العربدة التركية و"النظام العربي"
تاريخ النشر : 2020-06-20 15:24

البيانات التي أصدرتها الجامعة بشأن العمليات التركية في العراق والتدخل التركي في ليبيا لم تكن على قدر الحد الأدنى مما هو مطلوب لحماية الأمن القومي العربي.

بلغت العربدة التركية في المنطقة العربية تحديداً، ذروتها في الأسابيع بل في الأيام الأخيرة.

فتركيا منذ عام 2011 لم تنقطع عن جهودها لتأجيج الحرب في سوريا، وتفتيت بنيتها المجتمعية من جهة، والعمل، من جهة أخرى، ولا سيما منذ عام 2016 على البدء باحتلال منظم تدريجي للأراضي السورية عبر عمليات عسكرية انتهت حتى الآن إلى احتلال القسم الشمالي الغربي، إضافة إلى أجزاء واسعة من مناطق شرق الفرات الحدودية.

ولم يخفِ المسؤولون الأتراك نواياهم في تلك المناطق، وهي استعادة حدود الميثاق الملّي لعام 1920 التي كانت تضم جنوباً كلاً من شمالي سوريا وشمالي العراق. ومن أجل هذا الهدف عملت تركيا على إعادة تنظيم وتغيير البنى الاجتماعية والسكانية والتعليمية والدينية والاقتصادية، بحيث تكون المناطق المحتلة هناك امتداداً لأرض تركيا نفسها، وتابعة إدارياً للمحافظات التركية الحدودية.

وآخر الخطوات في هذا الصدد استبدال الليرة التركية بالليرة السورية في التداول. ولا يمكن تبرير هذه الخطوة بانهيار سعر صرف الليرة السورية. فالليرة التركية نفسها ليست في أفضل حالاتها، وتراجعت قيمتها في الأشهر الأخيرة بنسبة 30 في المئة على الأقل.

وقبل أيام باشرت الطائرات التركية العسكرية عمليات واسعة تستهدف أماكن تواجد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في العراق من سنجار على الحدود الغربية مع سوريا، وصولاً إلى جبال قنديل على الحدود الشرقية مع إيران، وأعقبت ذلك عمليات عسكرية برية للجيش التركي. العمليات التي أطلق عليها «المخلب - النمر» ليست الأولى، وهي عمليات مفتوحة لا تتوقف منذ سنوات. وهي استكمال للتواجد /‏ الاحتلال التركي على الأراضي العراقية، حيث لتركيا أكثر من عشرين مركزاً عسكرياً في شمالي العراق ووسطه، بين مركز صغير وآخر أقرب إلى قاعدة عسكرية منه إلى أي شيء آخر. وما يؤسف له أن السلطات العراقية المتعاقبة في السنوات العشرين الأخيرة لم تبذل أي مسعى جدي لإنهاء التواجد العسكري التركي في العراق. بل وصل الأمر إلى إهانة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي علناً من دون أن يرف جفن كرامة للعبادي.

وغالباً بل دائماً ما تكون العمليات العسكرية التركية في العراق من دون أي تنسيق مسبق مع بغداد، بل من دون إشعارها حتى. والبيان الأخير للحكومة العراقية حول عمليات «المخلب - النمر» لا يسمن ولا يغني من جوع، ويعكس ضعفاً خطيراً، وينسحب ذلك أيضاً على الموقف الرسمي من التدخلات الأجنبية الأخرى.

وإذا كانت تركيا الرسمية تدرج شمالي سوريا والعراق ضمن حدود الميثاق الملّي، فإن «فذلكة» جديدة بدأت تظهر في الآونة الأخيرة في تركيا. فإذا كانت حدود الميثاق الملّي هي «الحدود البرية»، فإن الفذلكة الجديدة تتحدث عن «حدود زرقاء» لتركيا تحت عنوان «الوطن الأزرق»، أي ما يمكن اعتباره «ميثاقا ملّياً بحرياً». وفحواه أن لتركيا حدود نفوذ وتأثير في البحار، ومنها البحر الأبيض المتوسط. وتمتد هذه الحدود وصولاً إلى ليبيا. ومن هذه الزاوية تبرر تركيا اتفاقاتها مع حكومة طرابلس برئاسة فايز السراج، وترسل قواتها البحرية والجوية والبرية، مع آلاف المرتزقة من إدلب وغير إدلب، إلى ليبيا لمحاربة قسم آخر من الليبيين. ومن تصريحات المسؤولين الأتراك كما من التطورات الميدانية، أن تتحول ليبيا فعلياً إلى محمية تركية كما كان الأمر عليه في العهد العثماني قبل أكثر من مئة عام. والمسؤولية التاريخية لحكومة السراج كبيرة جداً، حيث سيذكر التاريخ أنها استنجدت بقوة خارجية غير عربية لمحاربة إخوة لهم في الوطن، وتهديد إخوة لهم في الوطن العربي الكبير، ولا سيما مصر.

غير أن ما يثير الأسى والقلق أن النظام العربي المتمثل في الجامعة العربية، كما في التعاون العربي المشترك، يشهد أسوأ لحظاته من الضمور والانهيار.

فالبيانات التي أصدرتها الجامعة بشأن العمليات التركية في العراق والتدخل التركي في ليبيا، لم تكن على قدر الحد الأدنى مما هو مطلوب لحماية الأمن القومي العربي، ولا نرى أي خطة لمواجهة العربدة التركية المتمادية على المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية، وهو ما يشجع تركيا وغير تركيا على استباحة الوطن العربي، ومن بعد آلاف الكيلومترات، متذكرين صرخة إبراهيم اليازجي قبل مئة وخمسين عاماً: «تنبهوا واستفيقوا أيها العرب .. فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب».

عن الخليج الإماراتية