لماذا لايمكن إجراء الانتخابات الرئاسية الفلسطينية؟
تاريخ النشر : 2019-11-12 16:03

تسعى هذه المقالة إلى تسليط الضوءعلى الأسباب الحقيقية التي تقف سدًا منيعًا في طريق إجراء الانتخابات الرئاسية الثالثة التي قد مضى ما يقارب العقد ونصف على إجرائها، وكذالك الانتخابات التشريعية التي لم يتم إجرائها أيضًا ولن تحدث بشكلها العام والشامل وبمشاركة واسعة، ومعيقات إجراء الانتخابات الرئاسية هي تقريبا نفس المعيقات التي تقف بوجه إجراء الانتخابات التشريعية التي لن تحدث في الوقت القريب، وفي الشكل الذي حدثت به الانتخابات الأولى والثانية، وإذا إذا إذا حدثت ستكون شبيهة في انتخابات المجلس الوطني واللجنة التنفيذي لمنظمة التحرير التي حدثت في الآونة الأخيرة تفصيل على مقاس وتخطيط الرئيس عباس وبمشاركة محدودة بدون مشاركة حماس والجهاد والجبهة الشعبية ومع ندم الجبهة الديمقراطية على المشاركة، ولكن ما يهمنا في هذه المقالة هو الانتخابات الرئاسية الثالثة.
لقد تولى الرئيس محمود عباس منصب الرئاسة الفلسطينية بعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات في 11تشرين الثاني/ نوفمبر2004، من خلال الانتخابات الرئاسية الثانية التي تم إجراؤها في 15كانون الثاني/يناير 2005 ومدة رئاسته أربعة أعوام، إلا أنه بقي في هذا المنصب لمدة 14 سنة، رغم إنتهاء ولايته الدستورية عام 2009؛ وذلك بسبب أحداث الانقسام الفلسطيني، وعدم إتمام المصالحة، وعدم الاتفاق على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية الثالثة. بعد هذه المقدمة لابد من طرح السؤالين الإشكاليين اللذين يتمثلان في الآتي: من هو خليفة الرئيس؟، وماهي معيقات إجراء الانتخابات الرئاسية؟
للإجابة عن السؤالين لابد من التطرق في البداية إلى الأسباب الرئيسية التي تعيق إجراء الانتخابات الرئاسية والتي يمكن حصرها بخمسة أسباب وهي:
المعيق الأول: أن حركة فتح غير جاهزة للانتخابات الرئاسية والتشريعية، فهي تدرك بأنها سوف تخسر في حال ترشح قيادي وطني مدعوم من قبل حماس وبعض الفصائل والتيار الإصلاحي.
ويتمثل المعيق الثاني: في خلافات حركة فتح الداخلية، وعدم اتفاقها على قيادي فتحاوي يحظى باجماع الحركة والشارع الفلسطيني. فالتنافس على هذا الكرسي سيكون حاسمًا وبلا كوابح وموانع وقد يصل لحد استخدام الفوضى المنظمة -المليشيات- وغيرها من الوسائل، وقد يؤدي لتدخل الأطراف الدولية والعربية، وقد يكون الباب مفتوحًا على مصراعيه للتدخلات الإسرائيلية وهي الأهم.
وهذا ما أكده فتح بازار المترئسين لخلافة الرئيس عندما دخل عباس الذي يبلغ من العمر 84 عامًا المستشفى الإستشاري في رام الله في 20 أيار/مايو 2018 وخرج منه بعد ثمانية أيام، حيث سادت أثناء مرضه التكتلات وبورصة الأسماء، فقد أضحى الصراع واضحًا بين تيار يقوده عضو اللجنة المركزية جبريل الرجوب، والتيار الاصلاحي الذي يقوده النائب محمد دحلان، فقد صرح دحلان قبل أيام أنه لاشيء يمنعه من ترشيح نفسه لأي منصب، والرجوب صرح في 11تشرين الثاني نوفمبر 2019، بخصوص مرشح فتح للرئاسة ردا على تصريح القيادي الفتحاوي المقرب من الرئيس حسين الشيخ بأن مرشح فتح الوحيد للرئاسة هو الرئيس عباس، حيث قال الرجوب عن ترشيح عباس للرئاسة: لم نناقش هذا الموضوع ولما نصيد الدب بنحكي عن جلده
أما المعيق الثالث: وهو متعلق أيضًا بحركة فتح التي تدرك جيدًا بأنها قادرة على خوض الانتخابات الرئاسية والفوز بها بشخصية القيادي الأسير مروان البرغوثي، ولكن اللجنة المركزية وقيادات فتحاوية لاتريد لمروان دورًا في رأس الهرم الفتحاوي. فقيادة فتح تدرك بأن البرغوثي سيرشح نفسه للانتخابات في حال تم عقدها، وسوف يحظى بدعم الجبهة الشعبية وحركة حماس والجهاد الإسلامي، وسوف تخرج البيانات من السجون الإسرائيلية باسم هذه الفصائل وتعلن دعم مرشح المقاومة في منصب الرئاسة.
