المشروع الأفشل في التاريخ
تاريخ النشر : 2020-02-11 18:56

في زاوية أمس سلطت الضوء على اسباب وعوامل نشوء المشروع الصهيوني ردا على ما نطق به كفرا د. فيصل القاسم. واليوم ساناقش مكامن الخلل البنيوي في المشروع الصهيوني، رغم انه تأسس، وتم بناء دولتة، وقام الغرب الرأسمالي بتـامين كل مقومات الإستمرارية والعيش المصطنع، وحشدوا له ملايين من المضللين اليهود من اصقاع الأرض. لكنه مشروع فاشل بإمتياز، لا بل المشروع الأفشل في التاريخ. وهذا الإستنتاج العلمي ليس ردة فعل، أو تنكر لواقع قائم، ولا إسقاط رغبوي نتاج حسابات ذاتية ووطنية، إنما هناك عوامل عدة تؤكد فشل المشروع الصهيوني الإستعماري، منها:

أولا  كونه مشروع غير اصيل، ولا يرتكز على حقائق الجغرافيا والتاريخ، وهو مشروع مفتعل ومركب، حيث قام الغرب الرأسمالي على إنتاج وخلق "شعب" من أتباع الديانة اليهودية، لا تجمعهم الثقافة، ولا اللغة الواحدة، ولا وحدة المصير، والدين على اهميته، لا يشكل العامل الأساس. رغم مرور 72 عاما على تأسيسه، ووجود اللغة العبرية الرسمية، إلا انها لم تصبح لغة كل المجتمع، ومازال أتباع الإثنيات المختلفة يتعاملون بلغاتهم، وعاداتهم وتقاليدهم القومية؛ ثانيا لا يستطيع المشروع الإعتماد على ذاته في التطور السياسي والإقتصادي/ المالي والقانوني والعسكري، انما يحتاج دوما إلى حوامل الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا؛ ثالثا يحمل المشروع في ثناياه كل عوامل التفكك والحرب الأهلية نتاج العنصرية المتفاقمة داخل مركباته الإثنية والدينية والطائفية والمذهبية، أضف لعدم تمكن حاخامات الدولة من تعريف "من هو اليهودي" حتى الآن، وبالتالي المحاولات الترقيعية الجاري صياغتها، وتمريرها من قبل البناء الفوقي تواجه تحديات كبيرة وخطيرة في سيرورة وصيرورة المجتمع المفبرك؛ رابعا مشروع يعيش على الحروب والصراعات، ولا يقوى على العيش دونها. ويسعى بشكل حثيث لإعادة إنتاج المحرقة ضد اليهود والفلسطينيين على حد سواء، لآ يمكن إلآ ان يكون مشروعا مدمرا؛ خامسا لو إفترضنا في احسن الأحوال أن الحروب الخارجية توقفت، فإن المجتمع الإسرائيلي سيتجه مباشرة إلى دوامة الحروب الأهلية، حتى لو حقق كل مبتغاه من تطبيع مجاني، وعلاقات حسن جوار، وتبادل تجاري وإقتصادي وثقافي مع كل الدول العربية والإسلامية؛ سادسا إغتصاب الصهيونية للديانة اليهودية، والركوب على ظهرها، لم يعطيها الشرعية بين اتباع الديانة اليهودية، وهناك ملايين اليهود من مختلف القوميات يرفضون رفضا مطلقا الحركة الصهيونية والدولة الإسرائيلية؛ سابعا المشروع الصهيوني أنتج نكبة الشعب العربي الفلسطيني عام 1948، التي نجم عنها طرد وتشريد حوالي المليون فلسطيني إلى المنافي ودول الشتات، وهذا المليون بات الآن يزيد عن ستة ملايين في الشتات، بالإضافة لما يزيد عن الستة ملايين المتجذرين في فلسطين التاريخية، تتنكر القيادات الصهيونية لإبسط حقوقهم السياسية والقانونية. وجميعهم لن يتنازلواعن حقوقهم التاريخية في ارض الوطن، ولن يقبلوا التنازل عن حق العودة، ويرفضون كل الحلول الترقيعية لمشكلتهم، لإنه ومسألة الأرض هما العنونان الأساسيين للصراع؛ ثامنا القوى الوطنية والقومية والديمقراطية العربية لن تقبل ببقاء دولة الإستعمار الإسرائيلية، وترفضها من حيث المبدأ، وترفض اية تنازلات تاريخية عن الحقوق الوطنية والقومية. وبالتالي لا يجوز القياس في قراءة الواقع على ما هو قائم حاليا، ولا على موازين القوى القائمة، انما يفترض قراءة المشهد في ديناميكاته، وصيرورة الصراع. وإعتماد إسرائيل على اميركا والغرب الرأسمالي، وحتى على دول اخرى، لن يفيدها بشيء في المستقبل؛ تاسعا بات عددا من اصحاب وممولي المشروع الصهيوني يضيقون ذرعا من القائمين عليه، ويخشون من أخطار التيارات العنصرية والفاشية على ذاتهم، لإن تفكك وتحلل المشروع سيرتد عليهم وتحديدا على اوروبا واميركا؛ عاشرا رفض إسرائيل لخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، والتعامل بفوقية عنصرية مع القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية عمق عزلتها عالميا، وووسع الرفض الدولي لها.  

لكل ما تقدم المشروع الصهيوني، هو المشروع الأفشل في التاريخ، ولا يوجد له مستقبل. وهناك فرق بين القيام، ومواصلة العيش بالإنعاش والتنفس الإصطناعي، وبين الديمومة والعيش الطبيعي في ديمغرافيا الوطن العربي الرافضة لإسرائيل.