من وحي اتفاق أوسلو ودرس إغناطيوس للرئيس عباس!
تاريخ النشر : 2019-11-21 08:05

كتب حسن عصفور/ عندما بدأت المفاوضات السرية في يناير 1993، بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل سريا في أوسلو، أخبر الطاقم النرويجي الوفدين، ان الولايات المتحدة الأمريكية على علم بمسار هذه "القناة السرية" تراقبها وتدعما، لكنها لا تفضل المشاركة المباشرة في المرحلة الأولى من المسار التفاوضي، خاصة وانه غير معلوم استمرارها او توقفها، حيث تستضيف واشنطن لقاءات تفاوضية أخرى تحت رعايتها، وفقا لقواعد مؤتمر مدريد التي رفضت مشاركة المنظمة فيها.

لم يقف الغياب الأمريكي "عقبة" أمام انطلاق القناة النرويجية موازية للقناة الأمريكية، فسارت المفاوضات بشكل جاء خارج الحسابات التقليدية لتلك القناة، التي كان هدفها الرئيسي التوصل لصياغة تفاهم سياسي مع منظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني يكون هو أساس اتفاق لمفاوضات واشنطن.

لم يكن هناك تصور أن تكون نهاية القناة كما بدايتها، فمن اتفاق يتم تقديمه لوفد واشنطن الى اعتراف شامل بين المنظمة وإسرائيل، وهنا بزرت مسألة لم تكن ضمن الحساب السياسي لأهميتها للمفاوضات، حيث غابت الولايات المتحدة كليا عن المشاركة بالقناة النرويجية، ولم تشارك في أي جلسة تفاوضية حتى بعد الوصول الى اتفاق اعلان المبادئ المعروف إعلاميا بـ "اتفاق أوسلو".

وبعد اعلان الاتفاق شنت المجموعة اليهودية (الصهيونية) في الإدارة الأمريكية بقيادة دينس روس، حربا سياسية مفتوحة ضد الاتفاق واعتبرته "كارثة سياسية" لا مستقبل لها، ورأت فيه خروجا عن الأسس التي وضعها الإدارة للحكم الذاتي بلا مستقبل وبدون مشاركة منظمة التحرير بصفتها، حيث قامت أسس السياسة الأمريكية على شطب منظمة التحرير واستبدالها بممثلين من الضفة والقطاع، بمقاس الحل المرتقب. (لذا تشجع كل عملية فصل الضفة عن القطاع والدفع بـ "استقلالية غزة")).

أمريكا، عبر المجموعة اليهودية الصهيونية، رأت في وثيقة الاعتراف المتبادل كسرا لنظرية التمثيل المحدود، فيما اعتبرت أن  الفقرة الرابعة من الاتفاق حول "الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة جغرافية واحدة تكون الولاية عليها فلسطينية"، تخلي كلي عن مفهوم "يهودا والسامرة" في التاريخ اليهودي، والحديث عن مفاوضات الحل النهائي، واعتبار التفاوض سيطال القدس وليس القدس الشرقية فقط خروجا عن الموقف الإسرائيلي الذي اعتبر القدس الغربية جزءا من إسرائيل، بينما جاءت المادة التي تمنع القيام بأي تغييرات تؤثر على مسائل المفاوضات النهائية ومنها المستوطنات تقييدا عمليا للتوسع الاستيطاني.

ونظرا لرفض الإدارة الأمريكية لـ "اتفاق أوسلو"، فهي لم تشارك في أي مفاوضات لاحقة مرتبطة به، في طابا 1993سبتمبر حتى مايو 1994، وتوقيع اتفاق غزة أريحا أولا، ثم الاتفاق الانتقالي عام 1995، فغابت كليا عن أي مشاركة حتى من باب الاستماع، عن كل مسارات التفاوض تلك.

لم تحضر أمريكا سوى بعد اغتيال رابين وفوز نتنياهو 1996، لأنها أدركت قبل غيرها، ان اتفاق أوسلو ذهب الى المقبرة السياسية كما ذهب اسحق رابين الى المقبرة الطبيعية، ولذا بدأ دينس روس العوة لقيادة وليس رعاية المفاوضات اللاحقة، فكان "اتفاق الخليل" عام 1996 هو "الثمرة السامة الأولى" لكسر روح اتفاق أوسلو...وتتالت المفاوضات الى أن وصلت الى نهايتها العملية في قمة كمب ديفيد 2000، فبدأت تصيغ رحلة الخلاص العملي من الركن الثاني للاتفاق ياسر عرفات بالاتفاق مع الطغمة الفاشية في إسرائيل (تحالف براك – شارون) لوضع نهاية عملية لكل ما كان به لصالح الفلسطيني، والحفاظ على ما لصالح إسرائيل.

درس ذلك الاتفاق، أن أمريكا لن تكون مفاوضا لصالح طرفين بل لصالح تمرير المشروع التهويدي، وهو ما أشار اليه الكاتب اليهودي (الصهيوني) الأمريكي ديفيد إغناطيوس، في مقالة نشرها في صحيفة "واشنطن بوست" بعد اعلان بومبيو بـ "شرعنة الاستيطان والمستوطنات"، حيث أشار الكاتب الى " ...أن الفلسطينيين هم أكبر الخاسرين في التاريخ الحديث، ولماذا؟ لأنهم اعتمدوا على الوعود الأميركية لمنع إسرائيل من السيطرة على الأرض بالقوة بعد الحروب العربية- الإسرائيلية في 1967 و1973. فقد منحت تسع إدارات متتالية لهم التأكيد ذاته، وثبت اليوم أن ذلك كان كلاما فارغا"، ويحدد " الكاتب أن "هذه القصة هي درس قاس، فالتاريخ يكتبه المنتصرون، وفي بعض الأحيان تكون الخسارة الحقيقية بخسارة الأسباب، والويل للمهزوم، ويمكن للفلسطينيين الشهادة على هذا، كما يمكن للهنود الحمر قريبا من ذلك".

الدرس السياسي مما كان موقفا أمريكيا من اغتيال اتفاق أوسلو، وإعلان بومبيو الأخير، ان الرد يجب أن يكون بالتمرد الثوري وليس بالمسار التقليدي على الموقف الأمريكي، كي لا تتكرر حالة جديدة من "الهنود الحمر"...

وللتمرد قواعد وأسس ليست تلك التي اختارها الرئيس محمود عباس!

ملاحظة: 3 أيام مرت على بلفور 2، ولم تشهد مدن الضفة مظاهرة شعبية واحدة...رغم ضجيج البعض بالدعوة لانتفاضة شاملة...طيب جسدوا رفضكم بـ "حركة الأقدام" وليس بـ "رقصة اللسان"!

تنويه خاص: كسر الزعيم اللبناني كل الخطوط الحمراء التي وضعها حسن نصرالله زعيم حزب الله، جنبلاط أعلنها صراحة انتهى العهد...ولذا بات مطلوبا عهد جديد وقطعا لن يكون كما كان طائفيا جدا!