هموم المقدسيين تكبر كل يوم
تاريخ النشر : 2020-06-03 23:02

لسان حال الإنسان المقدسي يقول، كما قال الشاعر الكبير مظفر النواب" إننا امة جهنم لو صبت على رأسها واقفة"، نعم الإنسان المقدسي لا نبالغ اذا ما قلنا بانه يجترح المعجزات في البقاء والصمود على أرضه وفي قدسه، في ظل حرب شاملة تشنها عليها دولة عنصرية بكل أجهزتها ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية المدنية والأمنية منها، بالتعاون مع الجمعيات التلمودية والتوراتية والإستيطانية، التي تعمل كذراع تنفيذي للسيطرة على أراضي وعقارات المواطنين المقدسيين، والهدف واضح وضوح الشمس طرد وتهجير المقدسيين واقصائهم عن قدسهم، وتحويل الأقلية التي تتبقى منهم ضمن حدود ما يعرف ببلدية القدس الى جزر متناثرة في محيط اسرائيلي واسع،ولذلك الإستهداف هنا شمولي للإنسان المقدسي، وبما يطال كل مقومات وجوده وصموده.

الحرب على المقدسيين من بعد إعلان صفقة القرن الأمريكية، ونقل امريكا لسفارتها الى القدس، والإعتراف بها عاصمة لدولة الإحتلال، وترافق ذلك مع انتشار جائحة " كورونا"، وفرت لدولة الإحتلال فرصة نادرة في ظل حالة حالة فلسطينية متشظية ومنقسمة على ذاتها، وانهيار غير مسبوق لنظام رسمي عربي، بلغ مرحلة من التعفن والإنحطاط، عدم قدرته على التقرير في قضاياه وشؤونه الداخلية، وإنشغال العالم في مجابهة انتشار جائحة " كورونا"، لكي يرفع من سقف ومنسوب " تغوله " و" توحشه" على المقدسيين، ف"انياب" جرافاته وبلدوزراته كانت تعمل على مدار الساعة في غرس أنيابها في الأرض الفلسطينية، من اجل ترسيم حدود مدينة القدس، وبما يعزلها عن محيطها الجغرافي والديمغرافي الفلسطيني في الضلفة الغربية، فهناك مخططات ومشاريع استيطانية بعشرات ألآلاف الوحدات الإستيطانية، حتى داخل الأحياء والقرى والبلدات المقدسية داخل جدار الفصل العنصري، بما يحول تلك القرى والبلدات الى وحدات اجتماعية مستقلة عن بعضها البعض، بحيث يغرقها المحتل في هموم ومشاكل وآفات إجتماعية من مخدرات ومشاكل أسرية واحتراب عشائري وقبلي، بحيث يجري تغليب الهم الخاص على الهم الوطني العام...

في حين تزداد الهجمة على "ذبح " الحجر الفلسطيني،فنسبة ووتائر هدم المنازل المقدسية زادت بأرقام غير مسبوقة، حيث أصبحنا نشهد عمليات هدم شبه يومية تحت حجج وذرائع البناء غير المرخص، وإمعاناً من المحتل في إذلال المقدسيين والمس بكرامتهم، و"توليد" حالة من القهر والشعور بالمهانة عندهم، وما يتركه ذلك من تداعيات اجتماعية واقتصادية ونفسية وأسرية وعائلية عليهم،نتيجة إجبارهم على هدم منازلهم بأيدهم، ولك أن تتصور بكاء طفلة على اطلال بيت اسرتها المهدوم، وتأتي لتبحث من بين الركام عن بقايا لعبها وكتبها المدرسية، أو حاجة من ذوي الإحتياجات الخاصة مسنة تجاوزت السبعين من عمرها تراقب هدم بيتها من قبل أبناء الأسرة والعائلة، حتى لا تضطر لدفع تكاليف الهدم، لبلدوزرات وجرافات الإحتلال والقوة الشرطية والعسكرية وفرق الخيالة التي ترافق وتحرص عملية الهدم..

قضية الإقتحامات للقرى والبلدات المقدسية،وعمليات الدهم والتفتيش والإعتقال باتت مسلسل روتيني في القدس، واعداد المعتقلين من القدس، ربما في العام الماضي تجاوزت ثلث المعتقلين/ات من كل محافظات الوطن...

