قضية الأسر لزمن طويل أعمق مما نتصور
تاريخ النشر : 2020-06-02 17:05

أجلس الآن تحت شجرة تظلل المكان وأحتسي فنجانا من القهوة مع السيجارة ولكن الحقيقة ليست سيجارة واحدة بعد أن قرأت بوست للرفيق أشرف إنشاصي أبو فارس يتألم على صديقه الأسير المحرر منذ أيام محمد محسن بعد ثمانية عشر عاما والذي مازال في حجر الكورونا قبل الذهاب لبيته.

يقول أشرف في عنوانه قضية الأسر أعمق مما نعرف ، يتحدث أشرف في إتصال مطول مع صديق محرر ليكتشف فيه ما لا نراه و ما لا يراه ولا يعرفه الكثيرون، فيحزن أشرف لحال رفيقه الذي غاب عن الدنيا هذه المدة الطويلة في الأسر ، فيكتشف أن الأسير البطل الوطني لا يعرف عن المعارف والإصدقاء أي شيء ولا أين حطوا رحالهم وماذا جرى لهم ومن منهم مازال حيا ومن غادر الحياة ولا يعرف التطور التكنولوجي الجاري وأدوات الثورة الرقمية ووسائل التواصل الإجتماعي التي دخلت حياتنا وأصبحت هي حياتنا بالمعنى الحقيقي، وهذا الخارج من الأسر، أي الموت المؤقت الطويل حين يتمنى أن يرى طفلا أو يتمنى إن يأكل ما يريد.

يفقد الأسير جزءا عزيزا منه وحلقة ممسوحة من حلقات عمره وحياته وهو بين القضبان، يصغر فيها برنامجه الحياتي، الذي يبقى متقلصا في حيز المكان المحدود الأمتار والإدوات والعلاقات، وحتى الطعام والشراب المفقود في السجن، ورحلة التغييب عن الوعي خارج تلك القضبان تشبه إلى حد كبير الذي غاب عن الوعي بعد إرتطام رأسه في حادثة ما رأينا منها الكثير زمن عملنا الطبي والمستشفيات وكيف يغيب الإنسان ثم يصحو أحيانا من الغيبوبة ليواجه الحياة من جديد كأنه من عالم آخر إذا قدر له إن يعيش أو كمن أعطي بنج أو مخدر لإجراء عملية جراحية فيغيب عن الوعي مدة ساعات،

صحيح الغياب عن الوعي هو العامل المشترك يين ثلاث حالات أتحدث عنهم، ولكن الفارق مع الأسير أو السجين هي رحلة ألم وعذاب دون مخدر وفي المثال الثاني المرتطم برأسه وغاب وعيه والثالث الذي تم تخديره لساعات لعملية جراحية أن المثالين الأخيرين لا يشعران بالإلم والمعنى وتسلط السجان كما الغياب والمعاناة لدى نموذج الأسير الذي هو ميت حي يكتوي وعيه بالذكريات والإشتياق للأهل والأحباب ومنع الحرية ...

شكمني أشرف في مشاركته وشكم عقلي ليبدأ مقارنة حالتنا خارج السجن ونحن أحرارا لا نفقد حلقات من عمرنا ونجلس في بحبوحة تحت ظل شجرة نحتسي القهوة بحرية ونتحرك متى شئنا وأين شئنا، ونفعل ما نريد، وكيف يدفع من هم في الأسر ثمنا من أجل حريتنا وإنعتاقنا وخلاصنا من الإحتلال.

ناس تدفع حياتها ثمنا ويصبحوا ذكريات وآخرين يغيبون في الأسر عن وعيهم بالدنيا ويفقدون حلقات من أعمارهم تطول أو تقصر، يفقدون جزءا من عمر الإنسان القصير جدا، وما لهذا الأثر للغياب على تطور حياتهم التي مهما حاولنا إصلاحها بالمال والوظيفة والإعتبار والإحترام والتقدير لن تعيد الفقدان الذي سببه الغياب عن الدنيا وتطوراتها السريعة.

تحية لكل أسير فقد حلقة من حلقات عمره الثمين ، والرحمة للشهيد الذي ترك باقي عمره أمانة في أعناق أهله وشعبه والمسؤولين ليسعد باقي شعبه بالحرية والحياة التي إستمرت لهم بما تبقى من عمر الشهداء وفقدان حلقات العمر من الأسرى، وتحية لكل من عانى ودفع من وقته وجهده وماله وما يملك من عاطفة أو قيم نبيلة نحسبها في رحلة تحررنا كنوزا لا يُنازع أهلها وفي المقابل بئس لكل المتاجرين وجامعي الثروة ومن فرقوا الوطن وشق الصفوف وضللوا شعبنا، ليبكونا على ما وصلنا له من حال لا يحسون بما يعاني شعبنا من أسرى وشهداء وجرحى وفقراء وضعفاء ومرضى ومهمشين وحتى من هم مستورين ليمنحنا هؤلاء الشهداء والأسرى باقي أيام حياتهم لتوزع على حياتنا كلنا، فكيف من خان وفرط وكذب واستقوى وأضاع البوصلة وحطم الأحلام أنه ينام فهو أقل ما نقول عنه جبان، والجبن هنا ليس فقدان الشجاعة كما هو معهود، بل الجبان الذي فعل كل ما أساء لوطننا وشعبنا وقضيتنا .. فلا نامت أعين الجبناء.