العراق بين الكاظمي ومصير الثورة...
تاريخ النشر : 2020-04-16 08:24

لم يكن تكليف مصطفى الكاظمي بالأمر العادي في بلد يعاني من تحلل منذ انهيار الدولة التي كان مسؤول عنها الحاكم بريمر نتيجة الاحتلال المباشر للعراق الذي ضرب مؤسساته ببناها الفوقية والتحتية مما سمح لنمو المليشيات المختلفة نتيجة الفوضى التي حدث في بلد هارون الرشيد حيث ساد مفهوم الزبائنية والمحسوبية والشخصنة على حساب الدولة والشعب مما شجع للتدخل الخارجي المباشر في العراق واستخدام الدولة العراقية ملعب وصراع وتجاذب للمصالح الاقليمية والدولية
فهل يكون الكاظمي خشبة الخلاص للعراق وحبل النجاة للمتظاهرين وللأحزاب المذهبية الحشدية، بظل ازمة ايران السياسة والاقتصادية ، وبظل سيطرة الكورونا على العراق وانكفاء المحتجين عن الساحات.
بعد ثورة تشرين التي حدثت في العراق والتي باتت تهدد مصالح محددة مرتبطة بأجندات خارجية، دون الاهتمام لمصالح الشعب والاهتمام بالخدمات العامة بل كانوا يحرصون على مصالح الخارج.
استطاع الثوار الصمود واسقاط حكومة عبد المهدي التي كانت ايران تحدد توجهاتها وترسم استراتيجية وفقا لخدمتها حيث باتت السطوة الواضحة للأحزاب المرتبطة بإيران، لان ايران جعلت من العراق منصة خارجية للمواجهة مع الولايات المتحدة والغرب من اجل الحصول على امتيازات خاصة ربطتها بمفاهيم مذهبية ومعارضة للغرب وامريكا.
سقط المهدي وحكومته بفضل اصوات ودماء المنتفضين في المناطق الجنوبية التي باتت ترفع شعارها المعهود بمحاربة الفساد واخراج ايران تحت عنوان" شلع خلع" .
نجحت الانتفاضة في منع مرشح من القوى الحزبية المسيطرة والتي باتت في مواجهة فعلية مع الشارع المنتفض بكل الوسائل الدموية، لقد اسقطت التظاهرات كل الاسماء التي كانت المليشيات والقوى السياسية تقترحها فشل العلاوي بتشكيل حكومته واعتذر الزرفي عن تشكيل حكومته ليتم التوافق على الكاظمي ، التوافق الكلي الداخلي من كل المكونات الداخلية (السنية والشيعية والكردية) ، ومن الحماية الخارجية (الامريكية والعربية والدولية والايرانية ).
اشتهر الكاظمي بقدرته التفاوضية وحنكته وعلاقته الجيدة مع الجميع نظرا لما يتمتع به من خبرة سياسية استمدها من تجربته الاعلامية ومن بعدها كرئيس لجهاز الاستخبارات العراقية وهذا الجهاز الذي لا تستطيع القوى المحلية من السطو عليه الى جانب جهاز مكافحة الارهاب الذين لديهما علاقة مباشرة مع قوات التحالف الدولية في العراق.
لا شك بان تكليف الكاظمي اتى برضى ايران بالرغم من تعبيرها بالرضى عن اسمه لما يمثل من مصداقية في الشارع العراقي ولدى كافة الكتل ، لان مشروعها السياسي بات يصطدم بالشارع الرافض لها ولأذرعها اي دخلت في ازمة فعلية نتيجة الحصار الامريكي لها، والاطباق على العراق .
فالضربة التي تلقتها ايران وفقدان سليماني كان عاملا مؤثرا وموجعا لها، ومن ناحية اخرى تفشي وباء الكورونا في ايران حيث باتت مصدر قلق لدول الجوار ومصدر له مما سبب بأقفال الحدود مع هذه الدول بما فيهم العراق.
فتكليف الكاظمي لتشكيل الحكومة كان ضربة قوية لإيران والتي حاولت الرد عليه من خلال حزب الله العراقي الذي يتهمه بانه كان السبب في عملية اغتيال سليماني.
