"السادات" يغازل "النفَس الصوفى"
تاريخ النشر : 2019-10-04 18:06

تقدم «السادات» للاستفتاء على رئاسة الجمهورية العربية المتحدة بقرار من رجال عبدالناصر (أكتوبر 1970)، ظناً منهم أنه «شخصية تحت السيطرة»، هذه القراءة الخاطئة لشخصية الرئيس الجديد هي التي ساقت بهم فيما بعد إلى الخروج الكامل من المشهد والإيواء إلى زنازين السجون. القياس الخاطئ عادة ما يقود صاحبه إلى المهالك، قاس رجال عبد الناصر الصورة على الأصل، ولم يفرقوا بينهما فكانت الخسارة من نصيبهم. «الأداهم» الذين كانت تصل إليهم أخبار الصراع الفوقي على السلطة لم يكترثوا بالأمر، بل مكثوا فى انتظار الفائز، وعندما خرج الصراع من السر إلى العلن تعامل أغلبية «الأداهم» معه بأسلوبهم المعتاد المتمثل فى «الاستماع والفرجة» فتحلقوا حول أجهزة الراديو والتليفزيون وشرعوا يسمعون أو يشاهدون تفاعلات الصراع والأحكام التي صدرت بحق الأسماء الكبرى التي كانت بالأمس ملء السمع والبصر، مثل على صبري وشعراوي جمعة وسامي شرف وغيرهم.

لم يكن ميل «الأداهم» إلى الفرجة سلبياً، بل كان عن خبرة وتجربة. فالأدهمية جمهورية الصوت الواحد، وهى لمن غلب، وقد تعلم «الأدهم» أمام أى صراع أن يمكث فى انتظار الغالب، حتى إذا حدث وظَّف حنجرته فى الهتاف له، ويبقى بعد ذلك «اللى فى القلب فى القلب»!. تماماً مثلما كان يفعل بسطاء الأداهم فى رواية الحرافيش عندما كانوا يحتشدون لمشاهدة معارك الفتوات ليهتفوا للفائز «اسم الله عليه.. اسم الله عليه». هكذا كانت تردد حناجرهم أما قلوبهم فتقر على حقيقة أن الفتوة الجديد لن يختلف عن الفتوة البائد. فكلاهما يتفق فى ظلم الحرافيش، وإن اختلفت النسبة. لذلك فقد أبدى الأداهم رد فعل غريباً على أول خطاب ألقاه السادات بعد تولِّى السلطة، فقد شكر الرئيس الجديد مَن قالوا نعم ومَن قالوا لا فى الاستفتاء، فإذا بالأداهم يطلقون نكتة تقول: «السادات شكر فى خطابه مَن قال نعم ومَن قال لا.. ووجه شكراً خاصاً لـ أَمَّة نعيمة التى قالت نعمين»!.

الموقف الشعبي الكامن لم يكن بعيداً عن تفكير «السادات» فقد كان فلاحاً مصرياً حصيفاً، يعرف كيف يفكر الأداهم وكيف ينظرون إليه، لكنه لم يرتبك بل بدأ التخطيط لتذويبه. فكَّر السادات وقدَّر أن أول بوابة يجب أن يطرقها حتى يجد لنفسه مطرحاً فى النفس الأدهمية هى بوابة الدين، فتوجهت كاميرات التليفزيون إلى حيث يركع الرئيس ويسجد فى صلواته لله تعالى، واتخذ قراراً بقطع الإرسال الإذاعي والتليفزيوني لرفع الأذان في مواقيت الصلاة، وتعمد أن يبدأ خطاباته بعبارة «بسم الله»، وأن يختمها بآية قرآنية تحمل دعاء أو ابتهالاً لله. أحاط «السادات» نفسه أيضاً بعدد من المهتمين بالشأن الديني بطرق ومشارب مختلفة، مثل الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر، والكاتب والمحدث اللبق الدكتور مصطفى محمود، والفريق حسن التهامي وزير الدولة لشئون رئاسة الجمهورية وغيرهم. والقاسم المشترك الأعظم بين معظم الشخصيات الدينية التي قربها «السادات» هو «النفَس الصوفي». يستوي في ذلك المسئول عن أهم مؤسسة دينية في مصر والمسئول عن إدارة مؤسسة الرئاسة.

ليس فى مقدور مَن عاصر هذه الفترة أن ينكر تأثير التحول الذى أحدثته «بوابة الدين» فى نظرة الأداهم إلى السادات. فقد مال بعضهم إليه، وبدأ بعض الشعبويين يتحدثون عن الرئيس الجديد المداوم على الصلاة، والمردد للآيات القرآنية، والذى اتخذ قراراً ببث الأذان لتنبيه المسلمين لمواعيد الصلاة، وقد أعجب القرار الأخير قطاعاً لا بأس به من الأداهم ورضوا بالوصف الذى خلعه الرئيس الجديد على نفسه: «الرئيس المؤمن»، ولم يفكر أى منهم فى أن هذا الوصف يحمل تعريضاً بسلفه جمال عبدالناصر!.

عن الوطن المصرية