إسرئيل بعد الكورونا
تاريخ النشر : 2020-04-14 22:35

كتبت اول امس مقالة عن "مستقبل فلسطين بعد الكورونا"، ابديت فيها تفاؤلا بالمستقبل (وهو تفاؤل إستشرافي لا يقني مرهون بالتحولات التي تخدم المشروع الوطني)، وبذات الوقت اشرت لماما وبشكل سريع لإزمة إسرائيل، وإنعكاس التحولات العاصفة في العالم بعد الكورونا سلبا على مستقبل الدولة الإستعمارية. وهذا الإستنتاج الإستشرافي مرتبط بمعطيات على الأرض، وكإنعكاس للتناقضات الداخلية في الساحة الإسرائيلية. لكن آفاقه مفتوحة على كل السيناريوهات. لاسيما وان الإستقراء للمستقبل ليس أمراً تنبوئيا، ولا هو ضرب من الخيال، ولا ضرب في المندل، أو قراءة البخت، خاصة وان التحولات غير المسبوقة في العصر الحالي، قد تحمل الشيء ونقيضه.

ومع ذلك، فإن قيمة أي عملية إستشراف تتمثل في إقتحام هذا الميدان بموضوعية ومسؤولية، وبعيدا عن الإسقاطات الرغبوية، ووفقا لتجارب التاريخ، ولكن بشروطها المعاصرة، وبحجم العمليات الإجتماعية والإقتصادية الدراماتيكية، التي سيكون لها تبعاتها على مركبات وهيكلة العالم ككل بغض النظر، إن إقتصرت الحرب عند حدود الإعتماد على السلاح الجرثومي، ام انها تطورت إلى إستخدام السلاح التقليدي والنووي. وهذة التحولات بالضرورة ستكون لها إنعكاسات على دولة إسرائيل لإكثر من سبب، منها اولا انها جزء من الخارطة العالمية؛ ثانيا كونها مرتبطة إرتباطا مباشرا بالغرب الرأسمالي عموما والولايات المتحدة خصوصا، المنخرطة في الحرب بشكل مباشر، أضف إلى انها ومنظومتها المستهدف الأول من الحرب. لإن العالم لم يعد يقبل بتسيد اميركا عليه، ولم تعد أميركا قادرة على قيادة العالم؛ ثالثا امسى العالم بحاجة إلى معادلات سياسية وقانونية ومالية وإقتصادية وثقافية جديدة؛ رابعا بروز إتجاه الإنطواء على الذات القومية عاملا من عوامل الهدم للعولمة الأميركية. وكنت امس ساكتب عن الموضوع، لكن إرتايت الكتابة عن شعب الله المختار لدحض الفكرة، والتأكيد على اهمية السلام بين الشعوب بعيدا عن الإسقاطات الإسطورية والميثالوجية الخرافية.

وما زادني إقداما على ولوج عملية الإستشراف لمستقبل إسرائيل، هو صدور تقرير وزارة الخارجية الإسرائيلية أمس الإثنين (13/4/2029)، أعده ما يزيد على عشرين خبيرا بقيادة رئيس دائرة التخطيط السياسي فيها، أورن أنوليك، الذي توافق مع كل ما طرحته حول التغيرات الجذرية في الخارطة العالمية، غير انه بالنسبة لمكانة إسرائيل إختلف مع إستشرافي، وأعتقد انه اسقط وفريقه رغبتهم الذاتية لصالح الإستنتاج المغاير والمتفائل، حيث توقع التقرير: "إزدياد الطلب على منتجات هاتيك، وخاصة في مجال الإدارة والمشاهدة عن بعد. وان هذا المجال يفتح أمام إسرائيل فرص كبيرة." كما واشار التقرير إلى "ليونة" السوق الإسرائيلية، وقدرته على التكيف مع الأوضاع الجديدة." وأعتقد ان كلا العاملين لا يمكن ان يكونا حوامل للتفاؤل.

