نعم أبا ادهم المقدسي تكلم بحرقة وبصدق،وبيته يهدم بيديه
تاريخ النشر : 2020-08-07 22:36

أبو ادهم  ابو صبيح شقيرات من جبل المكبر بدأ صباح اليوم الجمعة  عملية هدم قسرية ذاتية لمنزله في منطقة دير السنة في جبل المكبر...منزل من طابقين لم يدفع فيه فقط شقى عمره،بل وشقى عمر ابنه،كانا يوصلان النهار بالليل في عمل متواصل،وانقطعوا عن العالم سبع سنوات من أجل أن يتما بناء بيت لهم...وبالفعل كان هذا البيت تحفة فنية ريفية...حاولا بشتى الطرق منذ خمس سنوات ان يحصلا له على ترخيص،ودفعا مئات الالاف الشواقل كغرامات مخالفة ما يسمى بناء بدون ترخيص،ولكن كل هذا لم يمنع بلدية الإحتلال من أن تصدر امراً لهما بهدم منزلهما ذاتياً وإلا فإن "بلدوزرات" وجرافات الإحتلال ستقوم بهدمه وغرس " أنيابها" في أساساته وجدرانه وتدفيعهما تكاليف عملية الهدم ...وأبا ادهم وبمعرفتي فيه كانسان شهم وطني عنيد يرفض هذا الشكل من الهدم ولكن هدم البيت بجرافات و"بلدوزرات" الإحتلال سيدمر الأرض والأسوار والحديقة،وربما تكاليف التخريب الناتج عن عملية الهدم بواسطة جرافات الإحتلال و"بلدوزراته" ستكون كبيرة وباهظة جداً،ولذلك رضخ للقرار الإحتلالي مكرهاً وعلى مضض....وابا ادهم عندما تكلم بقهر داخلي وحسرة وحرقة وبإنفعال،أثناء الهدم الذاتي لمنزله،ليس فقط لكونه يرى حلمه يهدم أمام عينية،بل لأن حجم التعاضد والتكاتف بين أبناء هذا الشعب وحتى البلدة،بلدة الشهداء دون المستوى ولا يرتقى لمستوى حجم جرائم الإحتلال.... وعندما كان لا يتمالك نفسه كان يقول بعصبية وانفعال " وينكم ..وينكم...توقعت ان يحضر منكم المئات،فهذه قضية ليست فردية،بل قضية بلدة ومدينة باكملها" لو كانت عزومة غداء عرس او حفلة طرب أو دعوة للإلتقاء مع النخب القيادية وفيها ظهور والتقاط صور وغيرها لكنتم حاضرين بالمئات إن لم يكن بالآلاف ...لو كانت الدعوة من اجل " الفشخرة و" والمظهرة و "البرستيج" والتكريم وتوزيع الدروع وبيع البطولات الفارغة لضاق بكم المكان...لم ادعوكم للحضور من اجل وقف هدم بيتي،فبيتي شرعت بهدمه ذاتياً وقسرياً،ولكن من اجل البيوت التي ستهدم لاحقاً،فالإحتلال "يتغول" و"يتوحش" علينا،لأننا كل منا يبحث عن خلاصه الفردي،ولم ندق جدران الخزان بشكل جماعي،كما علم الشهيد كنفاني في رائعته رجال تحت الشمس...سياسة الهدم لا يمكن مواجهتها فردياً ولا بالبيانات ولا بالشعارات ولا برفع الصور والرايات ....فلا بد من موقف جماعي ومواجهة جماعية ضمن رؤيا واستراتيجية موحدتين ..فالهدم هو بحد ذاته ،ليس فقط شكل من أشكال التطهير العرقي،بل جريمة ترتقي الى مستوى جرائم حرب...أبا ادهم بإنفعاله وقهره وعدم سيطرته على ذاته كان يقول هُزمت إرادتنا بفعل قيادتنا التي اوصلتنا الى ما نحن فيه،جبهتنا الداخلية ضعيفة ومتشظية،ولذلك نحن في أسوء حالة ووضع، نحن في زمن أصبح فيه القابض على ثوابته وانتمائه كالقابض على الجمر...لا يمكن لنا ان نواجه المحتل او ننتصر عليه ونحن مهزومين من الداخل...يبكي على زمن لم يعد فيه مناضلون حقيقيون،فهذا ليس زمانهم،بل زمان قيادات الصدفة والقيادات المتسلقة على تضحيات وبطولات المناضلين الحقيقيين،أو هي  قيادات من المنتفعين وممن التصقوا بجسم الحركة الوطنية في زمن المغانم لا زمن المغارم،ففي الزمن الذي كان فيه النضال او حتى رفع العلم الفلسطيني له ثمن،قد يدفع فيه المناضل حياته،لم نجد مثل هؤلاء" المناضلين" وتلك " القيادات ...اليوم من يتصدرون المجالس ويتقدمون الصفوف،ممن اغتنوا وانتفعوا بطرق أقل ما يقال عنها ليست شريفة،وهناك ممن هم على علاقة بالإحتلال يجري التطبيل والتزمير لهم على انهم قادة بحجم وطن....ما أوسخ وأحقر هذا الزمن ...

