تعذيب الأسرى الفلسطينيين في أقبية التحقيق الإسرائيلية - أسرى عملية "عين بوبين" نموذجًا
تاريخ النشر : 2020-01-14 11:24

تسلط هذه المقالة الضوء على أخطر قراريين تم تشريعهم من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلية للنيل من الأسرى وتشريع قتلهم في أقبية التحقيق باستخدام أساليب التعذيب الوحشية، هذا ما حصل مع مجموعة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي عرفت بعملية "عين بوبين" في منطقة رام الله التي تم تنفيذها في 23 آب/أغسطس 2019 ضد المستوطنين، والذي كان واضحًا وجليًا بدخول سامر العربيد العناية المكثفة وما ظهر من علامات خطيرة على أجساد الرفاق الذين حضروا إلى المحاكم على كراسي متحركة فلم تستطع عائلاتهم التعرف عليهم. فجميع الذين خضعوا للتحقيق تعرضوا للقتل والموت البطيء أكثر من مرة، ومنهم من تعطلت أعضاء حيوية من أجسادهم، وتم استخدام كل الوسائل الممنوعة قانونيًا ودوليًا وحتى في القانون الإسرائيلي فكان الهدف التخلص من هؤلاء المناضلين الشرفاء الذين رفعوا راية مقاومة الاحتلال المشروعة والمشرعة دوليا في مناطق الـ67، فلم يكتف ضباط الشاباك والمحققين بتعذيب الرفاق بل أشركوا الكلاب البوليسية المسعورة التي نهشت جسد الأسير قسام البرغوثي ونهشت أجزاء من لحمه.
ويهمنا في هذا السياق، أن نشير إلى أن الرفاق القادة المتهمين بقيادة العمل العسكري في الجبهة هم عبد الرزاق فراج ووليد حناتشة وسامر العربيد واعتراف الريماوي وغيرهم، هم من قضوا فترات طويلة في الاعتقال الإداري وعشت معهم أثناء وجودي في الاعتقال الاداري، وخاضوا تجارب التحقيق القاسية أكثر من مرة ولم يقدموا أي اعترافات؛ ولكن على مايبدو هذه المرة كانت مختلفة فقد اتخذ الشاباك قراره بالتخلص منهم وقتلهم بأسرع وقت مقابل الحصول على المعلومات، وكان ذلك واضحًا من نتائج التحقيق معهم فقد دخلوا المستشفيات والعناية المكثفة تحت حجة القنبلة الموقوتة، فسامر العربيد الشاب الوسيم الرشيق مع أول ظهور له بعد أكثر من شهرين من التعذيب تحول إلى رجل عجوز وهيكل عظمي على كرسي متحرك، ووليد حناتشة الذي قال لزوجته التي لم تتعرف عليه أنه مات أكثر من ثلاث مرات، وعبد الرزاق القوي الصلب الذي أضرب عن الطعام أثناء التحقيق العسكري معه ليوقف قتله من قبل الشاباك، فهولاء المناضلين الذين تقدموا في زمن التراجع والردة يستحقون كل احترام وتقدير، فسامر العربيد وماسطره من بطولة يجب أن يكون رمزًا للبطولة وعنوانًا للتثقيف لدوره وصموده وتضحيته بنفسه.
ويقودنا هذا إلى شهداء أقبية التحقيق الإسرائيلية، فقد بلغ عدد الشهداء الذين استشهدوا في أقبية التحقيق منذ سنة 1967، وحتى سنة 2019، 73 معتقلاً فلسطينيا نتيجة التعذيب على يد قوات الاحتلال أثناء التحقيق معهم، من مجمل عدد شهداء الحركة الأسيرة الذي بلغ 222شهيد حتى سنة 2019.
