ماذا لو خسر "ترامب"؟
تاريخ النشر : 2020-03-23 17:25

نحن متخصصون فى أن نحاصر أنفسنا فى مربع الخيار الواحد الوحيد، لذلك تبقى مواقفنا ضعيفة، ومصالحنا مهددة، وإرادتنا -كعرب- مرهونة لدى رهان واحد لا بديل له.

أعمق وأعقد وأصعب دليل على ذلك هو انقسام العرب على النتائج المرجوة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.

معظم العرب يراهنون على المرشح الجمهورى دونالد ترامب، ويضعون كل ثقلهم السياسى ودعمهم الاقتصادى حوله ويبنون مستقبل المنطقة الاستراتيجى والأمنى على إمكانية فوزه.

هؤلاء يراهنون على احتمال واحد وحيد وهو احتمال فوز الجمهوريين و«ترامب»، وهذا حقهم، ولكن لا توجد لديهم أى خطة فى حال فشله وفوز منافسه الديمقراطى.

أقلية فى العالم العربى والمنطقة؛ قطر، وتركيا، وإيران، والسلطة الفلسطينية و«حماس» والأكراد وجماعات الإسلام السياسى يراهنون على فوز الحزب الديمقراطى، ومرشحه المحتمل هو «بايدن»، الذى كان يشغل منصب نائب الرئيس فى عهد إدارة باراك أوباما.

هؤلاء يضعون كل رهانهم على فوز الديمقراطيين ومرشحهم «بايدن»، وهذا حقهم، ولكن لا توجد لديهم خطة بديلة فى حال فشل «بايدن» وفوز «ترامب».

هذه الرؤية أحادية الجانب منزوعة البدائل هى خطر عظيم على العقل السياسى العربى، وهى للأمانة ليست فكرتى، لكنها رؤية عميقة لمثقف عربى فى «الرياض».

ومخاطر قصر الخيارات على خيار واحد، والحركة السياسية بلا بدائل متعددة هى أسوأ موقف يمكن أن يواجه أى صانع استراتيجية فى أى زمان ومكان.

وإذا كان تعريف الذكاء -علمياً- هو القدرة على التعرف على الخيارات والمفاضلة بينها واختيار الأفضل، فإن حالة «اللا بدائل» هى -بالتأكيد- نموذج للغباء الإنسانى والضعف السياسى والقبول المُرغم تماماً بالبديل الواحد القائم على واقع الاحتمال الوحيد.

حالة «اللا بديل» هى أسوأ موقف يمكن أن يجد فيه أى إنسان نفسه إذا وجد نفسه كإنسان أو مسئول أو رجل أعمال أو حاكم أصبح عليه أن يتخذ قراراً مصيرياً يحدد مستقبله ومستقبل المنشأة أو الجماهير التى تولّى أمر تحديد وتقرير مصيرها.

فى إدارة الأزمات، تعكف مراكز الأبحاث على توقع الافتراضات الممكنة وغير الممكنة وتوفير خطط بديلة تناسب كل موقف وكل أزمة، وتوفير كل ما يلزم من بيانات حول آثارها وتكاليفها ومقارنتها بغيرها وترشيح أفضلها لصاحب القرار.

والمفاضلة بين البدائل تعطى الفرصة لصانع القرار للاختيار، وخيار الأقل ضرراً، والأسرع زمناً، والأفضل ربحاً، والأقل كلفة، والأكثر نجاحاً، والأوسع شعبية.

من ناحية أخرى، حينما ندخل فى نفق المرشح الوحيد، الاحتمال الذى لا بديل عنه، الخيار اليتيم، يؤدى ذلك إلى قبول أى شىء، بأى ثمن، مهما كانت الأضرار ومهما علت التكاليف، لأننا ببساطة نعيش حالة: «مكره أخاك لا بطل»، لذلك يتعين علينا ابتلاع شفرة «الخيار الوحيد» الحادة بابتسامة الاستسلام الكامل والخضوع المذل!

من هنا يتعين دائماً على الحكم الرشيد وجماعات النخبة التى تمثل العقل السياسى لصانع القرار (أفراد - هيئات - أجهزة - مراكز أبحاث) أن تسعى دائماً إلى توسيع دائرة الخيارات والاحتمالات أمام الحاكم فى عالمنا العربى.

أعطوا الحاكم المعلومة الدقيقة، والحسابات المجردة، وفكروا بشكل إبداعى خلاق من خارج الصندوق، من أجل توسيع القدرة على الخيار بين الأفضل، الأنجح، الأسرع، الأقل كلفة.

اعطوا الحاكم الفرصة فى المفاضلة فى حساب كلفة كل قرار، وتوفير الرفاهية أن يتمكن من قبول هذا أو رفض ذاك.

