة .

وإنى أرى أن المتعة بالشروط التى وضعناها لا شروط الشيعة حلاً مثالياً وحضارياً لأزمة العنوسة وكثرة النساء فى العالم الإسلامى اليوم ، كما أنها سوف تكون وسيلة للحد من الوقوع فى الزنا أو السفاح ، فبدلاً من اللجوء إلى الزنا المحرم قطعياً فإنه يمكن اللجوء إلى زواج المتعة بالشروط التى وضعناها وتتفق مع الشريعة وبصفة خاصة فى عصر الأزمات التى لا تنتهى (أزمات مالية وإقتصادية – كوارث طبيعية – حروب ونزاعات مسلحة أهلية وإقليمية ودولية – مجاعات – فقر – بطالة .... الخ) .

فلقد روى البخارى فى صحيحه أن رسول الله  قال : « أن من أشراط الساعة ان يرفع العلم ويكثر الجهل ويكثر الزنا ويكثر شرب الخمر ويقل الرجال ويكثر النساء حتى يكون لخمسين إمرأة القيم الواحد» . ولقد روى أيضاً البخارى فى صحيحه أن رسول الله  قال : « ترى الرجل الواحد يتبعه أربعون إمرأة يلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء» .

فزواج المتعة جائز شرعاً وبصفة خاصة فى حالات الضرورة والحالات الإستثنائية والأزمات بل أراه واجباً حتى لا يقع الشباب فى الحرام القطعى وهو الزنا أو الدعارة الدولية ، وعليه فالنكاح إما نكاح عادى فى الأمور العادية وإما نكاح مؤقت فى أحوال الأزمات والضرورات والإستثناءات وأرى فيه حلاً نموذجياً لمشاكل الشباب اليوم ، حيث المغالاة فى المهور أمام الشباب فيلجأ هولاء الشباب إلى ما حرّم الله من زنا ودعارة ومواقع إباحية وأفلام مخالفة للشريعة والفطرة.

فعلى الفقه الإسلامى سواء السنى أو الشيعى إعادة النظر فى فقه زواج المتعة بالشرائط التى رأيناها نحن والتى تتفق مع الشريعة الإسلامية وتحافظ على حقوق المتناكحين بالشكل الذى عرضنا له آنفاً .طنتبعة لطيفة القاضي