أشكال التضامن الفلسطيني مع الشعب اللبناني بعد تفجيرات مرفأ بيروت.
تاريخ النشر : 2020-08-12 12:34

إن أردنا أن نتحدث عن أشكال تضامنا مع الشعب اللبناني الشقيق فنحن كلنا جزء من هذا التضامن، بل كان الشعب الفلسطيني من أوائل الشعوب التي تضامنت مع بيروت

فأرسلت غَزَّةَ رسالتها إِلَى بَيْرُوتَ لتطبطب عليها قائلة يا بيروت كُونِي قَوِيَّةٍ فجرحنا واحد

إن عدنا إلى التاريخ اللبناني الفلسطيني، فقد كان لبنان شعبا يحتضن القضية الفلسطينية قبل قيام دولة الاحتلال الصهيوني عام 1948م

كان اللبنانيون يأتون الي فلسطين يقاتلون في الناصرة وحيفا وفي الجليل جنبا إلى جنب مع الثوار الفلسطينيين في ذاك الوقت، وفي الثورة الفلسطينية المعاصرة وبعدها، احتضن شعب لُبْنَانَ، وَلَا يزَالُ، مئات الأف اللاجئين العائدين إلى وطنهم في أول فرصة، وذلك كأشقاء لَهُ. حيث يوجد في لبنان أثنى عشر مخيما للاجئين الفلسطينيين يقطن فيهن أكثر من 456381.

لقد زُرْت لُبْنَانَ كَثِيرًا، زُرْتهَا خَيَالًا وَليسَ وَاقِعًا من خلال صفحات كتاب حياةٍ غَيْر امْنِهِ (جِيلُ الأحلام الْإِخْفَاقَاتِ) للكاتب الفلسطيني شفيق الغبرا . فشاركته مفاصل حياته النضالية مع رفاقه في التنظيم الطلابي في أوائل السبعينات، فتعرفت على السرية الطلابية وكتيبة الجرمق فعشت حياة وعظمة المقاتل اللبناني والفلسطيني والعربي ِفي قلعة الشقيف والنبطية وبنت جبيل ومارون الرأس ورأس الناقورة. لبد شعرت بكل ما مر على تلك المناطق من برد ورعد وقصف وموت وقتل وفتك فكانت دموعي تتساقط كزخات المطر على كل شهيد يسقط دفاعا عن فلسطين.

منذ اللحظة الأولى للانفجار والفلسطينيين في بيوتهم وعلى رأسهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مكتبه وَمَنْزِلِهِ وكذَلِكَ الْقيَادةُ الْفِلَسطِينيّةُ، لا يتابعون إلا محطات الفضائيات اللبنانية لأن جرح لبنان هو جرح فلسطين فأعلن الحداد على أرواح الشهداء لمدة يوم واحد.

كَذَلِكَ ذَهَبَ وفَدٌّ فِلَسْطِينِيٌّ مِنْ مُنَظَّمَةِ التَّحْرِيرِ الْفِلَسْطِينِيَّةِ الِيِّ بَيْرُوتَ لِلتَّضَامُنِ مَعَ الشَّعْبِ اللُّبْنَانِيِّ.

قد يشعر ببيروت الجميع ولكن أكثر من يعاني هي الدول التي ذاقت مرارة الأسي من خلال تجربة ما مرت به بيروت ففي الحروب التجربة خير برهان.

لَمْ يكنْ مشهدُ بَيروتَ مُجردَ انفجار أمام شاشات العالم، نشاهده ونعود الي أشغالنا بعد ساعة، ولكنه مشهد التجارب التي عشناها نحن أهل الحروب المتكررة والمدمرة، نحن شواهد القصص الحزينة، دافعو ضريبة احتلال ما زال يجثم على صدورنا منذ أكثر من سبع عقود، جرب فيها شتى أنواع البطش والتنكيل بشعب اعزل مجرد من الأسلحة والذخائر.

لقد تكررت لدينا حلقات التَّشَرُّدِ وَالْهُرُوبِ، وسقوط وابل من صواريخ حديثة لم تجرب على أحد قبلنا في بلد يعاني ظُلْمَةَ انْقِطَاعِ الْكَهْرَبَاءِ ليلا ونهاراً، فمسحت عوائل بكاملها تحت أنقاض بيوت كانت يوما شامخا تعج أصوات ساكنيها لينتقلوا من ظاهر الأرض لباطنها بلمح البصر.

