جائحة كورونا وامكانيات السلطة الضعيفة
تاريخ النشر : 2020-04-07 12:24

كورونا يجتاح دولاً، واقاليم، ودولتنا الصغيرة يصيبها الوباء، لكن التجربة أثبتت أننا شعب لا تقف أمام إرادته أية ظروف، تمسكه في الحياة، وتشبثه بالأمل دائما ما يصنع المعجزات، فأمام مثل هذه المصيبة التي تسببت في قتل مليون إنسان من مختلف الجنسيات، تجلت إنسانية الفلسطيني وتكافله، وتعاضده، وإن مر على انقسامه سنوات، لكن الشدائد وحدتهم، كما الانتصار، كما القوة كما الفرح، رغم فقره وعجزه عن توفير الإمكانيات التي تجعله يقف امام هكذا وباء.

فالاحتلال يسيطر على كل شيء، ويغلق كل أفق التقدم، ويتحكم بحدود الوطن، بل ويفاوض شعباً أعزل من أقل الإمكانيات التي من شأنها الحفاظ عليه من شبح قاتل، وما بقي أمامه إلا التسلح بالإرادة، ومحاولة الخروج من مأزق الاستسلام، لأي شر أو مصيبة، فبدأت الحملات التطوعية، ودعوات الناس بالالتزام، وظهرت بوادر التكافل الاجتماعي، وهبت شجاعة الأطباء والممرضين والعلماء، والمختصين، عملوا بأقل الإمكانيات، فأظهروا قدراً عالياً من المسؤولية، مما أظهره كشعب يشبه الشعوب المتقدمة وهذا يدعو للتفاؤل.

وكان يجب أن نشكر كل جهود السلطة الوطنية الفلسطينية التي أعلنت الطوارئ مبكراً، واستشعرت الخطر قبل أن يقترب، ثم بدأت بإجراءات الوقاية، والحماية لشعبها، وبذلك استطاعوا حماية قرى ومدن الضفة الغربية بشكل مبهر، وهكذا بدأ شكل النظام السياسي سلطة ومعارضة في الضفة وغزة بشكل لافت للنظر، ومشرف، وعلينا أن نفتخر به، وما يثبت ذلك السيطرة الصارمة مما يدعو للاطمئنان، فعدد الإصابات وخلو فلسطين من الوفيات كان إنجازا يحسب لسلطة لا تملك إلا إرادة شعب، وذكاء سياسي، وحنكة مواطن.

وحتى لا يظهر أن حديثنا هنا لا يشبه واقعاً يقول أن أوروبا وما تشهدها من تطور نوعي يرتفع فيها عدد نسبة الوفيات بينما مجتمع مثل المجتمع الفلسطيني بأقل الإمكانيات ليس لديه مثل هذا الخوف، لكن الأمر ربما يعود إلى ارتفاع الأعمار في القارة الأوروبية، فالخدمات الصحية المتوفرة ساهمت بارتفاع معدل العمر، ولأن الوباء أكثر تأثيراً على كبار السن من هنا كانت الإصابات والوفيات عالية في قارة تعرف بأنها القارة العجوز بينما لا نجد في دول العالم الثالث مثلاً من هم أحياء في التسعينات من العمر بسبب رداءة الرعاية الصحية والاهتمام بالبشر.

لكن السلطة أيضاً اتخذت كل إجراءات الوقاية، واتخذت من تجربة الصين نموذجاً اقتدت به، لكنه لم يكن هذا الاجراء منفصلاً عن كثير من الدول التي حافظت على أمن مواطنيها، واتخذت أقصى درجات الحيطة والحذر، فقد عملت على إيقاف المصانع، والأعمال، والمؤسسات، ورغم أن مثل هذا الاجراء قد أوقف نسبة كبيرة من العمالة، ولم تكتفي السلطة بذلك وحسب بل أوقفت استيراد كل المواد من المصانع الإسرائيلية، والتي تعتمد عليها معظم أسواق الضفة وغزة، لكن الحد من الوباء تطلب كل ذلك، فنجحت في حسر الوباء، وخفض معدلات الإصابة، واهتمت بعلاج المصابين حتى بدأت بإعلان حالات الشفاء أيضاً، ووضعتهم تحت المراقبة تخوفاً من أي تطور في حالاتهم، كما استطاعت أن تؤمن ولو جزء بسيط من قوت العمال المتضررين، رغم أن المعونات كانت خجولة، لكن صحة الناس لدى الحكومة كانت أولوية، والوقت العصيب يجب أن يمر به الكثير، لتنتعش الحياة من جديد، بعد الانتهاء من فترة احتضان الفايروس الذي جاء عن طريق فتح المعابر وإدخال العائدين، والذين أسس لهم أماكن للحجر الصحي، والحفاظ على سلامتهم، وسلامة عائلاتهم، كل ذلك تجلى بجهود جبارة ترفع لها القبعة، وتنحني لها الهامات.

