كفاية بقى تعذيب وشقى
تاريخ النشر : 2020-06-06 16:29

أصوات تهزج الفرح ، أصحابها يلتفون حول أنفسهم ويسيرون في ذات الاتجاه، تُدهِشك فرحتهم، وتتساءل هل هي حقاً فرحة ، أم بحث عنها؟؟

شباب في مقتبل العمر، وفتيات بكامل زهوهن، وأناقتهن تضفي على عكورة مياه ميناء غزة صفاء لامثيل له ، وتأخذك ضحكات كبار السن على شاب يمثل دور أراجوز يُشكل من جسمه ناطحة سحاب تعكس شقاءه في ترويجه للفرح!

يجلس على كرسيه وكأنه يمسك بيده ناظورا يراقب كل حركة امامه، تتفحص ملامحه، تارة يبتسم، وأخرى يعبُس وجهه، ما الذي أضحكه وأعبسه في الوقت ذاته؟؟

يحدق بشاب يسير أمامه ويده تحتضن يد عروسه، وهي بكامل زينتها، وبيده كيس مكسرات يلقي قشورها في ماء الميناء الكدر .

دهشة تعتلي ملامحه، هذه العروس يليق بها مكاناً يعج بالأضواء، وتسير على بلاط ناعم يُسمعنا طقطقات كعب حذائها الوردي الجميل، لكن وعلى ما يبدو أن ثراء فارسها لا يجلب سوى كيس مكسراته!

تأخذك صدى ضحكات عروسه تراقب قشور مكسراتها وهي تسبح في المياه ، وتردد ياه لو تأخذني أسبح معها إلى أبعد من هذا المكان.

يضحكك فارسها وهو يردد :" ويدي بيدك يا عروس الميناء، ويكون شهر عسل على ظهر قشور مكسراتنا.

"أنا عندي كلام وفي قلبي هيام اوصفهولك تعالالي، ونعيش أيام ولا في الأحلام ، يا ناسيني وانت على بالي " يصدح صوت ام كلثوم من عربة بائع الذرة و يردد معها وكانه سلطان زمانه.

يضحك صديقه بهستيريا ويهلل بصوت يسمعه الجميع حوله:" انسى أم كلثوم يا عم ، وركز في الذرة وأترك الحب لأصحابه".

أصحاب الحب هل يستمعون لأم كلثوم مثله؟ أم أن الحب ترك أصحابه؟

جاء من بعيد يهلل بصوته متضامناً مع أم كلثوم ، حتى تعود حبيبة بائع الذرة ويضحك:" اشتري هذا القميص الأحمر ، وستعود ويكون خميساً ، لا مثيل له في الأحلام وادع لي وللست.

خذها حكمة من بائع مسن :" عليك ان تقدم السبت حتى تجد الأحد، قدم هذا القميص هدية لها.
شريط فيلم غرامي يمر أمامك، مُنعكساً على مياه الميناء أبطاله رغم العدم يغنون ويعشقون ويرقصون.

"كفاية بقى تعذيب وشقى "، تصر ام كلثوم أن تصدح بالحب ويردد خلفها الحاضرين :" كفاية بقى تعذيب وشقى".

تلمحها من بعيد تقف بزاوية بعيدة كناي حزين ، تسمع تمتماتها دون ان يصلك صداها، تعكسها شفتاها، كفاية بقى تعذيب وشقى!

الحب سيد الموقف رغم العدم المحيط، و ذبول الزهور المتشردة على الرصيف، ورغم الجيوب الفارغة إلا من محارم ورقية مرسوم عليها قلب بسهمين، ورغم الشرطي الذي يراقب تكدسهم ويهشهم كالأغنام بعصاه ، وهم يصرون أن يغنون لغزة في زمن الكورونا " كفاية بقى تعذيب وشقى"!