محللون سياسيون يقيمون لــ "أمد" قرار الجهاد في الجولة التصعيدية على غزة ويطالبون حماس بتفسير موقفها
تاريخ النشر : 2019-11-17 22:30

غزة- محمد عاطف المصري: اثارت الجولة التصعيدية الأخيرة والتي قادتها حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، بلبلة ولاسيما بعد اتفاق وقف اطلاق النار بين إسرائيل والجهاد.

كما واستهجنت أوساط عديدة، موقف حماس من تلك الجولة والذي أسموه البعض بـ "السلبي"، مطالبين بتفسير عدم مشاركتها في صد العدوان عن القطاع  للشارع الفلسطيني، بجانب الجهاد الاسلامي 

ورغم اظهار حركتا حماس والجهاد الاسلامي ان العلاقة بينهما في أفضل حالاتها على الإطلاق، وان "المقاومة" ستبقى الدرع الحامي للفلسطينيين في وجه الاحتلال، الا ان وجود توتر بين الحركتين على اثر المواجهة الاخيرة مع الاحتلال والتي انتهت دون تدخل الجناح العسكري لحركة حماس كتائب القسام، اثار غصة.


وبهذا الشأن قال الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل:" ان شروط حركة الجهاد الاسلامي لوقف اطلاق النار هي شروط بسيطة ولا تنطوي على تعقيدات،  وهي شروط تظهر حركة الجهاد الاسلامي، في موقع الدفاع عن الشعب الفلسطيني، لان موضوع الاغتيالات لا يخص الجهاد وحدها، وموضوع اطلاق الرصاص على المتظاهرين شرق غزة، أيضاً لا يخص الجهاد الاسلامي،  بالإضافة إلى موضوع التفاهمات الحالية والسابقة موجودة، موضحاً  ليس هناك شرطا مستحيلا طرحته الجهاد حتى تقبل اسرائيل بموضوع التهدئة".
واضاف عوكل لـ "أمد للإعلام": " الكل يعرف انه ليست هناك ضمانات،  وليست هناك مصداقية لإسرائيل،  وفي اليوم التالي لوقف اطلاق النار قال الجيش انه لن يلتزم، بالتالي انتهت الامور إلى وقف اطلاق النار مع عودة إلى المعادلات السابقة إلى ما قبل العملية".
وعن موقف حركة حماس وعدم  المشاركة بالتصعيد. شدد عوكل  يجب على حماس تفسير هذا الموقف للمجتمع والفصائل لأنه ترك حالة من الانزعاج، وبعض الغضب لدى قواعد حركة الجهاد الاسلامي اولا،  وتساؤلات كثيرة لدى الشارع الفلسطيني ولدى المتابعين والمحللين السياسيين.
وعن السبب  في ذلك  أردف عوكل لــ "أمد للإعلام": هي حسابات بوجهة نظري الشخصية، حيث تعتقد حركة حماس بأن إسرائيل ارتكبت جريمة، ومن حق الجهاد بأن يرد،  لكن المسألة لم تتصاعد كثيراً، بالتالي ستقف عند حدود زمنية معينة ،ولو امتد وقت الاشتباك لأصبح موقف حركة حماس محرجاً. 
واعتبرعوكل ان حركة حماس بالأساس لا تريد تغيير المعادلات القائمة، بمعنى أنها الطرف الذي يقرر،  فهناك تفاهمات حماس مرتاحة لها، وبالتالي لا ينبغي للجهاد الاسلامي وغيرها ان يسعى لتغيير قواعد اللعبة. 
وحول المطالبات الجماهيرية بغزة بقصف إسرائيل وتل ابيب، أشار عوكل أن هذا يدل على حالة اليأس، وانعكاسات الوضع المزري في قطاع غزة،  وأن الناس لم يعد لديها أي شيء تخسره، وبالتالي إذا كان الموضوع ضحايا وممتلكات فالناس لم يبقى لديها شيء ،فتريد ان تنتقم من اسرائيل،  منوها يبدو ان الرد الذي وقع حتى اللحظة ،ووقف اطلاق النار لم يشفي غليل الناس،  ولم يشفي غضبهم لما تقوم به اسرائيل بين الحين والاخر من جرائم قتل.
وحول السيناريوهات المتوقعة  قال عوكل: "نحن لسنا في حالة استقرار مع إسرائيل بين وقت وآخر سيكون هناك جولة جديدة، تسعى إليها اسرائيل وفق أهداف معينة،  ومع ذلك يبقى الأمر مفتوح على احتمالات عديدة بسبب تداعيات الأزمة السياسية في إسرائيل، وما إذا كان نتنياهو فقد الامل تماما من إمكانية ان ينجو من المحاكمة او أن ينتهي مستقبله في الكنيست، مؤكدا حينها سنكون أمام مغامرات نتنياهو".

