كارثة لبنان واحتقار الأمة العربية!
تاريخ النشر : 2020-08-08 11:26

في ظل ما حصل من كارثة المرفأ في بيروت عاصمة لبنان الشقيق، وفي ظل الكوارث الأخرى التي تلمّ بدولنا العربية من الغرب الى الشرق تبرز حالة التضامن العربي المصيري بشكل مؤقت، ولكنه تضامن محمود، ويفترض دوامه كثقافة وفكروتعاون وثيق وسعي متصل، ولكن!

إن الحملات الخارجية والداخلية المسمومة هي هذه ال(لكن) اللعينة هنا! فهي التي تعمل بكل قوتها على إعاقة أي تضامن وتقارب عربي سواء شعبي أو حكومي، وتهدف لتسويق فكرة عدم ارتباط أجزاء الأمة العربية ببعضها البعض، وفكرة تقطيع أوصال البلدان العربية وشعوبها وقومياتها وأديانها وطوائفها، وتدمير ثقافتها المتميزة مِزَقا مبعثرة.

إن هذه الحملات المسمومة والموجّهة والمتواصلة، وما نراهُ بشكلها الشعبوي في شبكات التواصل الاجتماعي من تنابز بين الأبعاض في هذا البلد أو ذاك كلما حصلت مصيبة، تحقق الفكرة الاستعمارية الغربية والصهيونية الهادفة للتدمير الذاتي والجماعي والاستفراد والتجزيء، عبر أيهام مختلف مكونات الأمة، أو حتى في البلد الواحد، أنهم ليسوا إلا كيانات منفصلة لا صلة لهم ببعضهم بتاتا!

إن التجزيء والتقطيع لأجزاء الأمة أو حتى الشعب الواحد مقدمة لتحقيق الاستفراد الامريكي-الصهيوني بالمنطقة وشعوبها، فحيث يتم تكريس مفهوم (انفصالية) الكيانات القبلية أوالطائفية أوالجهوية وغيرها، تكون الغلبة والهيمنة للغرباء، وهو ما تقوم عليه السياسة الإسرائيلية بكل جهد.

إن قوى الهيمنة الإقليمية والعالمية، وأُجَرائها في وسائل الإعلام المختلفة، تعمل بلا كلل لتظهر الأمة العربية، رغم عوامل قوتها التي لا تعدّ ولا تحصى، بشكلها المنفصل والمتحارب الذي يجب أن يمتلك أفكارًا رمادية أوسوداء عن شقيقه فيسود التباغض والكراهية ويتعمق الجرح.

لا شك أن حملة التقليل من قيمة الأمة، وحضارتها، وتبخيس شأنها ولغتها وحضارتها ومستقبلها القادم، بل وتحقيرها هي حملة منظمة يُراد لها أن تستمر لتخليد الانبهار بالغرب، ودوام العقل الاستهلاكي التابع له، ولاستمرار غزو الثقافة الغربية الاستعمارية، وسيادة "إسرائيل" بالمنطقة.

تأتي السياسات الإقليمية المحيطة بالأمة العربية لتحطّ من قيمة هذه الأمة أيضا، تحت شعارات دينية أوطائفية، إرضاء لطموحات إقليمية من هذا الطرف المجاور أو ذاك المناور، الذي لا يبتغي إلا هيمنته ومصلحته الخاصة.

يجب أن ينطلق العرب من أن بيروت وصنعاء ودمشق وحيفا والقدس والقاهرة وبغداد والكويت ودارفور وسبتة وبريدة وطرابلس ووهران والجهراء والقيروان....ومئات المدن الأخرى هي جسد واحد بمن فيها.

إننا نجد من الحاقدين على أنفسهم وعلى عروبتهم، أو على أمتهم أو على لغتهم العربية الكثير الذين بوعي، أو بلا وعي وبجهالة مطبقة يتجندون وينظّرون لتدمير الأمة وأنفسهم، وتحويل مفهوم الامة الواحدة الى نكتة أو أضحوكة، ويمارسون كل الممارسات المقصودة ضد وحدتها المفترض السعي لها تلك الاقتصادية أوالحضارية والدينية، أو السياسية أوالموقفية...الخ، أوتضامنها بحدّه المقبول والقابل للدفاع عنه جماعيا، أوتآلفها، أواتفاقها بأي شكل من الأشكال التي تجعلها قوية ومنيعة ومنافسة في ظل عالم لا يعترف الا بالكبارالأقوياء لا بالضعفاء.

إن التضامن مع غزة أو مع دمشق أو مع بيروت أو مع الجزائر، أو مع أبوموسى أو مليلية يجب ألا يكون تضامنا مؤقتا أبدا، بل يجب أن يتحول لأحد ركائز البناء الشعبي العربي كالجسد الواحد.

إن عامل الاهتمام بالأمن الجماعي لشعوبنا ودولنا العربية عامل رئيس يجب ألا نملّ الدعوة له، لأن أي أمة لا يمكن لها أن تعيش حرّة وذات عزة ومكَنة ومكانة بين مختلف الاتحادات والكيانات السياسية-الاقتصادية المهيمنة بالعالم، إلا إن استدلت هذه الأمة (بكافة قومياتها وطوائفها...) على عوامل قوتها الكثيرة، وكرّستها ضد العدو الرئيس وهو الاحتلال الصهيوني الاستعماري، وعبر صعود درجات القوة السياسية والعسكرية والثقافية، والأمنية والتنموية الاقتصادية الاكتفائية في مواجهة أو بالتعاون مع الأمم الأخرى سواء بسواء.