تفجيرات بيروت بين العمق الإستراتيجي وما يقال
تاريخ النشر : 2020-08-05 18:24

من السذاجة أن نعتقد أن ما حدث من تفجيرات في غرب بيروت دمّرت تدميرًا كاملًا المرفأ الرئيسي للبنان والمنطقة الغربية من بيروت بأنه عمل ناتج عن إهمال واختيار غير صحيح لمواد متفجرّة من الأمونيا ومواد أخرى، وربما هذا الاتهام لا يرتقي إلى أهمية الحدث وتداعياته، وما هو متوقع في تلك التداعيات عل التركيبة الوطنية والطائفية في لبنان، وربما كان الحراك اللبناني قد استبق الأحداث في مطالباته بدولة وطنية جامعة للكل محاربة للفساد المصاب به رؤوس الطوائف عندما قالت تلك التجمعات والتجمهرات في ميادين بيروت والجنوب "كلهن.. كلهن".
لا تحدثوني عن تفجيرات 11 سبتمبر في مبنى التجارة العالمي، ولا تحدثوني عن المواجهات والحروب التي حدثت في الشرق الأوسط وان كانت حرب 2014 في غزة حملت من الأهوال والاختراقات للقانون الدولي ما حملته من دولة الكيان الإسرائيلي، ولكن الأمور تختلف هنا من حيث التوصيف العسكري فهو تفجير أتى على دفعتين الدفعة الابتدائية ثم الدفعة المفاجئة التي سحقت غرب بيروت بمينائه بما يحمل من مواد للبنية التحتية الغذائية ولما لهذا الميناء من أهمية حيث يستوعب 3000 سفينة سنويًا، أما الشق المعنوي فهو أحدث انهيار مزلزل للنفسية والعقلية الشعبية اللبنانية. بيروت هي تلك بيروت التي حدثت فيها مصادمات واشتباكات فيما مضى، ذهب ضحيتها ما ذهب، وكذلك الاشتباكات بين فصائل المقاومة الفلسطينية وبعض الطوائف والأحزاب اللبنانية، كل ذلك نستطيع أن نقول لم تستقر ولن تستقر فهي مبتلاة كما هو الشعب الفلسطيني، فهناك ربط حتمي بين مستقبل لبنان وبيروت ودمشق وبين مستقبل القضية الفلسطينية.
من السخف أن يفكر بعض المحللين أو رواد الصحف والفضائيات بأن الحادث لا يرتبط وليس له علاقة بما يحدث ومتوقع من سيناريوهات للمنطقة، أقصد منطقة الشرق الأوسط، فبالأمس القريب حدثت تفجيرات عجزت الحكومة الإيرانية عن ايجاد تفسيرات لها في مواقع نووية، وقيل أنه هجوم سيبراني إسرائيلي فاذا ما شهدنا وشاهدنا التفجيرات في ميناء بيروت فهي قريبة جدًا من حيث الهدف مما حدث في إيران، وبنفس الطريقة ولا يهمني كثيرًا من يفسر بأن هناك غواصة اسرائيلية أطلقت صاروخًا أو طربيد أو هجومًا من الجو، أو عبوة فجرت ما يحويه المخزن من مواد قابلة للانفجار.
فبالتأكيد أن فصائل المقاومة أينما كانت وخاصة في فلسطين ولبنان قد تتخذ بعض المواضع الاستراتيجية لها في وسط التجمعات السكانية وتحت المستشفيات وغيره لاحراج العدو الإسرائيلي لأن يتخذ عدة هجمات لا تتوافق مع القانون الدولي وهي طرق حماية لقادة وأماكن عسكرية استراتيجية، وربما كان التخزين في هذا الميناء يقع تحت هذا المصنف وهذا التفسير، وقاية من هجمات إسرائيلية مستمرة في سهول سوريا ولبنان حتى وصلت العراق، حيث يكون الهدف صعب التنفيذ لاسرائيل، فميناء بيروت ميناء حيوي، وان قامت إسرائيل بالهجوم المباشر عليه فذلك يعني خسارة إسرائيل دوليًا وربما تكون عواقبه وتداعياته قد تطال كل المنطقة في حرب لا هوادة فيها، ولذلك ورغم غباء ناتنياهو وذكاءه في نفس الوقت، فهو ليس على استعداد بأن يستهدف هذا المخزون بضربة مباشرة. لا أستبعد إسرائيل من هذا الهجوم بكيفية تقنية عالية، ربما بالموجات الحمراء القصيرة أو أشعة الليزر الدقيقة ذات الحث النوعي الكهربائي والحراري، وربما استخدم هذا في ضرب المنشآت النووية الإيرانية ومراكز الحرس الثوري.