شروط الجهاد تنم عن حكمتها
وأعتبر المحلل السياسي حسن عبده ،ان شروط الجهاد الاسلامي تنم عن حكمتها وعمقها السياسي،  لان رفع مستوى الشروط يؤدي لزيادة أيام العدوان،  وهذا يلحق بالشعب الفلسطيني الاذى الذي لا تريده القيادة، وتحس بنبض الناس،  والجانب الاخر هذه الشروط المعقولة والحكيمة للجهاد الاسلامي اثرت على الوسيط المصري، والذي تبنى في البداية معادلة الهدوء مقابل الهدوء جعلته يتبنى شروط الجهاد بالكامل في الضغط على الاحتلال الإسرائيلي ،حتى يتم قبول هذه الشروط، لان مسيرات كسر الحصار، كانت أحد عوامل التفجير الدائم في معادلة الهدوء مقابل الهدوء.
واضاف عبده لــ "أمد للإعلام":" كما ان معقولية الشروط تزامنت مع استخدام انواع جديدة من القذائف الصاروخية أكبر واحدث من التي كانت تستخدم من قبل، وهذا يحمل رسالة واضحة بأن عدم قبول شروط الجهاد الاسلامي، يعني لديه القدرة على مكافئة اي مستوى من مستويات التصعيد الإسرائيلي، إذا اختارت اسرائيل التصعيد،  فهو يمتلك قدرة على تدفيع الجبهة الداخلية الإسرائيلية الثمن، من خلال تعطيل الحياة اليومية بالتالي سيندم نتنياهو ومن اتخذ القرار بمهاجمة الجهاد الاسلامي. 
وحول موقف حماس من التصعيد، اكد عبده ان موقفها اعاد بالضرر عليها، واعطى الجهاد فرصة يؤكد نفسه كقوة مركزية في الحالة الفلسطينية، قادرة على إدارة معركة بالكامل مع الاحتلال الإسرائيلي بشكل مدروس ومؤثر وحكيم، وهذا بالتأكيد اعطاه حجم كبير من التعاطف والأهمية على الصعيد الداخلي وعلى الصعيد الأقليمي، وأكد وجوده كقوة؛ وفي نفس الوقت اعطى قيمة لطبيعة المواجهة الشاملة مع قطاع غزة ،فإذا كان الجهاد الاسلامي قادر على ادارة معركة منفرد فانضمام الفصائل، وعلى رأسها الجناح العسكري لحركة حماس ، يعني ان اسرائيل ستواجه قوى كبيرة وليس الامر سهل سيكون،  فإذا كانت قوة الجهاد الاسلامي بهذا الحجم فما بالك القوى الاخرى .
وحول مطالبات بغزة بقصف اسرائيل، اشار عبده ان الجبهة الداخلية الفلسطينية والحاضنة الشعبية دائما تزاود على الاجنحة العسكرية للفصائل ، رغم ان  الاحتلال الإسرائيلي عمل لسنوات طويلة من اجل اضعاف مرتكزات الصمود في قطاع غزة،  وهي على عكس الجبهة الداخلية الإسرائيلية تماما، والمرتبطة بالرفاهية، وتتأثر بشكل سريع وحاسم تجاه اي تضرر،  فالجميع يعلم كيف اغلقت مدينة تل ابيب،  ولحق بها الضرر،  وبالتالي بدأت الاصوات تنتقد نتنياهو بأن الاغتيال في غزة ،لا يساوي حجم  والقيمة التي تدفعها الجبهة الداخلية الإسرائيلية. 
واوضح عبده أن هناك فرق بين الجبهة الداخلية الإسرائيلية والجبهة الداخلية الفلسطينية، التي بالفعل ننحني لها كفلسطينيين، ونقدر ذلك برغم ما يصيبها من اجرام اسرائيلي، الا انها خرجت في اكثر من مكان تطالب باستمرار الرد من الجهاد الاسلامي على الجرائم الإسرائيلية. 
وحول السيناريوهات المتوقعة  أردف عبده: "نحن ذاهبون الى حالة ما قبل هذه الفترة التصعيدية، وهي حالة اتسمت بالا هدوء واللا حرب،  منذ 30 مارس وبداية مسيرات كسر الحصار،  خرجت الحالة من حالة الهدوء مقابل الهدوء واصبح ما يحكم العلاقة ما بين غزة والاحتلال هي اللا هدوء واللاحرب،موضحا أن ما بين هذه المسافة هي التي حكمت العلاقة طوال الشهور الماضية، وسيعود قطاع غزة إلى  نفس الطبيعة ،بحيث يكون من وقت إلى اخر قصف اسرائيلي ، ورد فلسطيني، ولن يكن هدوء تاما كالذي حدث بعد 2014 حتى 2017 ،والتي اتسمت بالهدوء هو الاكثر في تاريخ العلاقة ما بين غزة والاحتلال.