لقد قامت إسرائيل بعدوان شامل ورسمي على الأسرى وحقوقهم، فلم تعد ممارسات الاحتلال بحق الأسرى مجرد ممارسات إدارية وإنما أصبحت تمر وتطبق تحت غطاء التشريعات والقوانين العنصرية المعادية لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني وهي:
أولها، قانون لجنة لانداو الخاص بتعذيب الأسرى: فعلى الرغم من توقيع إسرائيل على اتفاقية مناهضة التعذيب عام 1991 والتي تنص على إلزام كل طرف باتخاذ الإجراءات التشريعية والإدارية والقضائية لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي، إلا أنها تشرع التعذيب من خلال السماح باستخدام وسائل التعذيب، إلا أن أساليب الضغط الجسدي وعمليات الهز العنيف لأجساد المعتقلين لا تعتبر بمثابة تعذيب وفقًا للمفهوم الإسرائيلي. تشريع التعذيب جاء في 8 أيلول/نوفمبر 1987 فيما صادق الكنيست على التوصيات الواردة في تقرير لجنة لنداو، والمشكلة من قبل الحكومة في سنة 1987، بعد تزايد الانتقادات الدولية والمحلية لأساليب التحقيق التي يتبعها جهاز الأمن العام تجاه المعتقلين .
وجاء في الفقرة الأولى من تقرير اللجنة أن التحقيق مع أفراد متهمين بارتكاب نشاطات إرهابية، لن يكون ناجحاً، دون استخدام الضغط، من أجل كسر إرادتهم، وتصريحهم بالمعلومات، وبناءً على ذلك أجازت اللجنة لضباط الأمن استخدام الضغط الجسدي، والنفسي أثناء التحقيق مع نشطاء إرهابيين، ولإظهار دولة الاحتلال بأنها تراعى حقوق الإنسان، اتخذت محكمة العدل العليا قرارًا في 6أيلول/سبتمبر1999، يحظر بموجبه على محققي الشاباك ممارسة وسائل التعذيب الجسدية، وهي الهز، والشبح، ووضع كيس خانق على رأس المعتقل، وتكبيله بصورة مؤلمة، وإسماعه موسيقى صاخبة، ومنعه من النوم .
إلا أن هذا القرار لم يجد قبولاً لدى الشاباك لذا سعى جاهداً للالتفاف عليه، حيث تم تشكيل لجنة سميت بلجنة سوفر-مازوز من أجل إيجاد مخرج لتجاوز قرار المحكمة العليا الذي حظر التعذيب، وقد أوصت اللجنة محققي الشاباك باستخدام وسائل خاصة فقط في حالات استثنائية لممارسة الضغط الجسدي على المعتقلين المحقق معهم. فعرض على المجلس الوزاري الأمني، الذي سمح في شباط/فبراير2000، باستعمال وسائل التعذيب الجسدية بما في ذلك الهز العنيف في الحالات التي تنذر بوقوع هجمات وشيكة حسب ادعائها، وبهذا وفرت إسرائيل الحماية القانونية اللازمة للمحققين .
وفقًا للقانون العسكري الإسرائيلي يمكن إخضاع المعتقل الفلسطيني للتحقيق لمدة 90 يومًا، كما يمكن منعه من لقاء المحامي لمدة 60 يومًا. وفي أغلب الحالات يتعرض المعتقل خلال فترة التحقيق لأشكال متعددة من المعاملة القاسية، وتعد هذه الممارسات انتهاكًا مباشرًا للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب (CAT)، التي صادقت عليها إسرائيل في 3 تشرين الأول/أكتوبر 1991، والتي تتطلب من أي دولة منع استخدام التعذيب والممارسات المرتبطة به. وهذا الحظر مطلق وغير قابل للانتقاص ولا يسمح بظروف استثنائية مهما كانت.
غالباً ما يشترك في تعذيب الأسرى مختلف الجهات القضائية والأمنية والطبية للاحتلال كسياسة مدروسة وممنجهة وبتصريح من الجهاز القضائي الذي يجيز إستخدام أساليب تعذيب محرمة دولياً ضد الأسرى لانتزاع الاعترافات تشير التقارير إلى أن الغالبية العظمى من المعتقلين تعرضوا إلى تعذيب قاسي وينقسم التعذيب إلى نوعان هما :
أ‌- التعذيب الفردي: وتبدأ من بداية عملية الإعتقال التي تتم بعد منتصف الليل وقبيل ساعات الفجر مرورًا بالضرب المبرح والاهانات والتحقيق والتنقل المذل وجلسات المحاكم والظروف الاعتقالية السيئة والحرمان من الزيارات والعزل الإنفرادي.
