نيسان الشاهد والشهيد ...!
تاريخ النشر : 2020-04-10 10:55

لقد مثلت الشهادة عند الشعب الفلسطيني ظاهرة مميزة، تساوى فيها المناضلون والمجاهدون والمواطنون من مختلف الأعمار ومختلف المقامات من الذكور والإناث منذ بدايات القضية الفلسطينية وإلى اليوم، يكاد لا يمرُّ يوم ليس فيه ذكرى لشهيد أو لعشرات من الشهداء جراء ما ارتكبته العصابات الصهيونية من عنف وارهاب وقتل ومجازر في حق الشعب الفلسطيني لإقتلاعه من وطنه وتنفيذها لمشروعها الإستعماري.
لقد تميز شهر نيسان عن غيره من شهور السنة بذكرى مجزرة دير ياسين التي راح ضحيتها المئات من ابناء قرية دير ياسين من الاطفال والنساء والشيوخ وجرى التمثيل في جثثهم بما يندى له جبين الانسانية، وارتقى العديد من الشهداء والقادة العظام من قادة الكفاح الوطني الفلسطيني شهداء خلال شهر نيسان وكأن الفلسطينيين دائما على موعد مع نيسان كي يكون شاهدا وشهيدا على شهدائهم الذين تركوا بصمة مميزة في نضال الشعب الفلسطيني وكفاحه من أجل التحرر الوطني، يذكرهم الشعب الفلسطيني بإجلال وتقدير ويستمد المناضلون الفلسطينيون من ذكراهم العزم والخبرة كما يبقى شهر نيسان شاهدا وشهيدا على اجرام الكيان الصهيوني وعصابته وارهابه.
من الشهداء الذين يتذكرهم الشعب الفلسطيني في شهر نيسان من كل عام /القائد الشهيد عبد القادر الحسيني/ الذي ارتقى شهيداً في معركة القسطل في الثامن من نيسان 1948م، وفي اليوم التالي لإستشهاده استغلت العصابات الصهيونية انشغال الثوار بتشييعه وقامت بإرتكاب مجزرتها المروعة في حق بلدة دير ياسين في التاسع من نيسان 1948م حيث قضى فيها مئتين واربعة وخمسين شهيدا، ونذكر في شهر نيسان من كل عام الشهداء القادة الثلاث /أبو يوسف النجار/وكمال عدوان/وكمال ناصر/ الذين استشهدوا في عملية معقدة للموساد الصهيوني في بيروت فيما عرف بعملية الفردان في 13 نيسان 1973م ونذكر أمير الشهداء الشهيد الكبير /خليل الوزير/ الذي قضى في عملية معقدة ومركبة للموساد الإسرائيلي في 16 نيسان 1988م في تونس، وفي شهر نيسان نذكر الشهيد الدكتور /عصام سرطاوي/ الذي استشهد في عملية إغتيال مزدوجة امتدت خلالها رصاصات الغدر والخيانة لتنال من الشهيد في مدينة لشبونة البرتغالية صباح يوم العاشر من نيسان للعام 1983م، وقد حظي جميع من ذكرنا بالتعريف بهم على عكس الشهيد والقائد المفكر المبدع عصام سرطاوي نظراً لحساسية مهمته وتعقيداتها والتي لم تكن واضحة أو مفهومة للكثيرين من النخبة قبل عموم الشعب، لذا أجد نفسي ملزماً بالوفاء لروح الشهداء والتعريف بهم وبنضالهم لإنصافهم من جهة ولتعريف جيل الشباب بتلك الصفوة من قادة ومناضلي الشعب الفلسطيني، في هذه المناسبة المؤلمة أقتصر على التعريف بالشهيد القائد عصام سرطاوي في ذكراه السابعة والثلاثين، لقد هاله الجرح الذي لحق بالشعب الفلسطيني وبأمته العربية إثر نكبة حزيران عام 1967م، فترك عمله وتخصصه الطبي في جراحة القلب، لعلاج هذا الجرح العميق الذي أحدثه في نفسه، فأنطلق للعمل الفدائي المسلح