إنتشار جرائم القتل في فلسطين.. من المسؤول؟
تاريخ النشر : 2020-08-08 14:27

رغم أن غالبية الشعب الفلسطيني متعلم , ويحصل على أعلى الشهادات  والتخصصات , وصاحب حرفة  وفن ورسالة , ويواكب التطور التكنولوجي بأشكالة المختلفة , بالإضافة الى إهتمامه بمظهره الخارجي , وتطوير لهجته كي تكون الأقرب للمدنية (...)  إلا أنه لا زال مكبل بأغلال التعصب القبلي والحزبي , وبالطبع فالتعصب  القبلي والحزبي ينتج عنه القتل , لأن العامل المشترك بين القبلية والحزبية هو حسم الخلافات  بالسلاح , ولنا في ذلك تجارب كثيرة "حدث ولا حرج" فحامل هذا السلاح واحد , لأن غالب السلاح الذي تستخدمه العائلات في الشجارات , هو سلاح التنظيمات وملحقاتها , وأحياناً  يلجأ إبن التنظيم أيضاً  لإستخدام سلاحه الشخصي "القبلي" لتصفية حساباته  التنظيمية , وهكذا تنموا وتترعرع  ثقافة القتل في فلسطين..

إنتشرت  جرائم القتل في فلسطين بأشكالها المختلفة , فمنها بدافع الثأر , ومنها بدافع الشرف , ومنها نتيجة شجارات عائلية , ومنها نتيجة نزاعات على قضايا مالية , ومنها بسبب نزاعات حزبية , وقد تكون جريمة القتل لسبب بسيط جداً لا يتخيله العقل البشري , وقد تكون الجريمة  لسبب غريب أيضاً , مثلما حدث في قضية الأسير المحرر جبر القيق , فقاتل القيق أعلن من خلال جريمته أنه لا يثق بنزاهة التنظيمات , ولا يسلم لقراراتها , فهوا إعتبر أن القرار التنظيمي بقتل والده آناذاك , هو جريمة قتل وليس قرار تنظيمي , وهذا يؤكد لنا أن العلاقة بين الحزبية والقبلية هي علاقة تعصب وسلاح فقط , فلا يوجد ثقة بينهما من الأصل , ولا يوجد رابط مشترك يصلح لبناء وطن صالح ومجتمع متدين .

 من المسؤول؟

من الصعب تغيير ثقافة مجتمع بسهولة , حتى في وجود برامج وحملات توعوية , سواء حكومية  أو مدنية ,  فالمجتمع الفلسطيني ورث كل العادات القبلية من قديم الزمان , وقبل وجود التنظيمات ,  فالحزبية شكلت إضافة الى التعصب والقتل وزادت من وتيرتها , ولذلك يجب أن يكون القانون حاضراً وبقوة , كي يحسم الأمر , وينظم العلاقات بين الناس , لأن القانون هو المسؤول الأول والأخير عن تأمين حياة الناس وتحصيل حقوقهم , وتنظيم سلوك المجتمع وتوفير الأمن العام , ومن هنا فيجب عزل القانون عن القبلية والحزبية بشكل كامل , كي يقوم بدورة دون تأثير أو مدايقات قد تحد من صلاحياته وتضعف من قوته , وكي ينجح القانون بفعل ذلك يجب أن يبادر بخطوتين مهمتين للغاية , وهما .

أولاً : يجب فصل الحزبية عن القانون بشكل تام , بحيث تكون سلطة الأحزاب السياسية تحت القانون وليس فوق القانون , فالقانون هو ملك للدولة بكل مكوناتها وليس ملك لحزب بعينه , فإذا قام أي شخص بقتل غريمه الخاص تحت غطاء حزبي , فيجب أن يخدع للقانون , ويجرد من حصانته الحزبية .

ثانياً : يجب فصل القانون عن العرف العشائري , أو ما يسمى بالقضاء العشائري , والمشهور بميوله تجاه العائلة الأقوى , أو الأكثر مالاً ونفوذاً , فغالب الأحكام العشائرية هي ظالمة وينتج عنها ثقافة أخذ الحق باليد "القتل" والدليل على هذا الظلم , هو أنه عندما يرتكب "أ" جريمة ضد "ب" , يتم الحكم برحيل كل أقارب "أ" من مكان سكنهم , ويتم تسكير محلاتهم التجارية ومنعهم من ممارسة العمل , وهذا يسمى عقاب جماعي لا علاقة له بالدين ولا المنطق , وهو مخالف لقول الله تعالى "ولا تزر وازرة وزر أخرى" صدق الله العظيم , وبالطبع ينتج عن الحكم العشائري المائل لطرف على حساب طرف , أن يأخذ الطرف المظلوم حقه بيده كي يثبت هيبته بين العشائر , ويقوم بقتل غريمه , وهكذا يستمر مسلسل القتل بين العشائر بسبب عدم أهلية رجال الإصلاح لحل النزاعات .

الجذير للذكر , إن أحكام الشريعة الإسلامية المنبثقة من القرآن والسنة  , كفيلة أن تضع حداً لجميع الجرائم وعلى رأسها قتل النفس بغير حق , ولكن ولعدم وجود تطبيق  الشريعة الإسلامية في فلسطين , وتعريف الدولة الفلسطينية  بأنها دولة  ديمقراطية علمانية مدنية , وذلك في الضفة وغزة ,  يجعلنا نخاطب القانون لا سواه , فالقانون وحتى لو كان أقل مرتبة وأقل عدالة من أحكام الشريعة الإسلامية , فهوا أيضاً رادعاً قوياً إذ تم تطبيقه كما في بعض الدول العربية , فالقانون في غالب الدول العربية يعاقب القاتل بالمؤبد أو الإعدام , ولو أن القانون الوضعي في فلسطين يعاقب القاتل بالمؤبد أو الإعدام , لكان أفضل بكثير من ما نراه الآن من تراخي , ولكان القاتل فكر ألف ألف مرة قبل أن يرتكب جريمته , ومن هنا نؤكد أن قوة القانون مهماً كانت خلفيته , هي الرادع الوحيد لجرائم القتل والتي إنتشرت في فلسطين , فالقانون هو المسؤول الأول والأخير عن ضبط المجتمع , وتجريد المجتمع  من التعصبات القبلية والحزبية.