أبو أدهم في لحظات قهر داخلي عبر بكل صدق عما يجول ويعتمل بصدره..بالقول نحن في القدس أصبحنا أيتام ومصدر رزق وتجارة للكثير من الفلسطينيين والعربان والمسلمين ..تعزيز الصمود ودعم المقدسيين،ليس أكثر من شعارات وخطب عصماء ومقابلات متلفزة وشعارات مكررة .. اعتمدوا على ذاتكم وأقيموا صناديق ذاتية بمبالغ زهيدة تمكنكم من الدفاع عن حقوقكم ووجودكم ....ويختم أبا ادهم بالقول " لا يمكن للشعوب ان تنتصر بدون ان تضحي" فالتاريخ يعلم بأن الشعوب لا يمكن ان تنال حريتها بدون تضحيات،والجزائر ولبنان وغيرها من الدول العربية والعالمية خير مثال وشاهد ...هي سياسة تطهير عرقي تستهدف وجودنا وكل تعبيراته السياسية والثقافية والفكرية والإقتصادية والمؤسساتية....سياسة لا يذبح فيها فقط المقدسي من الوريد الى الوريد فقط،بل هذا "الذبح" يطال الحجر المقدسي،ومجزرة وادي الحمص/ صورباهر في تموز من العام الماضي ،خير شاهد ودليل على ذلك 72 شقة مقدسية جرى هدمها،رغم أن اغلبها حاصل على تراخيص من السلطة الفلسطينية وواقعة في المنطقتين ( الف وباء) وفق اتفاق أوسلو الكارثي ...أبو أدهم يقول القادم أخطر بكثير،وكلما ضعفنا وتفرقنا وفقدنا وحدتنا وتماسكنا،كلما زاد المحتل من بطشه وتنكيله بنا ...فلا يريد لنا البقاء في هذه المدينة،بل يريدها يهودية خالصة وأن بقي عدد محدود من العرب المقدسيين فيها،فهو يريد ان يكونوا جزر متناثرة في محيط اسرائيلي واسع،وعليهم ان يندمجوا في المجتمع والإقتصاد الإسرائيلي،وبما يمكن من " تطويع" و "صهر" وعيهم وتطبعهم بطباع المحتل وعاداته وتقاليده ...إنها سياسة اقصاء والغاء وجود وتزييف الرواية وشطبها ..فهل سيكون هناك استراتيجية فلسطينية جمعية لمواجهة مثل هذه المخططات والمشاريع الصهيونية في مدينة القدس..؟؟؟ ...بدل ترك الحبل على غاربه،بحيث بات المقدسي يبحث عن خلاصه الفردي...ويُذكر أبا ادهم بمشروع الشارع الأمريكي،وكيف ان المحتل عمد الى ان يكون العمال في هذا الشارع من أهل القرى التي يمر فيه ويدمر أرضها واشجارها ويستولي على مئات الدونمات منها ..فهو يرد ان يشكلوا له مفاتيح او مسهلين له لتسيير وتنفيذ مشاريعه ومخططاته مقابل مكاسب فردية سيدفع ثمنها الجميع .

وأنا أختم بالقول سياسة الهدم الذاتي باتت بحاجة الى موقف جمعي فلسطيني منها،فهذه السياسة يريد منها الإحتلال ان يخفي وجهه القبيح كمحتل تنتشر صور الياته وجرافاته على شاشات الفضائيات والتلفزة ووسائل التواصل الإجتماعي،وهي توغل في هدم بيوت المقدسيين وتشريد ساكنيها من أطفال ونساء وشيوخ ومقعدين،ومناظر الأطفال الجالسين على ركام بيوتهم وهم يبحثون عن بقايا مقتنياتهم من العاب وكتب دراسية،تحرك مشاعر قطاعات من الرأي العام،وتخلق حالة من التعاطف مع الشعب الفلسطيني،وكذلك فهي تفضح وتعري الإحتلال وسياساته وإجراءاته وممارساته القمعية وما يرتكبه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني،ولذلك هو يلجأ الى خيار إجبار المقدسيين قسراً على هدم بيوتهم التي يعتبرها مقامة بدون تراخيص،تحت طائلة ان قيامه بعملية الهدم من خلال جرافاته وآلياته و" بلدوزراته" سيكلف المقدسي مبلغ ما لا يقل عن 20 ألف دولار ...هي سياسة خبيثة لتجميل صورة المحتل وعدم تحميله مسؤولية الهدم.ولذلك على صناع القرار الفلسطيني ان يبحثوا عن خيارات اخرى تفضح وتعري هذه السياسة وتلك الجرائم،فالإنسان المقدسي وحيداً لا يمكن له أن يتخذ قراراً فردياً بالمجابهة والمواجهة لهذه السياسة،فلا مناص من موقف جمعي مسنود ومدعوم.والمقدسي لا يحتاج الى زيادة همومه ومعانياته بوعود فارغة وجوفاء.