الفكرة بين الجماهيرية والصواب!
تاريخ النشر : 2020-08-04 08:33

هل تقاس صوابية الفكرة بمقدار عدد من يتبناها فيمارسها؟ أم تقاس صوابية الفكرة بمقدارمن يؤمنون بها فقط حتى لو لم يمارسوها؟ أم تقاس صوابيتها من ذاتها؟ أم من مقدار تأثيرها إيجابا ام سلبا في الناس والجماهير؟

بمعنى آخر هل انتشار الفكرة أي فكرة هو حكم على صحتها أو مصداقيتها؟ قد تجد من الإجابات بين النعم واللا الكثير، ولكن النظر بمقياس التناظر التناقضي لا أظنه يصدق في كثير من الحالات كما حالنا هنا.

الفكرة بمعنى أنها: عملية صراع أو حوار بين مجموعة مواد أو أفكار سابقة ولاحقة في الذهن، أوباعتبارها وليدة أفكار جديدة أو متخلقة عن الأولية نتاجا لصراع يؤدي لانتزاع فكرة ضمن جهد عقلي شاق هي نتاج عقلي لمكون عقلي قد يكون مرتبط بالواقع، أوسلسيل خيال اوإيمان غيبي.

المكون العقلي الأول أو المادة الأولية أو الفكرة الاولية التي تمثل ما استقر في ذهن الانسان من الصغر، في اللاوعي، أو في مراحل من حياته وارتباطاته تلك التي صنعت فيه المرجعية أومحرك القرار، أو مرجعية القيم والأسس الحاكمة لطريقة انتاج الفكرة.

قد يكون المنهج المتبلور عبر السنوات والتجارب، أو عبر الدراسة والثقافة قد تكون وتتشكل في الانسان ليحدد عبرها مسار الانتزاع أو النجاح في عملية صراع الأفكار، لذا فإن امتلاك الفكرة الأولية التي قد تختزن في اللاوعي يقابلها امتلاك المنهج الذي يكون الانسان به بصيرا فيتمازجان معا في عملية القدرة على انتاج الفكرة الجديدة

الفكر الجديدة قد تكون مقبولة أو مرفوضة، ما يدخل بها هنا قيم وعادات المجتمع او ثقافات مختلفة أو مقدار واقعيتها أو خياليتها، أو قد تراها مقبولة لمن يمتلك أدوات البحث أو حسب منهجه المنفتح أو المغلق، وتكون الفكرة غير مقبولة لمن لا يتنسم عبر الحرية ولا يفهم معنى التنوع والتعدد بمنطق الحوار الديمقراطي.

الفكرة قابلة للعيش عبر الزمن، وقابلة للنجاة من الخذلان أو الذوبان أو الاهمال متى ما استطاع شخص أو فئة مؤثرة، وتمتلك قدرات النشر والتأثير في الآخرين عقليا وميدانيا معا، بمعنى أن فكرة صحيحة (أو غير صحيحة من زاوية نظر أخرى) تدوم ماتوفرت لها عوامل الإيمان والنمو والنشر من شخص مؤهل أو مجموعة، فتصبح رائجة ومنتشرة ومتبناة، ولم يكن يوما الرواج (الجماهيرية) فقط للفكرة دلالة نجاحها أو مثاليتها او صحتها، بالطبع استنادا لمرجعيتنا التي تشكل المقياس والحكم.

فكرة الفكرة الصحيحة والخاطئة باعتقادي تنطلق بالتحديد من المخزون الثقافي والمرجعية للشخص، وفي الإطار الوطني الفلسطيني فمن المفترض لمرجعية أي فكرة (سياسية، او غيرها) أن ترتبط بالهدف العظيم وهو تحرير فلسطين، وبذا يصبح مبدأ التحرير مرجعية قيمة يتم الحكم بالرجوع لها لمدى صلاحية أي فكرة أخرى.

وعليه لا يجب التقليل من أهمية التربية والتثقيف والتدريب هنا لتحقيق الإيمان والاكتساب للمبدأ اوالركيزة الحاكمة، مع امتلاك المنهج.

الركيزة أو المبدأ تمد المنهج بالمرجعية، واختلاف المرجعيات قد يكون مفتاح تقبل وانفتاح حين التعددية في إطار الاتفاق على الغاية المركزية/الركيزة، وقد يكون باب انقطاع وعداء حين تتشبث المرجعية بمنطقها الاقصائي لما غيرها فيحدث التباعد والتننابذ

الفكرة الثابتة تتحول الى مبدأ، وحين يتم التمسك بها دون أي تجديد تتحول الى أيديولوجية متطرفة، وعندما تصبح الأيديولوجية بمنطقها الإقصائي مبدأ ومرجعية تدخل مرحلة منهج الفسطاطين أو المعسكرين: أنا أو هُم، فلا ترى عبرها الا اللونين (الاسود والأبيض فقط) وتبدو كل الألوان الأخرى وكأنها تنويعات على وتر الضد.

الفكرة إما أن تكون ضعيفة بضعف حامليها، متذبذبة ، او قوية بقوتهم العقلية أو الروحية أوالتأثيرية الاتصالية (القدوة)،أو بمدى تطبيقها بالميدان.

وأيضا لا تعني قوة الفكرة وتأثيرها صحتها أو صحتها المطلقة أي الى الأبد إلا إذا ارتبطت بتبدل العيون مع اختلاف الأزمان، وما يتبادل معا اختلاف مناهج البحث وطرائق النظر.

صحة الفكرة ترتبط بالمرجعية، أي كانت، والتي تتحول لمقياس قضائي إما صح أو خطأ مطلق، وقد ترتبط بمقياسها الفلسفي الشمولي، وقد تفهم الفكرة بمرجعية أو بمنطق التغيير هنا فتتدفق في إطار التجدد لتكون قادرة على الحياة والتطور والنمو.

جماهيرية الفكرة أي فكرة فمما سبق، ليست دلالة ولا هي حجة على صحتها، ولاسيما صحتها المطلقة، الا بمقدار الوعي بالمرجعية وقدرة الفكرة على خدمة الثقافة وخدمة الفكر العام وخدمة الجماهير.