كل تلك المشاهد عكستها غزة في تعاطف أهلها، ففي يوم الأربعاء مساءً تضامن أهالي القطاع في ساحة الجندي المجهول مشعلين الشموع على أرواح الضحايا، رافعين علم لبنان على الأعمدة.

لقد مر ذلك المساء حزينا كئيبا على كل بقعة في غزة، ففي رفح خرج عشرات الشبان مساء الأربعاء مجتمعين في ساحة النجمة مشعلين الشموع بقيادة شخصيات سياسية ووطنية حِدَادًا عَلَى أرواح أكتر مِنْ مِائَةِ شخص كَانُوا ضحايا انفجار بيروت المروع.

وَفِي خان يونس أَيْضًا رُفِعَتْ لافتات "سَلَامٌ لِبَيْرُوتَ" في مسيرة تضامنيه أشعل فِيهَا السائرون الشموع حُزْنًا عَلَى ضحايا الكارثة اللبنانية، بينما نظمت بلدية خان يونس حملة للتبرع بِالدَّمِ لِأَجَلَ الجرحى.

علاء الدين الْبطَّةِ، رَئِيس بَلَدِيّةِ خَان يونس، قال خلال وقفة مساندة أهل غزة لأهل لبنان، بأن لبنان ستبقي قوية وستعود لتحلق َ دوْمًا كَما كَانت كطائِرِ الْعنقَاء مُشَددًا علَى أَهميَّهِ وَضَرورةِ الْمَوقف وَالدَعم الفلسطيني بمستوياته كافة للتضامن مع لبنان الشقيق.

ولم تخْلُ الشوارع واليافطات المعلقة من شعارات تضامنية مع بيروت، وكأن غزة هي الوحيدة التي تعرف المعني الحقيقي للأسي الذي جربته كثيراً الذي تخلفه تلك الانفجارات، والعواقب التي يتركها على كل معالم الحياة من بيوت ملطخة بالدماء الي زجاج متناثر عَلَى الْأَرْصِفَةِ وختاماً بمشاهد البكاء في مواكب الأفراح التي تحولت إلى أتراح، فأنغمس فيها الجمال بالدم.

في غزة لم تخل مواقع التواصل الاجتماعي والأخبار والصحف من مقالات وأراء وكتابات ونعي للشهداء وقصص عكست مدى حب الغزيين وتضامنهم مع بيروت متذكرين هول المشاهد التي مرت على غزة وبيروت وسوريا والعراق واليمن ومصر والجزائر وليبيا، فسن الكتاب أقلامهم، وانتشرت مشاركات لأراء عبر شبكات التواصل تعلن الحداد والحزن والتضامن مع بيروت، حزن غزة التي ذاقت من نفس الكأس.

ووضع علم لبنان عَلَى اغلب الصفحات لَقَد تلاقت أرواح شهداء لبنان معَ أرواح شهداء فلسطين وستبقي تتلاقي فِي محبة ابديه معبرة عَنْ قضيانا العربية المجروحة وسعينا الإنساني لتحقيق العدالة الَّتِي دفعوها بأرواحهم بصمت وَعَزْمٍ.

انحنى وَكُلُّ شباب فلسطين إجلالا وإكبارا إلى الشهداء الذين حَفَرُوا عَلَيَّ جدران أحلامنا بالأمن والأمان والعيش بكرامة قصص تستحق أن ترْوَى لأجيال ما زالَتْ تَحلم، سلام الي أرواحهم الطَّاهرَةُ.

وَأخِيرًا: رِسالَةُ غزَّةَ الي لُبْنَانَ

لُبنانَ ابْقُ جَمِيلَة وَمَنارَةَ الشرقِ، كوني قِبلة لِكل شُعوب الْعالَمِ كَما دوما َ، ودعوْتنَا الي شعبك:

مزيد من الوحدة والتعاضد والتضامن بين أبناء الشعب اللبناني، ذلك أنه بالوحدة الجميع يستطيع أن يجابه أعتي المصاعب.