الانتخابات الفلسطينية والفرصة الحاسمة
تاريخ النشر : 2019-12-07 12:15

الفلسطينيون يأملون في أن تحقق الانتخابات المقبلة ما يصبون إليه من وحدة ومواقف سياسية ومجتمعية واقتصادية مشتركة. بينما يبدو الموقف الرسمي لحركتي فتح وحماس واعدا بتطورات في هذا الاتجاه، فإن التخوف وارد في التفاصيل.

البحث عن أمل وسط شرعية غائبة

إذا تمت الانتخابات الفلسطينية في المستقبل المنظور، فستكون هي الانتخابات الثالثة خلال فترة خمسة عشر عاما تقريبا، ما يمثل نقلة مهمة في مسيرة القضية على المستويين الداخلي والخارجي. فالأجواء التي تحيط بالدعوة للانتخابات، جاءت مصحوبة بتقديرات متفاوتة.

كانت الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية التي تمت في مطلع العام 1996 نتيجة، أو ربما شرطا لاتفاق السلام الفلسطيني- الإسرائيلي الذي تم توقيعه في عام 1993 وتم البدء في تنفيذه في منتصف عام 1994.

وافق الجانب الفلسطيني على تنفيذ انتخابات رئاسية وتشريعية فقط لمرة واحدة خلال الفترة الانتقالية التي يتم بانتهائها استكمال تطبيق بنود الاتفاق كاملة، الأمر الذي لم يتم حتى وقتنا الحاضر.

في الانتخابات الفلسطينية الرئاسية والتشريعية الأولى رفضت حركة حماس، بعد تردد قصير، المشاركة، رغم أن الرئيس الراحل ياسر عرفات أكد استعداده لخوض الانتخابات وفق قائمة مشتركة ونسب يتم الاتفاق عليها.

شنّت حماس هجوما قاسيا على هذه الانتخابات التي فازت بها حركة فتح، مع أن الأولى دعمت سرّا بعض المرشحين، حسب ميولهم الدينية أو السياسية المعارضة لاتفاق السلام مع إسرائيل.

استمر المجلس التشريعي المنتخب لمدة عشرة أعوام بسبب رفض الرئيس أبوعمار إجراء انتخابات جديدة، بينما لا يزال استكمال شروط اتفاق السلام وأطلق الرئيس الفلسطيني شعار “لا انتخابات في ظل الاحتلال”.

تغيّر الموقف الفلسطيني في العام 2005 لعدة أسباب، أولها غياب الرئيس عرفات عن مسرح الحياة، وثانيها الضغط الدولي الذي تماهت معه معظم الدول العربية نظرا للتدهور الخطير الذي رافق القضية الفلسطينية في نهاية القرن الماضي، وثالثها ازدياد قوة حركة حماس الداخلية والإقليمية، وتصاعد الخلاف والانقسام في حركة فتح.

جاءت نتائج الانتخابات الفلسطينية الثانية في مطلع عام 2006 مؤيدة تماما لرؤية حماس، في أن الوقت قد حان لتسلمها قيادة الشعب الفلسطيني ولكن النتيجة الحقيقية قد أسفرت عن عهد فلسطيني جديد، يطلق عليه الانقسام، حيث أصبح هناك كيانان فلسطينيان وحكومتان وبرنامجان سياسيان مختلفان ومتضاربان. في هذا المناخ يجري الحديث اليوم عن انتخابات فلسطينية رئاسية وتشريعية ثالثة.

يأمل الفلسطينيون في أن تحقق الانتخابات المقبلة ما يصبون إليه من وحدة ومواقف سياسية ومجتمعية واقتصادية مشتركة. بينما يبدو الموقف الرسمي لحركتي فتح وحماس واعدا بتطورات في هذا الاتجاه، فإن التخوف وارد في التفاصيل.

ولا يزال يحمل الشعب الفلسطيني احتراما وثقة في رئيس وأعضاء لجنة الانتخابات المستقلة، وهذا عامل إيجابي في معركة الانتخابات القادمة، لكن استمرار الطرفين الأساسيين في التراشق وتبادل الاتهامات والتشكيك في النوايا يضعف قناعة الشعب الفلسطيني في جدّية ما يجري التحضير له.

لا خلاف على أهمية الانتخابات القادمة وضرورتها لضمان التمثيل الحقيقي والشرعي للشعب الفلسطيني، والتعوّد على مبدأ تداول السلطة، غير أن التجارب المحلية وظروف الحياة المعيشية قد تقف عائقا في طريق إجراء انتخابات نظيفة وعادلة.

هناك مخاوف بشأن اهتمام المواطنين بالمشاركة الانتخابية بسبب عدم القناعة في استقلاليتها ونزاهتها أو تأثيرها في تحسين حياتهم وحماية حريتهم.