والحقيقة أن لا يمكن عزل الفرد الذي لا يجد ما يأكله، فالبقاء مرتبط بالصحة والغذاء، وحين تهبط معدلات الاقتصاد، وتنعدم الحياة نجد أن الضحايا أكبر عند الفقراء، ولأن فلسطين منذ وقت طويل تخضع بل وتتعرض لإفقار قسري بسبب الاحتلال، قبل انتشار الوباء في العالم، وما نعرفه أن نسبة الفقر أصبحت كبيرة حتى قبل ظهور جائحة كورونا، ومن يعمل بالكاد يتمكن من توفير مستلزمات الشهر، هنا ستكون أزمة ربما لم ننتبه لها لحظة الخوف عندما اتُخذ قرار العزل ووقف العمل في الضفة وغزة.

لنبقى أمام تحد كبير وهو هل يمكن للسلطة الصمود أكثر في حال استمرت الأزمة أكثر، وفي حال لا سمح أن انتشر المرض لعدد أكبر مما هو عليه الان؟

وهنا يظهر التحدي الأكبر لدى الشعب الفلسطيني الفقير والذي يعيش يومه بيوم عمله، ولا تملك السلطة احتياطاً لمثل هكذا أزمة، بفعل عرقلة الاحتلال بشكل دائم لكل تحركات السلطة لتأمين مجتمعها، لذا يخضع هذا التحدي لإمكانيات تطبيق القرار بشقه المالي في غاية الصعوبة لدى نظام سياسي يعيش شهراً بشهر تماماً كما المواطن بلا احتياط.

وبالتالي على الفلسطيني أن يؤمن نفسه بنفسه بأقل الإمكانيات كما كان يفعل من تجربته مع الاحتلال طوال عشرات السنين في صراعه مع الاحتلال الذي لا ينتهي، رغم أنه كان معظم الوقت يحتمي ببيته المعنوي وهي منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت داعم دائم لكل الشعب الفلسطيني، ورغم ضعفها الان إلا أنها أمام فرصة حقيقية لتنتعش، وتعود لدورها في تأمين ما يمكن تأمينه للخروج من أزمة ضربت كبريات الدول، وأمامها أولويات مثل تقديم العناية والمساعدة لأسر فقيرة ليس لديها دخل، ومن تعطلت أعمالهم، ونعلم أن الحمل ثقيل لكنها تستطيع أن تنجو إذا بقيت تفكر بتفكير سليم مثلما فكرت في تحجيم الأزمة واحتواءها.

وهذا الأمر لا يقتصر على من هم في داخل أرض الوطن، بل أيضاً لتكفل رعاياها في الخارج والتي تقطعت بهم السبل في ظل اغلاق المعابر والمطارات، فلا ينبغي تركهم دون رعاية أن عناية حتى لو بمبالغ تسد رمقهم، في ظل أن لا راع لهم والبلاد تتخبط، ومن هنا تستطيع أن تعيد أنها الممثل الشرعي والوحيد لكل الفلسطينيين، على ألا تنسى أن إسرائيل وفق القانون الدولي مطالبة بتحمل المسؤولية أيضاً تجاه شعب احتلته، وتحكمت بكل مقدرات عيشه، فهي السبب الرئيس في إفقار المجتمع الفلسطيني وتحديد امكانياته، فيجب أن تفكر بكل الطرق والسبل لتبقى قادرة على مواجهة كل هذا الاستنزاف، ووقف حال الاقتصاد الفلسطيني، ودعم التكافل بين أفراد الشعب الفلسطيني تجاه بعضهم بعضاً، علها لو ضمنياً تجاوزت انقسام كاد أن يفتك بوحدتها، وقضيتها، فإن وصلنا لأن نكون أمام أنفسنا بقدر عال من المسؤولية سننجح كثيراً ويصبح لنا صوت أعلى من كل مرة، أن الشعب الفلسطيني لا ينقسم، ولا يموت، بل صامد حتى اخر نفس، ورمق.