الجماهير لديها حالة احتقان جراء الجرائم البشعة

من ناحيتها اعتبرت د. رانية اللوح الكاتبة السياسية ،ان شروط الجهاد لم تكن قوية وغير ملائمة لحجم الحدث تماما، كما كان الرد على العدوان الاسرائيلي واغتيال ابو العطا لا يتناسب مع الحدث.
وعرجت اللوح على  الثلاث حروب السابقة ، وقالت:" بكل تصعيد كان من اهم بنود التهدئة، وقف الاغتيالات الا إن إسرائيل لم ولن تلتزم بأي اتفاق، لأنها تتحدث من منطلق قوتها العسكرية ،لا منطلق احترام اتفاقيات مبرمة مع الجانب الفلسطيني او اي طرف معه، ومع ذلك كان ممكن للجهاد ان يكون أكثر قدرة على فرض شروط تتناسب مع حجم الجرائم التي ارتكبها العدو خلال الأيام السابقة.
وحول موقف حماس بعدم المشاركة في مواجهة الاحتلال في التصعيد الاخير، شددت اللوح، حماس لا مبرر لها بعدم المشاركة وما كان لها ان تترك فصيل فلسطيني لتستفرد به اسرائيل من جانب، ومن جانب اخر كان واجب على حماس الرد على الاٍرهاب الاسرائيلي كأي فصيل فلسطيني أخذ على عاتقه حماية الشعب والدم الفلسطيني، واعتقد ان الجهاد شعر بخذلانً من قبل حركة حماس تماما كما شعر به المواطنون العاديون، وان الأمور قبل هذه المعركة ستختلف عما بعدها.
واشارت د.اللوح ان الجماهير لديها حالة احتقان جراء الجرائم البشعة التي ترتكب بحق المواطنين والتي كانت اخرها مجزرة واعدام عائلة كاملة في دير البلح ،بالتالي كان سقف توقعاتهم عال بأن يكون الرد على حجم الجريمة المقترفة واعتقد انها محقة بذلك.

وأكدت اللوح لـ "أمد للإعلام "، لا نريد ان نحمل حركة الجهاد فوق طاقتها ،خاصة أنها كانت شبه وحيدة بالمعركة، اضافة لمشاركة متواضعة من قبل بعض الاجنحة العسكرية المسلحة للفصائل، كفتح والشعبية وَكتائب عبد القادر الحسيني، مشيرة قد تكون حكمة من جانب حركة الجهاد انها لا تريد فتح جبهة قوية، وحرب مفتوحة حفاظا على الدم الفلسطيني.
 وختمت اللوح :"في كل الأحوال هذه المعركة بحاجة إلى عمل جرد حساب من كل الفصائل الفلسطينية".

شروط الجهاد تعكس الحالة الفلسطينة:


