غياب القدوة وتصدر السفهاء المشهد
تاريخ النشر : 2019-10-19 23:40

لا شك أن غياب الدور الرقابي سواء كان بالمنزل أو المدرسة أو حتى بالأوساط الاجتماعية أو حتى بالدراما العربية خلق لنا فراغ في عقول الأغلب من المراهقين؛ الأمر الذي أفرز لنا جيلاً بلا وعي، جيل يعتمد على العنف والبلطجة للحصول على ما يريد، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى انتشار معدلات الجريمة، وخلق شخصية جبانه تقلد دون أن تناقش!!

في اعتقادي أن من أهم أسباب غياب القدوة لدي الشباب هو أن الحياة أصبحت بالنسبة لهم مادية أو تقليد أعمي بلا نقاش أو جدال، إذ يبدو أن تسارع الحياة وتعقيدها، قد خلق فجوة كبيرة بين الأجيال الماضية والحاضرة، وجعلت لكل جيل منهما اعتقادات ومبادئ وشخصيات مختلفة، وبنظرة سريعة سنجد أن الجيل الحالي مختلف تماماً حتى في قدواته الذين تحولوا من العلماء ورجال السياسة والأدب إلى المطربين والممثلين الذين بنوا شهرتهم بسرعة دون تعب واضح، مما شكل فراغاً كبيراً لدى الشباب. و قد لا نلوم الجيل الحالي على اختياراته، لأن الإنسان في النهاية يحتاج إلى شخصية يعجب بها ويقتدي بأفعالها وسلوكها.

وكذلك أيضًا هدم الدور الرقابي للأسرة فمع انتشار مظاهر العولمة والتغير الحضاري والنقلة السريعة التي يشهدها العالم في مختلف المجالات خاصة التكنولوجية تعتبر من أهم أسباب انعدام الرقابة الأسرية، فالانفتاح العام في مدركات ومستقبلات الدماغ للصور والنماذج الحية والضمنية، الحقيقية والخيالية سواء الدارجة في الحياة أو المبثوثة عبر أجهزة الإعلام، التي أصبحت من مظاهر الحياة اليومية حول العالم ودعم ذلك غياب التوجيه الأسري إما لأسباب عصرية تقليدية أو لصراعات غربية.

أو نتيجة الجهل بأثر هذه الممارسة على عقول الشباب، بالإضافة إلى ذلك ضعف الوازع الديني والابتعاد عن القيم والعادات والموروثات البيئية والهوية الوطنية، والتي أثرت كثيرًا على توجهات الجيل الجديد خاصة في ظل (لا قدوية الآباء) الذين هم أساس المشكلة بانحلال البعض من قيمه وهويته ومجاهرته بالممارسات الخاطئة أمام الأبناء مما يبعث برسائل مباشرة وضمنية إلى الأبناء.

ويعتبر غياب القدوة الحسنة في تلك الفترة من أسباب فشل النجاح في الحياة وتصدر مشاهد العنف والبلطجة في حياتنا اليومية؛ لما لها من أثر كبير في بناء الشخصية، فهي تدل على ما يقتدي به شخص معين أو ما يتخذه مثالًا له في الحياة، لتكوين سلوك جديد أو لتعديل أفكار ما، وميل الشباب إلى اتخاذ قدوة ما هو إلا استجابة طبيعية لحاجة داخلية تعبر عن وجود نقص ما يشعر به المرء ويحتاج إلى إشباعه.

واتخاذ قدوة ما أو مثل أعلى يبدأ من الصغر عندما يبدأ الطفل بتقليد أباه في تصرفات وسلوكيات يظهرها الأب أمام أبنائه ليقتدوا بها، الأمر ذاته بالنسبة للبنات فهن لصيقات أمهاتهن فيقلدن ما يشاهدنه من تصرفات وحركات تصدر عن الأم. فمن هنا كانت الحاجة الماسة للقدوة الحسنة وهي أمر جوهري مشترك بين الشباب، ولكنها تختلف بكمية وجودها في حياتهم. ويعتبر وجود القدوة ضرورة تربوية لنمو الشخصية في سياقها الطبيعي، ولكن لا بد من محددات أو ضوابط عند اتخاذ قدوة ما، بحيث يكون الامتثال سويا مع ضرورة أن تنسجم رؤى الشخص وأفكاره مع النموذج القدوة الذي تم اختياره والواجب اعادة النظر في طرق تنمية أخلاق ومواهب وقدرات الشباب للإبداع والتطوير لمواكبة التطور العالمي وليس العكس .