يا قدس إنا واهمون
تاريخ النشر : 2020-01-20 22:31

كنت - لحظي الطيب – قد قرأت منذ سنوات مقال للسياسي المناضل والمفكر الفلسطيني د. أحمد الطيبي عضو الكنيست العربي عن تحالف القائمة العربية الموحدة للتغيير، ولا زالت البقايا المهمة للمقال عالقة بذاكرتي منذ ذلك الحين لقيمته الفائقة بنظري !! كتب طبيب الأطفال المتخرج من الجامعة العبرية بالقدس بتقدير امتياز متفوقا على كل أقرانه في كلية الطب عربا ويهود في صدر مقاله القيم بيت الشعر التالي للخالد المتنبي متعجبا ومتسائلا : ( ليس الدين أن تحفوا شواربكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم ) واليكم بيان موجز لما اشتمل :

1- في تصنيف الجامعات وتدرجها العالمي جاء ما يلي : من بين المائتي جامعة الأولى على مستوى العالم لا يوجد جامعة عربية واحدة ، في حين تباهت في المائة الأولى الكثير من الجامعات الأمريكية والجامعة العبرية بالقدس ، و في المائة الثانية جامعة التكنولوجيا في حيفا وجامعة تل أبيب الإسرائيليتان ، أكثر من ذلك لا يوجد ضمن أفضل خمسمائة جامعة على مستوى العالم جامعة عربية واحدة !! .

2- الأمة العربية قاطبة رغم غناها الكبير تصرف ما مجموعة 2 بالألف من إجمالي ناتجها القومي على الدراسات والبحوث في حين تصرف إسرائيل ما يقارب 4 بالمائة من إجمالي ناتجها القومي على ذات المجال !!

3- تحتل إسرائيل وفقا لتقرير منتدى دافوس العالمي لعام 2006 المرتبة الثالثة عالميا من حيث القدرة على نقل وتطويع التكنولوجيا لخدمة المجتمع ، في حين تحتل دولة عربية رائدة وكبرى كمصر المرتبة 79 فقط !!

4- إنتاجية الباحث سنويا في الدول المتقدمة شرقية وغربية تصل إلى 1.5 بحثا بينما لا تتجاوز النسبة 0.2 في العالم العربي !!

5- عدد الاختراعات التي سجلها العرب على سبيل المثال في العام 1994 كان 24 اختراعا ، بمعدل اختراع واحد لكل عشرة ملايين نسمة ، وبالمقابل وفي السنة نفسها سجلت إسرائيل 577 براءة اختراع ، وبينما كان إجمالي الاختراعات المسجلة لمصر والسعودية واليمن والبحرين مجتمعة هو 256 اختراعا ، سجلت إسرائيل وحدها 7652 براءة اختراع ،

وقد علق على ذلك بقوله ( مش مفهوم الفرق ) !! وإذا تحولنا إلى أمريكا سنجد بكل أسى أن مجموع البحوث التي تجريها جامعة هارفارد يساوي تلك التي يجريها الباحثون في جميع الدول العربية !!

6- واقع الترجمة في العالم العربي مؤلم جدا ويتسم بالفوضى والعشوائية فوفقا لأرقام منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم فإن العرب الذين يتجاوز عددهم 350 مليونا لا يترجمون سوى 475 كتابا في حين تترجم اسبانيا أكثر من عشر ألاف كتاب سنويا ، وذات المقارنة تشير إلى أن عدد الكتب العربية المترجمة منذ عصر المأمون حتى الآن يقدر بحوالي 10.000 كتاب وهو ما يوازي ما تترجمه اسبانيا - التي كانت في يوم من الأيام أندلس العرب - في عام واحد !! .

7- والنتيجة نراها تنعكس في قائمة الحائزين على جائزة نوبل على مر السنين ، حيث تشمل القائمة ثلاثمائة وتسعة أمريكيين وتسعة إسرائيليين وسبعة أسبان ، في حين لم يحصل العالم العربي بمجموعه إلا على سبع جوائز على مدار تاريخه ( أربعة مصريين وجزائريين وفلسطيني ) !! .