من ناحيته اشار الكاتب السياسي لؤي ديب ان شروط الجهاد رغم ضعفها وعكسها لحالة فلسطينية يسيطر عليها التوهان، إلا أنها لم تلاقي القبول من الاحتلال الاسرائيلي، وأجزم أنها لم تكن للغرف المغلقة بل كانت للشارع الفلسطيني ،الذي يتطور استيعابه للأمور يوما بعد يوم، والجميع لامس النقمة علي الشروط ،واستشعر تعابير الخذلان على لسان الأمين العام للجهاد.
واضاف ديب لـ" امد للاعلام": "وبدون مجاملات هبط سقف المطالب للشعب الفلسطيني، ليس هذه المرة فحسب بل في كل جولة وكأننا ننزلق إلى منحدر تقترب نهايته"،مؤكدا انها لم ترتقي لمستوي الدماء التي سالت في الشارع وعكست حالة ضعف فلسطيني غير مسبوق.
واعتبر ديب أن ذلك كان نتيجة طبيعية لتكتيك فاشل، قبلت به حركة الجهاد على مضض، تمثل في ردها ومراقبة حماس وبعض مساعدة من الفصائل وكأننا انقسمنا في هذه أيضاً.
ويعتبر ديب أن موقف حركة حماس الذي اتصف بالحيادية ،جعلها تبرهن بإمتياز على أنها أصبحت سلطة تنحدر من رحم اوسلو،. وتستجيب بشكل أسرع بكثير للضغوط التي قاومتها منظمة التحرير سابقاً.
واضاف ديب:"كان بإمكان حركة حماس أن تفتح الحوار الصعب مع الجهاد بعد العدوان، لكن الظروف التي سبقت العدوان وعملية الإغتيال ووجود نوع من التنسيق الأمني مع أجهزة استخبارات أوروبية، وغيرها بالتأكيد جعل هذا القرار في مرحلة التطور ولم يأتي عبثاً؛ فحماس أيضا فيها تيار يقوي صوته يريد أن يقدم نموذج الحركة المرنة.
وأشار ديب أن حركة حماس ارسلت رسالتها لعدة أطراف ،للاحتلال الاسرائيلي، وأمريكا،ودول الغرب ، والاقليم بأنها تستطيع الكثير، لكن ثمن ذلك كان مؤلماً ونهاية لخسارة بشعة كلفتنا 34 شهيد، وعشرات الجرحي وابادت عائلة بأكملها مقابل لا شيء في الجانب الآخر.
واستطرد ديب: موقف حركة حماس وغيرها ووجود قرار الحرب والسلم بأيدي التنظيمات أصبح عبث ،يتجاوز مصير اكثر من مليوني فلسطيني في غزة، إلى مسألة الوجود الفلسطيني الكلي. وما نراه ويلمسه المواطن هزائم تتوالي في المواقف والعمل الجماعي الفلسطيني، وأصبحت تحتاج للنقاش والاسعاف الوطني السريع .
وحول المطالبات الجماهيرية بقصف اسرائيل قال ديب :"ان نبض الشارع لا يجمل فهذه الجولة كانت هزيمة تعدت الجهاد كتنظيم لتطال الكرامة الفلسطينية، وظاهرة الصواريخ أو المواسير الطائرة أصبحت بحاجة إلى نقاش وطني جدي.
واضاف ديب:مررنا بظواهر خطف الطائرات وايلول الأسود وحققت نتائجها التي ناسبت مراحلها، هذه الحرب توقفت لأن اضرارها كانت اكبر 400 صاروخ سقطت في اراضي خالية من الحياة ،وسقط مقابلها اكثر من اربعين شهيد فكيف يقبل الشارع الفلسطيني بتلك المعادلة؟! 
وتابع المحلل السياسي ديب:"كل صاروخ غير دقيق هو عبء سياسي ومعيشي وتكبيل لحركة المقاومة حيث يفترض تكون خفيفة،وهذا العاطفة وهذا القصف العشوائي هو بمثابة كارثة سياسية ذات ثمن غالي،وكل صاروخ يسقط في ارض فارغة يقتلع من ارضنا روحاً حية ،والمعضلة الحقيقية تكمن في أن كل تنظيم يمكن أن يغرقك في حرب كبرى ".
واستذكر ديب، لقد عشنا ظاهرة مماثلة في فترة لبنان وكانت وقتها تسمى صواريخ ميس الميس، كان اغلبها ينطلق من بلدة ميس ويسقط في البلدة ،وعندما تطورت ووصلت المستوطنات كانت احد عوامل غزو لبنان وحصار بيروت وخروج المقاومة، مضيفا كلفتنا تلك الصواريخ حصارا وضيقا وخسارة الكثير مما بأيدينا وسمحت بكل المجازر اللاحقة،وتم انهاء الوجود الفلسطيني القوي في لبنان وجلبتنا الظروف اللاحقة لاوسلو.
وتابع هذا السيناريو يتكرر الان امام أعين الجميع واياً كان المكان الذي سيأخذنا إليه سيكون اسوأ من اوسلو بمليون مرة. والشارع الفلسطيني غاضب على كل شيء ،وعلى كل هذا العبث والمغامرات والفقر والاستعباد وضياع الحريات والحروب وتدخل الاقليم وكأن اسرائيل وحدها لا تكفينا.
واستطرد، العدوان الاخير على غزة أظهر ضعف وارتباك ومؤشرات خطيرة، وعلى كل القوى السياسية قراءتها، وستكون عواقبها سيئة،  والشارع الفلسطيني أصبح كبالون يمتلأ بالهواء من الجميع، وشارف على الانفجار.
وفي قراءة للمشهد القادم، اكد ديب تستطيع الجهاد ان أرادت توريط حماس وجرها، ونتنياهو الذي يواجه صدور لائحة الاتهام يحتاج إلى حدث غير عادي، وتبقى الأمور قابلة للانزلاق نحو الحرب الشاملة، وبنظرة اكثر شمولية قرار الحرب الشاملة مع غزة هي مسألة وقت وحسابات داخلية للاحتلال ويبقي الاختلاف على ساعة الصفر.
وشدد ديب في ختام تصريحه  أن الخروج من هذه الازمة لن يكون الا باتفاق وطني شامل، يعيد التوازن في الشارع والمؤسسات الرسمية، ويستطيع التصدي مجتمعا وبخيارات وطنية للاحتلال، ودون ذلك ستظل اسرائيل متقدمة علينا بخطوات.