وفي هذا السياق توضح مديرة مؤسسة الضمير سحر فرنسيس أن أساليب التعذيب تتنوع وتختلف بين تعذيب جسدي شديد وإساءة معاملة وانتهاك للخصوصية مرافقة بتفتيش عاري وتهديد وترويع واستخدام كلمات نابية وشبح بأشكال مختلفة، من شبح عادي على كرسي، وشبح على شكل الموزة بدفع المعتقل إلى الخلف ليصبح رأسه ويديه إلى الخلف، ويُستخدم هذا الاسلوب بكثافة خلال النهار الواحد، لمدد مختلفة ومتعددة، وشبح على الطاولة وعلى الحائط، واستخدام الضرب العنيف والركل بأقدام المحققين وبقبضات أيديهم.
وتحدثت عن تعرض أسرى للضرب العنيف من قبل عملاء، مستذكرة الشهيد الأسير عرفات جرادات الذي ارتقى قبل عدة سنوات في سجن مجدو خلال التحقيق في مركز تحقيق الجلمة، حين ادعت إدارة السجون في حينه أنه تعرض لجلطة، ولكن اتضح فيما بعد أنه تعرض لضرب عنيف على الصدر أدى لاستشهاده، وهذا يظهر أن هناك غطاء سياسي وتعليمات تجيز التعذيب، وهو ما يوجب ملاحقة المسؤولين عن جهاز المخابرات في حكومة الاحتلال.
ب‌- التعذيب الجماعي: وتشمل اقتحامات متواصلة للغرف والأقسام المختلفة للأسرى والتنكيل بهم ومحاولة إذلالهم ونقلهم تعسفيًا والاعتداء عليهم بالضرب، وإطلاق قنابل الغاز بين الأقسام والمعازل، وإجبارهم على خلع ملابسهم وتركهم لساعات طويلة في البرد القارس.
وهذا ما تؤكده الصحفية الإسرائيلية أوشرات كوتلر في القناة 13 العبرية، التي شنت هجومًا على جنود جيش الاحتلال من وحدة نيتسح يهودا، موضحة أنهم "تصرفوا كحيوانات بشرية في قضية الاعتداء على أسرى فلسطينيين مكبلي الأيدي، ومعصوبي الأعين" .
وثانيها، قانون إعفاء المخابرات من توثيق التحقيق: صادق الكنيست في 25حزيران/يونيو2015، على تمديد بند لقانون مؤقت يعفي جهاز المخابرات والشرطة الإسرائيلية من توثيق التحقيقات بالصوت والصورة؛ وذلك لمدة خمس سنوات إضافية، ومن شأن توثيق التحقيقات بالصوت والصورة أن يمنع ممارسة التعذيب ضد المعتقلين، ويمنع استخدام الأساليب غير المشروعة، التي ما زالت تمارس في غرف التحقيق، من أجل انتزاع اعترافات؛ كما أن تمديد الإعفاء من التوثيق يعني استمرار أساليب غير مشروعة في استجواب المعتقلين .
في نفس السياق، يؤكد ذلك تصريح لفرنسيس قولها "لم نتمكن من رؤية جسد سامر العربيد سوى أصابع قدميه السوداء من شدة التعذيب، وحتى اليوم لم ننجح بالاطلاع على جسد سامر والحصول على صور توثق التعذيب الجسدي الذي تعرض له"، وأضافت بأن "تعذيب الأسرى في سجون الاحتلال يجري بمزاعم وحجج أمنية وغطاء سياسي وقضائي".
فقد تعرض الأسير سامر العربيد، للضرب العنيف والتعذيب الشديد، مما أدى إلى نقله للمستشفى في حالة غيبوبة وتلقى تنفس اصطناعي وأصيب بفشل كلوي نتيجة للضرب العنيف على أعضاء جسمه، وكان فاقدًا للوعي.