يدعم هذا الموقف الجماهيري السلبي سيطرة الحكم الذي لا يملك شرعية في قطاع غزة والضفة الغربية، على حد سواء، والبطش والممارسات السلبية وارتفاع معدلات الاعتقالات والتعذيب.

إن اليد الثقيلة للحكم قد تركت تخوفا لدى المواطنين من المشاركة الحق في أمور بلادهم واختيار قيادتهم. وهناك وسائل متنوعة متاحة للأحزاب والحركات المسيطرة على ضمان الأصوات بالترغيب أو التهديد أو الطرد من العمل أو استحلاف الناس في المساجد أو الضغط على كبار العائلات والمخاتير، وأي وسيلة ممكنة.

يعتمد ضمان نجاح الانتخابات أيضا على إدراك كافة الأحزاب والمنظمات الفلسطينية للشروط التي سيتم قبولها والاعتراف والالتزام بها في مرحلة ما بعد الانتخابات، والتي قد تفشّل وتمنع من التوصل إلى انتخابات ناجحة تحقق رضاء الفلسطينيين وقبول إسرائيل ودعم دول العالم، وأول تلك الأولويات العمل على عدم ازدواجية البرنامج السياسي للفلسطينيين.

من الصعوبة أن يقبل العالم ببرنامجين مختلفين ومتضاربين، يتراوحان بين برنامج العمل السياسي المقبول دوليّا والمؤيد بقرارات الأمم المتحدة، وبرنامج التسلح والمقاومة والصدام الذي لم يحم شعبنا ولا أرهب إسرائيل، بل أعطاها التبرير للمزيد من الاستيلاء على الأرض الفلسطينية وبناء المستوطنات وتهويد القدس وقتل الفلسطينيين. كذلك الانتماء لتحالفات إقليمية مع بعض الدول والتعاون مع أخرى.

إن حق الدفاع عن النفس والأرض الفلسطينية هو حق لا يمكن تجاوزه ولا إهماله ولا التنازل عنه. وكان من أسباب فشل الانتخابات الفلسطينية السابقة هو تضارب واختلاف البرامج السياسية لحركة فتح وحركة حماس، ويجب ألا نقع مرة أخرى في هذا الخطأ.

البرنامج السياسي لكافة الأحزاب الفلسطينية هو نفسه الذي قبلته، بشكل أو بآخر، المنظمات والأحزاب الفلسطينية، بما فيها حركة حماس، وهو يتمثل بتحقيق الدولة الفلسطينية في أراضي 1967 وعاصمتها القدس، وإزالة المستوطنات من أرضنا، وإيجاد حل لعودة اللاجئين، بينما يبقى تحقيق البرامج المجتمعية والاقتصادية وحماية الحريات وحقوق المواطن هو الذي يختلف بين تنظيم وآخر.

وسوف تعيد العودة إلى ازدواجية البرنامج السياسي الفلسطيني، في أحسن الحالات، إلى الوضع الحالي الذي عانينا منه خلال السنوات الخمس عشرة الماضية.

والأزمة الأساسية الأخرى التي تفرض نفسها لتحقيق الهدف من الانتخابات الفلسطينية القادمة هي دور حركة حماس فيما لو فازت في الانتخابات أو اكتسبت نسبة مؤثرة من أعضاء المجلس التشريعي القادم، وكيف ستمارس دورها البرلماني أو الحكومي في الضفة الغربية؟

يختلف الوضع في العمل والمشاركة، ومن ثم سيطرة حركة حماس في قطاع غزة عن ذلك الذي في الضفة الغربية، فلن يكون التنافس بينها وبين حركة فتح فحسب، بل وفي ما يتعلق بالتعامل مع التواجد الاحتلالي الإسرائيلي اللصيق والتماس الأردني القريب.

إن التواجد والنشاط السياسي لحركة حماس في الضفة الغربية يتطلبان تنازلات تتعدى ما قدمته السلطة الوطنية للتواجد في قطاع غزة وفي جزء من أراضي الضفة الغربية.

الحقيقة الجديدة التي سيفرضها نجاح الانتخابات الفلسطينية، فيما لو تم لها تجاوز العقبات الذاتية والخارجية، هي التأكيد على تفرّد السلطة الوطنية في المسؤولية السياسية والمجتمعية والتمثيلية للشعب الفلسطيني المقيم على ما تبقى من الأرض المحتلة، وأن منظمة التحرير والمجلس الوطني الفلسطيني قد أصبحا مجرد هياكل وأسماء لا دور لها ولا تواجد أو تأثير في الساحة السياسية. فهل حان الوقت لإنشاء مؤسسة فلسطينية فاعلة ومدعومة من السلطة الوطنية لتمثيل الفلسطينيين في المهجر؟