ليس من مصلحة أي طائفة من الطوائف في لبنان أن تكون طرفًا في هذا التفجير إلا إذا كانت معتمدة في برنامج آخر على إعادة التاريخ في اتفاقية سلام مع إسرائيل وإحراج القوى الأخرى واستنهاض وتحريض الشعب اللبناني على أن وجود حزب الله هو معطل للدولة الوطنية وبالتالي انتفاضة داخلية يتوجه فيها معسكر السلام مع إسرائيل مواكبة واتباعًا بما هو معمول به الآن من بعض الأنظمة ومن الناحية الأخرى هو اضعاف للنظام السوري أيضًا واضعاف للنفوذ الشيعي في العراق أيضًا الذي يقوم بها رئيس الوزراء الجديد بجمع أسلحة المتطرفين الشيعة. قد سبق أن أسقط الشعب اللبناني اتفاقية 17 أيار عام 1983 بعد خروج فصائل المقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير من بيروت، ومذابح صبرا وشاتيلا، حيث تخيل بعض زعماء الفصائل ومنهم أمين الجميل بأن الوقت مناسب لعقد معاهدة صلح وتطبيع مع إسرائيل ولم يمضي على هذا الاتفاق أكثر من عام، حيث أسقط الشعب اللبناني والوطنية اللبنانية هذا الاتفاق بالتعاون مع دول إقليمية، ولكن مازالت آفاق هذا الاتفاق تتردد على ألسن بعض رؤساء الطوائف في لبنان الذين يتمنون عقد وتجديد معاهدة الصلح مع إسرائيل تحت المتطلبات الآتية:
• إلغاء حالة الحرب بين لبنان وإسرائيل.
• الانسحاب الإسرائيلي الكامل من لبنان في فترة 12-8 أسبوع.
• إنشاء منطقة أمنية داخل الأراضي اللبنانية تتعهد الحكومة اللبنانية بأن تنفذ ضمنها الترتيبات الأمنية المتفق عليها في ملحق خاص بالاتفاق.
• تكوين لجنة أمريكية - إسرائيلية - لبنانية تقوم بالإشراف على تنفيذ بنود الإتفاقية وتنبثق من تلك اللجنة لجنة الترتيبات الأمنية ولجان فرعية لتنظيم العلاقات بين البلدين.
• تكوين مكاتب الإتصال بين البلدين والتفاوض لعقد اتفاقيات تجارية.
• امتناع أي من إسرائيل ولبنان عن أي شكل من أشكال الدعاية المعادية للبلد الأخرى.
• إلغاء جميع المعاهدات والبنود والأنظمة التي تمنع تنفيذ أي بند من بنود الإتفاقية.
جميع التصريحات التي خرجت من الأوساط المسؤولة في لبنان تنفي وجود تدخل خارجي في التفجير، وتقول أنه ناتج عن الإهمال، وقد يكون جميعهم مصيبون بما يستوجب فعله وحذرون إذا ما اتهموا إسرائيل بذلك، فذلك يعني حرب مدمرة قد تطال أكثر من غرب بيروت أو بيروت أو الكل اللبناني، ومازال هناك في الذاكرة خطاب حسن نصر الله الذي قال فيه أنه لو كان يعلم بكل هذا التدمير لما قام بشن هجوم على إسرائيل.
ولكن أستطيع القول هنا أن تفجيرات بيروت مرتبطة ارتباطًا عضويًا بما يدور في المنطقة وفي داخل لبنان، المنطقة مقبلة على خارطة طريق طرحها ترامب مركزها فلسطين وأطرافها الدول الإقليمية وخاصة عملية التوطين للاجئين، ومطلوب من لبنان أن تكون في البيت الإسرائيلي وتحت برنامج التطبيق لحماية أمن إسرائيل ولذلك بعد القانون الأميركي بعقوبات مشددة على لبنان مطول إضعاف الدولة اللبنانية واسقاط نظامها السياسي وهذا ما لاحظناه في تعثر في تشكيل الحكومة المرة تلو الأخرى وانهيار الليرة اللبنانية والمديونية التي قد تصل إلى 95 مليار، وما أضافه هذا التفجير 5 مليار إضافية وأعتقد أن الأمور قد تتضاعف لأكثر من ذلك. إسرائيل أعلنت أنها يمكن أن تقدم المساعدة للبنانيين وكعادتها وكأنها الكيان البريء الذي يحمل الكثير من الإنسانية واذا ما قورن هذا الموقف بما تنتهجه إسرائيل في غزة وفي حروبها المستمرة وفي اجتياحاتها للضفة يعني ذلك أن إسرائيل مازالت تتبع مع لبنان سياسة العصى والجزرة.
إذًا مطلوب من لبنان أن يتحول إلى دولة فاشلة وربما إلى حروب محلية تجهض كل قدرات لبنان الوطنية والمقاومة للتطبيع مع إسرائيل حتى يقول المواطن اللبناني أننا سنتجه نحو الجنوب في معاهدة مع إسرائيل لكي نحفظ أمننا الغذائي واستقرارًا ليس لنا سواه في معاهدة صلح مع إسرائيل وربما تفتح تبويبًا آخر لتدخل خارجي قد يبدأها الرئيس الفرنسي ماكرون غدًا أو بعد غد للبنان.