وشكل تنظيماً فدائياً سمي (الهيئة العاملة لدعم الثورة الفلسطينية) من المسمى يفهم أنه ليس بديلاً عن الثورة، بقدر ما يحمل من معنى ومضمون لدعم الثورة، ونفذ هذا التنظيم عدداً من العمليات العسكرية المشهودة، وقدم عدداً من الشهداء الأبرار يتقدمهم شقيقه الشهيد المهندس عمر السرطاوي .. وبعد مدة من الزمن لم تتجاوز الثلاث سنوات كان لقائه بقيادة حركة "فتح" وحواره معها، إثر ذلك حلَّ التنظيم (الهيئة العاملة) وعمل على دمجه في حركة "فتح"، وأصبح عضواً في مجلسها الثوري، وقد أتاحت لي المسيرة الكفاحية أن أتعرف على الشهيد عصام في بداية سبعينات القرن الماضي، وقد سألته عن سبب تأسيس تنظيم الهيئة ومن ثم إندماجه في حركة "فتح"، فكانت إجابته أنه بعد عام 1967م عندما قرر ذلك لم يكن مقتنعاً بأي من الفصائل القائمة فأسس تنظيمه كي يكون رديفاً ويقدم إضافة نوعية إلى فصائل العمل الفدائي ولكن مع التجربة والممارسة يقول الشهيد أنه اكتشف أن حركة "فتح" أثبتت أنها حركة الجماهير الواسعة والجامعة والمعبرة عن تطلعات الشعب الفلسطيني وعن مرحلة التحرر الوطني التي يمر بها الشعب الفلسطيني، إضافة إلى وضوح أهدافها ورؤيتها للصراع، وقدرتها على تمييز التناقضات الرئيسية عن الثانوية، وشمولية فكرها الجامع والمتعدد من البعد الوطني وهو الأساس إلى البعد القومي الذي لا يقل أهمية إلى البعد الإنساني القادر على تقديم القضية الفلسطينية لكل المستويات الوطنية والعربية والدولية، فمن هنا كان خيار الشهيد المفكر المبدع عصام سرطاوي الإندماج هو وتنظيمه في حركة "فتح"، وبالفعل فقد مثل إنضمامه إلى حركة "فتح" إضافة نوعية نضالية متميزة إلى أساليب حركة "فتح" الكفاحية، قلة من الناس يدركها حتى ممن هم كادرات متقدمة في حركة "فتح" إلى غاية الآن ..!
لقد كان الشهيد قائداً مفكراً إنكب على دراسة الحركة الصهيونية ومشروعها وبدأ العمل على نقيضه وتفكيكه، إن هذا المنحى الذي نحى إليه الشهيد عصام السرطاوي أعتبر منحاً خطير في نظر الكيان الصهيوني ومؤسساته، فبدأت مطاردته ومحاصرته بوسائل شتى لوقفه وشله، وقد استقطب هذا التوجه وهذه السياسات المبدعة لدى الشهيد عصام سرطاوي القيادة العليا وعلى رأسها الشهيد القائد الرمز أبو عمار، والقائد المفكر الرئيس محمود عباس الذي وصفه في حديث لي مباشر (أنه أستاذه) وقد تبنت القيادة هذا الشكل من النضال في سياق تعدد وسائل الكفاح والنضال الوطني، وكلف الشهيد عصام بهذه المهام الحساسة، وجند له العديد من الكادرات الوطنية والفتحاوية، وسقط العديد منهم شهداء في الساحة الدولية أذكر منهم الشهيد الدكتور نعيم خضر والشهيد الدكتور عز الدين القلق والشهيد سعيد حمامي لتتوج مسيرة هذا المنهج الكفاحي بإستشهاد الشهيد عصام سرطاوي في العاشر من نيسان 1983م.
يبقى شهر نيسان الشاهد والشهيد وشهر الشهداء الأفذاذ، يحتم علينا أن نبقى أوفياء للمبادئ والأهداف التي قضوا جميعاً من أجلها وهي هزيمة الصهيونية ومشروعها العنصري وتحرير الأرض والإنسان..، وللحديث بقية.