"أفلا يتقون"
تاريخ النشر : 2020-04-01 16:30

بينما الاختلاف يسودُ العالمَ، دولٌ قوية وضعيفة، متقدمة ونامية، غنية وفقيرة، وشعبٌ بين حاكمٍ ومحكوم، قوي وضعيف، مهمش ومترف الحال؛ جاء فيروس كورونا ولم يُلقي بالًا لكل ذلك التمايز، فوضع الجميع أمام ثلاثة اختيارات، اما المنزل أو الحجر أو المستشفى.

هكذا هو حالُ العالم اليوم، فمع انتشار الفيروس أواخر عام 2019م وبداية 2020م، والجهود تُبذل في مكافحة هذا الكائن المتناهي في الصغر، ومحاولة معرفة سلالته؛ لاكتشاف المضاد المناسب الذي يمنع تفشيه ويحُد من خطورته.

إن مالم يكن في ذهن أحد، هو أن يتبدل حالُ الأخبار؛ فبعدما كان الجميع يُتابعُ حالات الاقتصاد ارتفاعًا وهبوطا، النفط، وأسعار الذهب والعملات، ملفات النووي والأسلحة والصواريخ التي تُجهز للحرب والدمار، الذي تكون غالبًا ضحيتهُ الدول النامية والفقيرة؛ جاء كورونا أو ما يُسمى بـ COVID-19 ، فأصبح الشغل الشاغل لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعها.

في الوقت الذي كانت فيه بعض الدول بكامل استعدادها من أسلحة ودبابات وطائرات حربية، وأخرى تبُث فتن طائفية ومذهبية، وضُعفاء شُردوا من منازلهم بين لاجئ ومحارب على قمم الجبال والحدود وفي ظل استمرار الحروب، جاء كورونا وكمم الأفواه والأيدي؛ وكأنهُ يقول للجميع يكفي!، ولابد لمزيدٍ من التعقيم لأرض امتلأت بالدماء والغش.

معطيات كورونا تبرهن للجميع، أن الوضع بحاجة إلى أن يلتزم الجميع بالهدوء، وألا تعبث الأفكار والخطط السياسية بمزيدٍ من الضحايا، وكأنها توحي لهم بأن التعقيم لابد أن يستمر؛ فلا يكتفوا بتعقيم البلدان بشوارعها ومنازلها وجميع مرافقها؛ فالإنسان بحاجة إلى تعقيم قلبه وعقله قبل بدنه، وليُعيد الجميع حساباتهم من ساسة ونُشطاء ومحاربون وأخص بذكري مروجي الأفكار من يدّعون الصلاح للأمم بمنشوراتهم التي يكون مصبُ بعضها في الأخير مما يدعو إلى غير المحمود، وليرجع الجميع لله بالاستغفار والتوبة والدعاء بصلاح الحال.

كورونا لم يُخبر أحدًا، أهو بلاءٌ ام رحمة؟، لكن في كلا الأحوال هو خير، فالبلاء حب وجرسُ انذار يدقُ ناقوس الغفلة، وبالرحمة درسٌ للنظافة والاهتمام بالإنسان والبيئة وتصديًا لأي عارض فيروسي، كورونا وعى العالم بالقدرة الإلهية التي أرتنا كيف أن مخلوق بسيط لا يرى بالعين المجردة أقوى من تلك الخطط والتدابير الحربية والأسلحة والسياسات والاجتماعات، فرحمتك يا رب وهم عبيدك. قال تعالى: "أفلا يتقون" سورة المؤمنون آية (87).