ويتجسد المعيق الرابع: في الدور البارز والواضح للتيار الإصلاحي الذي يقوده دحلان والذي بدوره سينضم لدعم مروان. يقول النائب في المجلس التشريعي المحسوب على دحلان ديمتري دلياني" بكل صراحة أي شخص سيرشح عن الحركة بطريقة انتخابية لا يمكنه أن ينجح دون اتفاق مع التيار وعلى رأسه دحلان".
وفي ظل الأزمة الفتحاوية الداخلية، تدرك قيادة فتح أن حركة حماس سوف تنافسها في الانتخابات الرئاسية، من خلال دعم مرشح مقرب من الحركة والمقاومة، على الرغم من الـتطمينات السابقة التي تلقتها فتح من القاهرة بأن حماس لن ترشح أحدًا في انتخابات رئاسة السلطة، لكن خشيتها تتمثل في إمكانية اتساع تفاهمات (دحلان - حماس) التي بدأت قبل عام لتصل إلى مستوى تحالفات واسعة في أي انتخابات قادمة يتم بموجبها اختيار شخصية توافقية بينهما، يتمكنان من خلالها الإطاحة بفريق عباس عبر صندوق الانتخابات.
والمعيق الخامس والمهم: يتعلق بحركة حماس، فحركة فتح رغم التطمينات سابقة الذكر إلا أنها متخوفة من تراجع حماس عن وعدها للقاهرة بعدم الترشح، وأعتقد بأن حركة حماس تخلت عن هذه الوعود التي كانت ضمن صفقة كاملة لإتمام المصالحة التي لم تتم، فعليه أصبحت هذه الوعود في مهب الريح وكما ذكرنا سابقًا فقد تذهب حماس لترشيح شخصية وطنية ومحايدة وداعمة للمقاومة وكل الخيارات مفتوحة لحماس التي تتطلع لتثبيث قدمها رسميًا في الضفة، وهذا يعني أن خوض حركة فتح للانتخابات يعد مغامرة ومجازفة غير واضحة النتائج. وفي هذا السياق، أوضح موسى أبو مرزوق موقف حركة حماس في نهاية أيار/مايو 2019، مبينًا أن "الزمن الذي تسيطر فيه حركة فتح على كل أطراف القضية الوطنية قد ولّى ".
بالاضافة لعوامل مثل عدم إتمام المصالحة، وإنهاء الانقسام الفلسطيني، والتذرع بعدم تمكين الحكومة في القطاع وغيرها من العوامل الذاتية والموضوعية.
وهنا نصل إلى السؤال الصعب، هل يكمن الحل في يد الرئيس محمود عباس الذي يملك ورقة إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني ومنع الساحة الفلسطينية من الانجراف للمزيد من الخلافات والانقسامات والتشرذم، وفي حال عدم قيامه بذلك، استستغل إسرائيل وأمريكا والبعض العربي هذا الوضع، وعلى إثره سيتم نقل ملف فلسطين إلى أيادي العرب الذين يريدون التوقيع على صفقة القرن وتمريرها.