غير ان يسرائيل كاتس، وزير الخارجية عقب على التقرير بالقول:" ان تأثير الوباء على العالم كله سيؤثر على دولة إسرائيل ايضا، وعلينا ان نكون مستعدين لهذة التغييرات، ومحاولة توقعها والإستعداد لمواجهتها." صحيح ان كاتس لم يطرح صيغة تفاؤل، ولا طرح صيغة تشاؤم، بل ترك الباب مفتوحا لكل السيناريوهات.

بيد اني ارى إتجاهات البوصلة في مسار آخر، لا يحمل أوجه التأويل، رغم عدم اليقين فيما ساذهب إليه. لكني وفقا للمعطيات العلمية ارى الأمور تتجه نحو منعطف سلبي لإكثر من عامل، منها ما اوردته سابقا في مقالتي حول علاقة إسرائيل بالرأسمالية العالمية، وبالتالي الإنهيارات، التي ستشهدها تلك الدول ستترك آثارها مباشرة على إسرائيل؛ ثانيا حاجة الشعوب للهايتك الإسرائيلي، ومنظومتها الإدارية ستكون محدودة وضيقة؛ ثالثا "ليونة" السوق الإسرائيلية الصغيرة هامشية وضعيفة، ولا تقوى على تحمل تبعات الإنهيارات الكبيرة في السوق العالمي؛ رابعا هناك إجماع على ان خارطة العالم ستتغير، ولن تبقى كما هي، والتقرير الإسرائيلي، يرى ان الصين تفوقت في حرب الجائحة على الولايات المتحدة خصوصا والغرب الراسمالي عموما، ولهذا العامل تبعاته وإنزياحاته العالمية، التي لن تكون في مصلحة إسرائيل في كل الأحوال، وإذا ذهبت إلى حد تقزيم التحولات، فإن صفقة القرن من الآن، اقول انها باتت في عداد الأموات، وما الحديث عن الضم للإغوار، وإجتماعات اللجنة الأميركية الإسرائيلية سوى مضيعة للوقت، ونوع من أنواع الوهم، وتمنيات الذات المتآكلة؛ خامسا حجم الأزمة المتصاعدة والعميقة في إسرائيل سيضعها امام تحديات لم يسبق ان عاشتها منذ تأسيسها؛ سادسا وأعتقد ان حجم الدعم المالي الأميركي والأوروبي سيتوقف، ولا اقول سينخفض، ولهذا تداعيات خطيرة على القدرة الإسرائيلية في مواجهة التحديات الإقتصادية، وسيترك أثرا عميقا على قدرة إسرائيل في القيام بواجباتها وفق معايير موازنتها الحالية، وهو ما سيضاعف من توسيع دائرة التناقضات الإجتماعية والدينية والحزبية؛ سابعا من بين التقديرات القديمة الجديدة ومنذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، كتبت "ان دولة إسرائيل تتجه نحو الحرب الأهلية"، والتي ستبدأ بالإغتيالات بين الخصوم الحزبيين، فضلا عن دور اليمين والحريديم المتطرف الذين سيكون لهم دور حاسم في مضاعفة فتيل الحرب الأهلية؛ ثامنا التغييرات العالمية ستضعف مكانة إسرائيل في العالم، وستعود العزلة تحاصر الدولة الإستعمارية أكثر من ستينيات وسبعينيات القرن الماضي؛ ثامنا قطاع واسع من المستعمرين سيعود من حيث اتى نتاج الأزمة الحادة في إسرائيل، وبسبب التحولات الهائلة في المعادلات العالمية.

باختصار شديد اعتقد ان دولة الإستعمار الإسرائيلية، قد تكون الخاسر الأكبر بعد الولايات المتحدة الأميركية في الحرب العالمية الجارية على الأرض. والمستقبل وحده كفيل بالإجابة على قراءتي للمشهد الإسرائيلي.