كما تعرض الطالبين من جامعة بيرزيت ميس أبو غوش وقسام البرغوثي للتعذيب الجسدي والنفسي، فالأسيرة أبو غوش -20 عامًا- تعرضت للإهانة والضرب والتعنيف والشبح ولعملية تفتيش عاري 3 مرات من لحظة اعتقالها من المنزل أولها كان على حاجز قلنديا. ولقد منعت سلطات الاحتلال المحامين من نشر أي تفاصيل حول تعذيب الرفاق وهددت بسحب رخص المحاماة منهم في حال بلغوا وسائل الإعلام عن بشاعة أشكال التعذيب التي تعرض لها الرفاق.
أما الأسير قسام البرغوثي، فقد تم الاعتداء عليه من الوحدة التي قامت باعتقاله، حتى أن أحد الكلاب المرافقة للوحدة هاجمته ما استوجب نقله المشفى للعلاج، ومن ثم تعرض للضرب الشديد ما أدى لفتح الجرح الذي يعاني منه جراء هجوم الكلاب العسكرية عليه، ما استدعى نقله للمركز الطبي في المسكوبية وإعادته للتحقيق من جديد. كما تم اعتقال والدته الدكتورة وداد البرغوثي وشقيقه كرمل الذي تعرض أيضًا للشبح باشكال مختلفة.
ويذكر أن عدد الرفاق الذين تعرضوا للتعذيب الوحشي خلال نفس الفترة الزمنية 40 أسيرًا، فالتحقيق مع مجموعة عملية عين بوبين كشفت عن أبشع أساليب وأدوات التعذيب الذي تمارسه أجهزة الاحتلال الأمنية بحق الأسرى تحت حجة الظرف الأمني ومايسمى بالتحقيق الخاص.
وفي نفس السياق، تقدم الأسرى الفلسطينيون خلال السنوات العشر الأخيرة بأكثر من 700 شكوى ضد التعذيب، إلا أن هذه الشكاوى بقيت بلا تحقيق جدي وبلا محاسبة. إلا أن العديد من الأسرى الذين تعرضوا للتعذيب رفضوا تقديم شكاوى بسبب عدم ثقتهم بالنظام، الأمر الذي يؤكد عملية تكامل الأدوار بين المؤسسات السياسية والقضائية التي توفر الحصانة لمن يمارس التعذيب، وهذا انتهاك مباشر للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
تعقيبًا على ماسبق، يجب تسليط الضوء على قضية الأسرى، واستنفاذ كل جهد سياسي وحقوقي وقانوني وإنساني، والضغط على المحاكم الدولية للتحقيق في جرائم وانتهاكات الاحتلال ضد الأسرى، كما لا يمكن إغفال دور الإعلام في التعريف بقضية الأسرى ونقل روايتهم ونشر معاناتهم وما يتعرضون له من جرائم المحتل، أن القوانين ومشاريع القوانين الإسرائيلية، تنتهك بشكل فظيع قرارات الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف الأربع وميثاق المحكمة الجنائية الدولية واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والإعلان العالمي لحقوق الانسان واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حماية الطفل وغيرها من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية مما يضع دولة الاحتلال كدولة معادية للثقافة والقيم الإنسانية العالمية.
المطلوب من السلطة الفلسطينية تدويل قضية الأسرى قانونيًا ودبلوماسيًا وذلك من خلال استخدام كافة الآليات الدولية لعزل ومقاطعة ومحاسبة إسرائيل، إلا أن هذه الركيزة لم تستخدم كما يجب من قبل القيادة الفلسطينية، وخاصة في ضوء حصول فلسطين على عضوية الدولة المراقب. والمطلوب من التنظيمات الفلسطينية أن تتبنى خطة عملية لتحرير الأسرى، وأثبتت التجربة تنصل الاحتلال من كل الاتفاقيات، فالاحتلال لا يفهم غير لغة القوة.