وفي العودة للسؤال السابق، يستطيع الرئيس أن يقوم مباشرة وفورًا برفع العقوبات عن القطاع، والدعوة لاجتماع الإطار القيادي الموسع ودعمه المطلق لترتيب البيت الفلسطيني، والاتفاق مع الفصائل لإجراء انتخابات رئاسية في المرحلة الأولى وليست تشريعية من أجل أن تكون مهمة الرئيس الجديد إتمام المصالحة وإجراء الانتخابات التشريعية الثالثة في كل فلسطين وتكون الحريات والمشاركة السياسية مفتوحة كما كانت في الأولى والثانية، وليس كما هو سائد حاليًا في كل من الضفة والقطاع من قمع واعتقال، فحركة فتح تمنع حماس من رفع راياتها في الضفة وحماس تمنع فتح حتى من إحياء ذكرى استشهاد الرئيس عرفات. فالانتخابات التشريعية تتطلب مصالحة وتهيئة الأجواء للانتخابات والحريات لتكون المشاركة فاعلة وواسعة وليست محدودة الجغرافيا والديموغرافيا؛ لأنه من دون إتمام المصالحة الفلسطينية الفلسطينية لاشيء سيستقيم في هذا الوطن، واعتقد جازمًا أن التنظيمات وفي مقدمتها حماس سيوافقون على هذا الحل لتفادي انهيار المؤسسات الفلسطينية والمحافظة على شعرة معاوية في العلاقات الفصائلية والوحدة الوطنية.
أما بخصوص موافقة حركة حماس على إجراء الانتخابات التشريعية بهذا الشكل فيعود للعديد من الأسباب أحاول أن اسردها في عجالة وهي انسداد نافذة الفرص السياسية أمام حماس بظل الحصار المطبق عليها في القطاع، حيث تم إغلاق المنفذ الوحيد لها على العالم الخارجي وهو معبر رفح البري الذي يفتح في القطارة، وحصارها على جميع الصعد والمستويات حتى شاركت السلطة في الحصار من خلال جملة من العقوبات التي اتخذتها بحق القطاع ومازالت مستمرة، فقيادة حماس التي تعمل بآلية القيادة الجماعية أخذت قرارها بالمشاركة وهي تدرك بأن حركة فتح غير جاهزة للانتخابات، وأن الرئيس يناور ولايريد مشاركتها، فلو رفضت لكان موقفها ضعيف جدًا أمام الشارع الفلسطيني بشكل عام وأمام الشارع الغزاوي بشكل خاص المتعلق بقشة للنجاة من الحصار والوضع المزري، فحماس لعبتها صح وهذا مايفسره قبولها بشروط الرئيس عباس المستمرة والمتجددة فكلما وافقت حماس على شرط يضاف شرطيين جدديين، ابتداء من القبول بانتخابات متتابعة وليس متزامنة "تشريعية ورئاسية"، وأن تكون بالنظام النسبي الكامل وليس "75% نسبي، 25% دوائر"، والقبول بتأجيل اللقاء الوطني لما بعد المرسوم وليس قبله، بالاضافة إلى أن من يحاور حماس والفصائل هو لجنة الانتخابات المركزية التي لايقع ذلك ضمن اختصاصها فهي لجنة تنفيذية للانتخابات وليست لمحاورة التنظيمات وغيرها من القضايا الواضحة للعيان وغير الواضحة تصب في افتراض أنه لايوجد انتخابات عامة سواء تشريعية أو رئاسية قريبًا.
وفي نفس السياق، صرح الرئيس عباس في 11تشرين الثاني/نوفمبر20019، في الذكرى الخامسة عشر لاستشهاد الرئيس عرفات،" قررنا الذهاب إلى الانتخابات التشريعية ثم الرئاسية، مشددا على ضرورة أن تعقد في غزة و القدس، ودون ذلك لن تكون ". معنى ذلك بأن الانتخابات لن تكون، فالرئيس والكل الوطني يعلم بأن إسرائيل لن توافق على مشاركة القدس بظل ماحققته من إنجازات بضم القدس ونقل السفارة الأمريكية والاعتراف الأمريكي بها عاصمة لدولة الاحتلال وبظل انعدام القوة الفلسطينية والعربية وفقدان الضغط الدولي والعربي على إسرائيل ووقوف الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب بصف إسرائيل كل مما سبق يعني بأن إتمام الانتخابات سيكون في مهب الريح.
*كاتب فلسطيني وباحث مختص بالحركات الأيديولوجية