وكذلك ما يخص الإبعادات عن الأقصى تصاعدت لتطال علماء ورجال دين ومرابطين وحراس أقصى وعاملين في الأوقاف ونشطاء ومصلين، علماً بان الأقصى بقي مغلقا لمدة لا تقل عن 70 يوماً بسبب إنتشار جائحة " كورونا"، وواضح من تسريبات الإعلام الإسرائيلي، بأن الإحتلال يريد فرض وقائع جديدة في الأقصى، وتغيير في الوضعين التاريخي والقانوني للأقصى..

وأبعد من ذلك فهناك شعور بأن المحتل يريد ان ينزع الوصاية الهاشمية على الأقصى، بعد تنفيذ مخططات ومشاريع الضم، والمتطرفين من قادة حكومة الإحتلال يقولون بأن لا سيادة لأحد في القدس غير سيادة الإحتلال.

القضية الخطرة الآن التي تواجه الحركة التجارية والإقتصادية في المدينة، وبالتحديد من بعد انتشار جائحة " كورونا"، بان هناك قطاعات تجارية كاملة متعطلة عن العمل، بسبب تعطل الحركة السياحية، فلا الفنادق تعمل ولا حركة المواصلات المرتبطة بها من حافلات سياحية، ولا العاملين في كل الحقل السياحي، وهذا لا يشل فقط الحركة التجارية والإقتصادية، بل يعطل الدورة الإنتاجية ويضعف القدرة الشرائية للمواطنين، ويدفع نحو إفلاس وإغلاق مؤسسات عاملة في هذا الحقل..

والأخطر ما يجري في البلدة القديمة فمنذ إنتشار جائحة " كورونا" وحتى اللحظة فإن محلات بيع وتسويق التحف الشرقية ال (400) وما هو مرتبط بها من مطاعم ومقاهي سياحية مغلقة، وهذا يعني بأن هؤلاء التجار، في ظل استمرار الوضع الحالي، وغياب أي جهة فلسطينية او عربية أو إسلامية، تعمل على تعويضهم، او إنعاش الوضع الإقتصادي في البلدة القديم، فإنهم سيضطرون تحت وطاة العوز والبحث عن لقمة العيش، الى هجر محلاتهم التجارية، ولربما نقل مركز حياتهم الى خارج حدود ما يسمى ببلدية القدس، ومنهم من سيقدم على بيع محله،ولربما لسمح الله تجد بعض ونحن لا نتهم احد، قد يضلل ويخدع ويجد محله قد تسرب للجمعيات التلمودية والتوراتية التي تتحين مثل هذه الفرص.

نحن ندرك بأن هذا غيض من فيض مما يتعرض له الإنسان المقدسي في المدينة، وبان المحتل لن يتوقف عن مخططاته ومشاريعه، لتهويد المدينة وأسرلة سكانها، وسيعمل بكل قوة على ان تحل مؤسساته وأذرعه في تقديم الخدمات للمقدسيين من مراكز جماهيرية ولجان عشائرية مرتبطة به، وشرطه جماهيرية ومؤسسات إقتصادية وغيرها محل مؤسسات السلطة او المؤسسات الفلسطينية، التي يجري العمل على إغلاقها ومنعها من ممارسة أي نشاط او عمل في المدينة، وبما يمكنه من ربط حياة سكان المدينة العرب بكل تفاصيلها مع دولة الإحتلال، وبما يضمن دمجهم في المجتمع والإقتصاد الإسرائيلي، وهذا يعني أسرلة وعيهم، عبر عملية تراكمية من " كي" و" تطويع" و"صهر" الوعي.

لسان حال المقدسيين يقول نحن صامدون ومستمرون في البقاء والدفاع عن وجودنا وأرضنا ومقدساتنا، ولكن أين انتم يا سلطة ويا منظمة تحرير ويا مرجعيات متعددة مشكلة باسم القدس..؟؟

وأين انتم أيها العرب والمسلمين المتشدقون بعروبة القدس وإسلاميتها،والذين دوماً نسمع منكم " طحناً ولا نرى طحيناً" .