الكورونا ويوم الأرض
تاريخ النشر : 2020-03-31 17:36

قي رحلة الصراع الطويل مع الحركة الصهيونية ومشروعها الإستعماري كانت متلازمة الأرض والإنسان والرواية متجذرة وعميقة في الوعي الوطني والقومي، وكلما إشتد أوآر الصراع، كلما صعدت الأرض إلى أعلى تجلياتها في التعبير عن الذات والهوية، وعادت في دفة البحث إلى الجذور التاريخية، وغاصت في منعطفات رحلة الآلاف من السنين لتعيد للحاضر أمجاد الكنعانيين واليبوسيين والنطوفيين والآراميين ولغتهم، وتشير لميراثهم الحضاري، وتسلط الضوء على مدينة القمر (اريحا) وإنسانها الأول، وباني أول اعمدة ومداميك الحضارة الإنسانية بعد آدم عليه السلام، وقبل وجود إبراهيم وسلالته عليهم السلام والديانات السماوية الثلاث بالآلاف السنين.

 لم تغب الأرض لحظة عن الذاكرة الفردية والجمعية للإنسان الفلسطيني خصوصا والعربي عموما. ومازالت تجوب وعي الأجيال الجديدة بقوة، وهو ما يخشاه الصهيوني أي كانت مدرسته وخلفيته السياسية، ويحرص في كل حوار مهما كان ضيقا او واسعا، شخصي او سياسي، أو فكري، أو ثقافي، في مؤتمر ام في إجتماع، في مقهى، ام في نادي، أم غرفة مغلقة على طي صفحة التاريخ. ويطالب بالقفز عن إستحضاره، لإنه يعلم علم اليقين، انه الخاسر، كونه لا يملك اليقين بالدفاع عن روايته المهزوزة والمربكة، لإنها مفبركة ومزورة ولا تمت بصلة للأرض الفلسطينية العربية. كما أن اللجوء والإستقواء بالعهد القديم (التوراة) يفقد روايته المصداقية لإكثر من إعتبار، أولا لإن الله جل جلاله لم يمنحهم الأرض الفلسطينية، بل منح سيدنا إبراهيم مكانا لدفن زوجته سارة ومدفن له ولإبنائه، وإشترى قطعة الأرض بملبغ زهيد؛ ثانيا وسأذهب مع الرواية اليهودية الصهيونية إلى آخر المطاف، لإن هناك روايات يهودية تتناقض مع الرواية الصهيونية، عندما أُقيمت الممالك اليهودية في فلسطين (وليسامحني الباحثون كمال الصليب وفاضل الربيعي وعبد الحفيظ محارب وشلومو ساند وغيرهم ممن ينفون كليا وجود الممالك في فلسطين)، كانت ممالك محدودة وعلى قطع صغيرة من الأرض الفلسطينية العربية، أضف إلى ان الممالك لم تكن موحدة، انما كانت متصارعة، والحروب كانت دائمة بينها، ومملكة نابلس  السامرية لم تكن يوما مع مملكة القدس، وللسامريين الفلسطينيين العرب توراتهم الخاصة ولم يكن أنبياء اليهودية يتبعون تعاليم التوراة وفق ما انزلها الله على موسى عليه السلام.وقام الكثيرون منهم بتزويرها، وأضافوا عليها وفق مآربهم الخاصة، وحادوا عن تعاليم النص الديني. وما ذكر عن أرض الميعاد تتنافى مع الوقائع والتاريخ؛ ثالثا الصهيونية ليس لها علاقة من حيث المبدأ بالديانة اليهودية، وما لجوئها للديانة إلآ لتنفيذ مشروع إستعماري غربي رأسمالي، غير ذي صلة باليهود واليهودية، الهدف منه ترويض البسطاء والمضطهدين منهم في جيتوات أوروبا ليقبلوا الهجرة لفلسطين، حتى يستخدمونهم أدوات إستعمالية وكعبيد لتنفيذ المشروع الإستعماري؛ رابعا لم تكن اليهودية، ولن يكون اليهود يوما شعبا من قومية واحدة، بل هم من قوميات متعددة؛ خامسا يهود اوروبا وروسيا وآسيا الوسطى وغيرهم، هم من مملكة الخزر، وليس لهم علاقة بالسامية.  والساميون، هم العرب بمن فيهم اتباع الديانة اليهودية، وهم الأقلية المضطهدة في إسرائيل؛ سادسا إن اراد الإسرائيليين العيش بسلام في وسط الحاضنة العربية، عليهم ان يتمسكوا بخيار السلام، ومنح الشعب العربي الفلسطيني صاحب الأرض والرواية والتاريخ حقوقه الوطنية المقبولة، لإنه دون ذلك لن يكون لهم مسقتبل في الأرض حتى لو عمروا مئة عام أخرى.

ومن موقع المتمسك بالتاريخ وحقائقه، والمنحاز للسلام ومصالح الشعوب، ومستفيدا من جائحة الكورونا العالمية وأخطارها، أطالب الجميع بإستخلاص الدروس والعبر من اللحظة السياسية لبناء جسور السلام، والتعاضد لمواجهة تحديات الوباء الكارثية، وترسيخ أواصر التسامح والتعايش بين بني الإنسان بعيدا عن الإسقاطات الإستعمارية،والروايات الكاذبة، التي كانت ومازالت عبارة عن وباء يهدد حياة الإنسان، ويضعه بشكل مستمر في دوامة الحروب والعنف والإرهاب والدم.

وباء الكورونا، ووباء الإستعمار وجهان لعملة واحدة، لا يحققان السلام، بل العكس صحيح. انهما عوامل هدم، وتخريب، وقتل، ونفي للإنسان كإنسان، وإبادة للحضارة الإنسانية. لذا من يريد مواجهة الكورونا والإستعمار الإسرائيلي عليه ان يتمسك براية السلام. لإن الطريق الآخر له نهاية، ولن يكون يوما المستعمر رابحا، بل الخاسر، كما القاتل في كل جريمة قتل.