لا تجعلوا وجه صانع القرار أمام حائط مسدود، ومستقبل بلا احتمالات، ومساحة حركة لا تزيد على ملليمتر واحد فقط لا غير!

هنا نسأل: ماذا يحدث لنا لو حدث غير المتوقع وخسر «ترامب» وفاز منافسه المتوقع جو بايدن؟

ونعود لنؤكد أن أسوأ بديل يمكن أن يواجه أى صانع قرار هو «اللا بديل»، وذلك يضعه فى موقف ضعف واستسلام وقبول بأسوأ الأوضاع بأعلى تكاليف وخسائر.

هنا لا بد من طرح السؤال: ما الذى يجعل «ترامب» يفوز؟ وما الذى يجعله يخسر؟

هناك مجموعتان من العناصر، الأولى إجابتها تؤهل الرجل للفوز والأخرى تؤهله للخسارة:

أولاً: العناصر الإيجابية وتقوم على:

1 - يفوز «ترامب» إذا نجح فى أسرع وقت فى إدارة «أزمة كورونا» بأقل تكاليف اجتماعية.

2 - يفوز «ترامب» إذا أثبت أنه مدير كفء وناجح لا يتخبط فى إدارة أزمة قومية خطيرة، مثل أزمة كورونا.

3 - يفوز إذا وقف مع «ترامب» حكام الولايات من الجمهوريين، وإذا فاز 13 حاكم ولاية فى الانتخابات التمهيدية من الحزب الجمهورى.

4 - يفوز «ترامب» إذا أحرز نجاحات فى اتفاق التجارة مع الصين، والنووى مع إيران، ومنع الصواريخ الباليستية مع كوريا الشمالية فى الشهور القليلة السابقة لنوفمبر المقبل.

5 - يفوز «ترامب» إذا لم تظهر له فضائح سياسية وشخصية جديدة بعد تلك التى تعرض لها حول علاقته بروسيا، وأوكرانيا واعتراض سير التحقيقات والعدالة.

ثانياً: عناصر سلبية تؤدى لهزيمة «ترامب»:

1 - إذا تحولت مسألة فيروس كورونا إلى كارثة إنسانية نتيجة الفشل الكامل للحكومة الفيدرالية فى إدارة الأزمة.

2 - إذا لم تحدث حالة ارتداد صعودى لسوق المال الأمريكية وإذا انخفض مؤشر الاستهلاك الأمريكى وزادت نسبة البطالة، وأثرت تداعيات «كورونا» على مستقبل الاقتصاد الأمريكى.

2 - يخسر «ترامب» الانتخابات إذا خسر الحزب الجمهورى الانتخابات التكميلية لمجلسى الشيوخ والنواب ومعركة 13 حاكماً للولايات.

3 - يخسر «ترامب» مقعد الرئاسة إذا لم يستطع الحصول على التمويل اللازم لحملته ولم يكن بالكفاءة اللازمة ولم يستطع تأمين الأغلبية اللازمة فى المجمع الانتخابى التصويتى الذى كان سبباً فى فوزه فى انتخابات 2016.

4 - يخسر «ترامب» إذا استمر فى عدائه للصين واليابان وكندا اقتصادياً، ولإيران سياسياً، ولروسيا استراتيجياً.

5 - يخسر «ترامب» إذا لم يستطع حصد أصوات السود والمرأة وذوى الأصول اللاتينية الذين يصوتون تقليدياً للحزب الديمقراطى.

6 - يخسر «ترامب» إذا استعان «بايدن» ذو الخبرة كنائب رئيس سابق لأوباما بمرشح أو مرشحة شابة بما يمثل مرحلة سنية تجذب التركيبة الديموغرافية الشابة للولايات المتحدة.

7 - يخسر «ترامب» إذا ظهرت لأى من أفراد أسرته المباشرين «ابنه - ابنته - زوج ابنته» فضيحة شخصية تتعلق باستغلال السلطة لفساد شخصى فى الفترة من 2016 حتى تاريخه.

الخلاصة: عند كتابة هذه السطور لا تبدو كافة المعطيات لصالح فوز «ترامب»، ولكن سرعة تلاحق الأحداث وعالم ما بعد الكورونا تطرح معطيات جديدة متسارعة يصعب على أعظم العقول، وأكثر مراكز الأبحاث خبرة أن يخلصوا منها إلى نتائج حاسمة.

مفتاح الفوز أو الخسارة لأى من «ترامب» أو «بايدن» هو «نتائج كورونا» ونتائج الأداء الاقتصادى والبقية تفاصيل!

نأتى للسؤال: لو فاز «بايدن» وخسر «ترامب»، ماذا سيحدث لنا فى العالم العربى والشرق الأوسط؟

عن الوطن المصرية