لكن هذا الاتهام الذي تحاول ايران توجيه للكاظمي عبر المليشيات التابعة لها من اجل ارسال رسالة للكاظمي بانها تريد تأمين مصالحها في العراق ومحاولة استخدامه كجسر للتواصل مع الادارة الامريكية كونه يملك علاقة جيدة معها.
فالرسالة الايرانية المرسلة للكاظمي تشير بان ايران يمكنها تسهيل مهمته والرضى عليه اذا كان جدير بتامين التواصل وكأنها تريد ان يكون رئيس الوزراء هو صندوق بريد بينها وبين الادارة الامريكية، لأنها تعلم بان الكاظمي يملك القدرة على إدارة التفاوض الناجح و إدارة الازمات، نتيجة المصداقية التي يمتلكها، والغطاء الداخلي والخارجي الذي يشكل له حضانة، خاصة ان كل رؤوساء وزراء العراق لن يتم التوافق عليهم منذ عام 2003 بهذا الاجماع لدى الجميع.
طبعا الكاظمي يملك مصداقية كبيرة ورصيده الشعب وطلائع الانتفاضة التي ستكون العون المباشر، وخاصة بعد انتهاء جائحة الكورونا ،والتي تبشر باندلاع مظاهرات كبيرة تساعد السلطة في تحقيق اهداف المنتفضين.
سيكون على الرئيس المنتخب الاخذ بمواقف الكتل البرلمانية بحسب القانون الانتخابي، والدستور العراقي كونها جزء اساسي من الكتل التي تطالب بحصصها ولكن اهمية الكاظمي بالقبول والرفض وعدم الرضوخ لهذه القوى .
ان اهمية رئيس الوزراء ستكون في كيفية محاربة الفساد والمحافظة على مطالب المتظاهرين وبالتالي عدم الرضوخ للا حتلالات لان العراق يتواجد تحت سيطرة احتلالين احتلال عسكري مباشر واحتلال عسكري مخبئ بالمذهبية، حيث يدور الصراع بينهما على الاراضي العراقية وبواسطة عراقية .
فالمحافظة على السيادة وعدم الرضوخ لاي طرف او الدخول في مواجهة مع طرف لصالح اخر ستكون مهمة صعبة ويعتقد بان الكاظمي واعي لهذه المخاطر لان مواجهة الاحزاب الدينية هو الذهاب نحو انتخابات مبكرة يمكن من خلالها تقليص تواجدها وحصر حركتها لصالح العراقيين وبالتالي انتزاع القوة من هذه الحشود والتي باتت تخوف التركيبات الاخرى التي تساعد البيئات الاخرى في احتضان قوى وافكار متطرفة تستخدم هذه البيئات تحت شعارات وهمية يمكن لها ابقاء الصراع المذهبي والتناحر الداخلي لمصلحة الدول المجاورة المستفيدة .
تبقى المصداقية في تعامل الكاظمي مع هذا المنصب اثبات القدرة الفعلية على تنفيذ المطالب واظهار نفسه كرجل دولة يدير مؤسسة كبيرة تساعد في استعادة دور العراق كدولة عربية لها ثقلها .
لكن وصل الكاظمي الى الرئاسة لا يعني بان القضية انتهت لان الكاظمي يعاني الكثير من المشكل حتى يتخطى العقبات التي تفرضها عليها القوى والاحزاب الدينية والدول المجاورة ، لذلك عليه ان يكسب ثقة المنتفضين بالدرجة الاولى لان الانتفاضة ستكون خط الدفاع الاول عن العراق وعن الدولة ومفهومها .
لننتظر كيف سيتعامل الكاظمي مع هذه المهمة الصعبة ، وهل سيتمكن من تخطي الازمة القادمة المرتبطة بتشكيل الحكومة .
فالسؤال المهم هل يتمكن المتظاهرون العودة مجددا الى الساحات والوقوف مجددا وستعود هتافات الحناجر بالعودة مجددا فداك يا وطن .