الالتزام التنظيمي على حساب الالتزام الفكري
تاريخ النشر : 2020-08-09 14:41

في منتصف الستينيات من القرن الماضي كان ميلاد الثورة الفلسطينية المعاصرة ,والتي شهدت تنظيمات سياسية جديدة وقوية راغبة في الدفاع عن القضية الفلسطينية خاصة بعد تخلي الأنظمة العربية عن دورها , كذلك لم يقتصر الأمر على هذه التنظيمات والتي كان غالبها ينطوي تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية, فقد توالى ظهور التنظيمات مع مرور الوقت والتي كان العديد منها يختلف مع سياسية منظمة التحرير ولم يرغب بالانضمام لها, وكان من الواضح الاختلاف والتنوع في الحركة الوطنية الفلسطينية فمنها اليساري والاسلامي والوطني والقومي والعلماني وغيرها من المرجعيات الفكرية ,الا أن الغالب كان يجتمع على فكرة التحرير, وهي فكرة وطنية جامعة.
على مدار ما يقارب نصف قرن والى الآن لا تزال التنظيمات الفلسطينية هي المتحكم الأساسي في الواقع السياسي الفلسطيني, فالمتابع للحالة الفلسطينية سيجد أن التنظيم السياسي له تأثير على السلطة التنفيذية والتشريعية ومؤخراً القضائية , كما له تأثير على مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات والبلديات والنوادي الرياضية, وعليه يمكننا الحكم بأننا مجتمع تلعب فيه الأحزاب السياسية الدور الأساسي.
لكل حزب سياسي من الأحزاب على الساحة الفلسطينية له نظام داخلي أو وثيقة تعبر عن رؤية وتطلعات الحزب, كما لكل تنظيم هيكله ولوائحه الداخلية التي تميزه عن غيره من التنظيمات, ويتوجب على المنتمين له الالتزام بها والامتثال لها.
بعد تقدم الزمن وفي عصر التكنولوجيا المتطورة والانفتاح على العالم, أصبح من الصعب إدارة الجماهير والمنتمين بنفس الطريقة القديمة, فكلما تقدم العلم وزاد وعي الفرد ومصادر معلوماته يصبح من الصعب التحكم به والتأثير عليه بسهولة, وعلى الرغم من تقدم الزمن إلا انه لم يغير الشكل التقليدي للتنظيمات الفلسطينية, والعقلية التقليدية لقيادة التنظيمات التي تحاول ممارسة السلطة الأبوية والمحافظة على مصالحها ونفوذها وتأثيرها السياسي, وهذا ما زاد الفجوة بين الفرد والتنظيم, وما بين الأفكار والمبادئ الوطنية والتطبيق, وهذا ما دعى العديد من الأفراد والشباب في التنظيمات الفلسطينية للمطالبة بالتجديد والتطوير, وتقديم برامج ورؤى جديدة تتناسب مع الواقع والأحداث الجديدة ولا تتعارض مع الأفكار والمبادئ الأساسية.
لم تقابل التنظيمات الفلسطينية هذه المطالبات أو الرغبات بالقبول, وغالباً ما كانت تصد هذه الأفكار والمحاولات للتغير من قبل قيادة التنظيمات إما بسبب العقلية القديمة التقليدية أو للحفاظ على النفوذ والمصالح, ليصبح الفرد الحر الذي يطالب بالتغير والتجديد متهماً في إخلاصه التنظيمي مطعوناً في انتمائه الوطني.

سيف الالتزام التنظيمي

لقد اختلط على الكثير مفهوم الالتزام التنظيمي والذي يتمثل في احترام التسلسل القيادي للتنظيم والالتزام بتعليماته, بحيث أصبح هذا المصطلح سيفاً يُحارب به كل من يخالف أو ينتقد أي سلوك يتنافى مع مبادئ وأفكار التنظيم، هذه الأفكار التي تعتبر أساساً وسبباً في انتماء الفرد التنظيمي, وبالتالي أي سلوك يتنافى مع مبادئ وأفكار التنظيم الموجودة في نظامه الداخلي, يعد أيضاً منافياً للأفكار والمبادئ التي يحملها الفرد , وذلك لأن سبب انتماء الفرد التنظيمي هو التقاء الأفكار والمبادئ الفردية مع أفكار ومبادئ التنظيم.
حين يختار الفرد أن ينتمي لتنظيم أو حركة ما فأن أول ما ينظر إليه أفكار ومبادئ هذا التنظيم, ومن ثم مدى توافق هذه الأفكار والمبادئ مع سلوك التنظيم، فإذا كانت كافية لإقناع الفرد بالانتماء للتنظيم فانه يأخذ قراراً بالانتماء له ، وتكون هذه الأفكار والمبادئ بمثابة عقد أساسي بين الفرد والتنظيم, وبالتأكيد نتحدث هنا عن الوضع الطبيعي الذي لا يشمل الانتماء بسبب المنفعة أو المنصب والجاه.
في المرحلة التي تلي الانتماء الفعلي للتنظيم, على الفرد أن ينخرط في صفوف التنظيم, وأن يلتزم بالنظام الداخلي والبرنامج السياسي واللوائح الداخلية, وهو التزام إجرائي شكلي ينظم الهيكلية التنظيمية والعلاقات بين الأفراد وغيرها.
وهنا يجب علينا أن نسأل أنفسنا بعض الأسئلة, هل من الممكن أن يكون الالتزام التنظيمي على حساب الالتزام بالأفكار والمبادئ؟, وإذا ما تعارض الالتزام التنظيمي مع الأفكار والمبادئ لمن سيخضع الفرد؟, والسؤال الجوهري هل من خرج على المبادئ والأفكار التي يتبناها التنظيم يعد ملتزم تنظيمياً؟, أم علينا الموائمة بين الأفكار والمبادئ التنظيمية والسلوك والالتزام التنظيمي؟

باعتقادي إن مخالفة الأفكار والمبادئ التي يقوم عليها التنظيم والتي كانت بمثابة عقد بينه وبين أفراده المنتمين تشكل عدم التزام تنظيمي من قبل من يمارس هذه المخالفات, ومن حق أي فرد داخل الدتنظيم أن يوجه له الانتقاد ويطالبه بتعديل سلوكه أياً كان موقعه في التنظيم, فالالتزام التنظيمي يمكن أن يكون له شقين, الشق الشكلي الذي له علاقة باللوائح الداخلية والتسلسل التنظيمي والشق الجوهري الفكري و لا يمكن أن يكون الالتزام بالشق الشكلي على حساب الشق الجوهري الفكري الذي له علاقة أساسية في جوهر الانتماء والذي له خلفية وطنية, ولا يكون أيضاً على حساب حق الفرد في ممارسة حرية التعبير والنقد.

أيها الشباب ثوروا على كل الأفكار البالية وحاربوا كل انحراف عن البوصلة الوطنية الحقيقية, لا تقبلوا أن تؤدوا فروض الولاء والطاعة العمياء , وأن تكونوا كبعض من خلف ورائهم فراخاً صغيرة لا تعرف إلا أن تردد ما تسمعه من كبارها, فأوقفوا نمو عقولهم ولم ينمو لديهم إلا الإحساس بالعبودية والتبعية الفكرية.

لمتابعة آخر المستجدات .. انضم الآن إلى قناة "أمد للإعلام" على تليغرام .. اضغط هنا