إن ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو إيماني المطلق الذي لا يتأثر بجدوى وأهمية حرية التعبير في تغيير واقع الناس نحو الأفضل ، وهو إيمان يضاهي إيماني بربي و كذا قناعاتي و رفضي المطلق للضحك على ذقون الناس وبيعها الوهم كما يحدث الآن في بلدي المحتل حيث يرفع البعض متباهيا شعار ( يا قدس إنا قادمون ) في احتفالياته التي تكلف كثيرا ويصرف عليها الملايين رغم أن الآلاف المؤلفة من أبناء الوطن عاطلون أو جياع والكثير بلا مأوى لائق والنتيجة بيع الوهم للناس والجماهير !!

إن مصارحة الناس بالحقيقة هو منتهى الإخلاص والانتماء و الوطنية ، أما تخديرهم بالشعارات البراقة وتنويمهم مغناطيسيا بالأحلام فلا مبرر له بنظرنا وهو استثمار رخيص واستغباء فاضح هدفه دون شك ضمان استمرار السيطرة على جزء كبير من الشعب لأطول وقت ممكن حيث يتم التعامل مع الشعب كما لو كان ( قطيعا ) يجب تكريس ولائه للحزب / الفصيل بكل السبل فضلا عن ضم أعداد أخرى متزايدة منه كلما سنحت الفرصة ، وهو أمر لا يمكن إلا أن يصب في مصلحة المحتل على أي حال ولو بطريق خفي أو غير مباشر !!

احترموا عقولنا وعاملونا كأسياد وليس كقطيع أو كعبيد فالعبيد لا يحررون أوطانهم ، وقبل أن ترفعوا شعار يا قدس إنا قادمون ارفعوا شعار يا علم إنا قادمون واجعلوا من الشعار واقعا حقيقيا ليتحقق الحلم وتتحرر القدس فلا تحرير بالجهل و التجهيل !!

إن ما يسند أي جندي في ميدان معركته ويساعده على الانتصار ليس فقط السلاح الذي يحمله أو التدريب الذي يكون قد تلقاه ، بل مجتمع راقي متعلم منظم تحترم فيه إنسانية الإنسان ، مجتمع مكتفي ذاتيا صناعيا وزراعيا بقدر ما أو إلى حد كبير، مجتمع مساند متماسك يشكل بيئة خصبة صالحة ، مجتمع سابق في وجوده للمعركة ، تشكل فيه وعي الفرد واحترامه لذاته وعقله ونما فيه إدراكه نموا صحيحا لائقا فضلا عن وطنيته وانتماءه .

لا يمكن لنا تحقيق نصر قريب وتحرير القدس اعتمادا على قوانا الذاتية كفلسطينيين فالمعركة ليست معركتنا فقط بل معركة العرب جميعا إن لم يكن جل المسلمين والأحرار والخيرين في العالم ، والى أن تتحقق شروط النصر علينا بالعلم والعمل والصبر ومصارحة الذات وطرح الشعارات التخديرية جانبا و كفى بالله وكيلا .

وفي الختام أتساءل ... وهذا من حقي ... كيف سنحرر القدس ونحن جياع فقراء فوضويون يقهر بعضنا بعضا ويجد في ذلك متعة ما ، نستجدي العالم والعرب دواءا وكساءا ورغيف خبز ، نفرح و نغني ونرقص ونملأ الكون ضجيجا إن تفضلت علينا أمة بقارب صغير محمل بفضلة من غذاء أو دواء ؟؟ ونعد ذلك انتصارا وأي انتصار وكسرا ماحقا للحصار !!

كيف سنحرر القدس ونحن غير قادرين على إنشاء بنية تحتية لائقة ( مجاري صرف صحي أعزكم الله ) أو توفير مياه صحية صالحة للشرب لأبنائنا أو حتى التخلص من نفاياتنا من خلال طمرها من دون أن تؤثر على آبارنا الارتوازية لأن أعادة تدويرها يبدو حلما و اقرب إلى المحال ؟؟

كيف سنحرر القدس ونحن منقسمين ومرتهنين لقوى إقليمية تستغلنا وتلعب بنا و تحقق من خلالنا مصالحها لا مصالحنا ؟؟ قوى لا يمكن لها أن تكون ملكية أكثر من الملك !!

أريد أن يجيبني عارف ما لعلي افهم أو استعيد عقلي وعافيتي ، يكفي فلقد تاجرت بنا كثير من الأنظمة العربية ردحا طويلا من الزمن والآن يريد بعضنا أن يتاجر بالبعض الآخر أو بما تبقى منا !!