عمارنة وقاطع الطريق
تاريخ النشر : 2020-08-13 13:48

الإستعمار الإجلائي الإقتلاعي الإحلالي الصهيوني منذ وطأت اقدام المجموعات الأولى من قتلته أرض فلسطين في نهايات القرن التاسع عشر مرورا بموجات الهجرة المنظمة والمدعومة من الإنتداب البريطاني وحتى إقامة القاعدة المادية للكولونيالية الصهيونية عام النكبة 1948 وما تلا ذلك من عام النكسة في الخامس من حزيران 1967 وحتى يوم الدنيا هذا، وهذا الإستعمار الوحشي، واللا آدمي، والمتناقض مع ابسط معايير الإنسانية وحقوقها، وهو يمارس ابشع اشكال والوان التهجير والطرد والقتل لإبناء الشعب العربي الفلسطيني، اصحاب الأرض والتاريخ والهوية والموروث الحضاري في ارض فلسطين من النهر إلى البحر بهدف بلوغ هدف الترانسفير، والسيطرة الكلية على الأرض الفلسطينية لتحقيق المقولة الإستعمارية المزيفة "ارض بلا شعب لشعب بلا أرض." ولتتوافق الوقائع مع محددات "قانون القومية الأساس للدولة اليهودية" المصادق عليه في الكنيست في 19 تموز/ يوليو 2018.

ومن يتابع التطورات الجارية على الأرض الفلسطينية يلحظ، ان المستعمرين الصهاينة بقضهم وقضيضهم إلآ ما ندريعملون على تحقيق الشعارات والقوانين الإستعمارية العنصرية باشكال واساليب مختلفة ومتوازية، كونها جميعا تصب في مسارب المشروع الكولونيالي الصهيوني الأم، القائل بأن "حدود دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات". لذا لا تتوقف منظومتهم واليات عملهم التدميرية الممنهجة والمدروسة والمعدة سلفا عن القضم التدريجي واليومي لمصالح وحقوق ابناء الشعب العربي الفلسطيني بدءً من الإعتقال، وسحب الهويات من المقدسيين، والحواجز، وهدم البيوت، وإطلاق قطعان المستعمرين والعصابات الصهيونية غير الرسمية لحرق البيوت ودور العبادة والسيارات وقطع الأشجار، والمدعومة من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والقتل في الميادين والساحات لإطفال وشباب وفتيات ونساء وشيوخ فلسطين وفرض الحصار القاتل، وتسميم الأجواء والمياة، وفرض القيود على حرية الإستيراد والتصدير، ونهب أموال وموارد الشعب، وقطع الطريق على إستقلالية الإقتصاد الفلسطيني، والهيمنة على الأجواء والمعابر والآبار والثروات الطبيعية، ونقض الإتفاقات المبرمة، والتصفية المتدحرجة لقضية السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، والشروع بالضم، ورفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ومواصلة الإستيطان الإستعماري في الأرض الفلسطينية المحتلة في حزيران 1967، وضم القدس، والإصرار على ضم الأغوار، والحفريات اليومية تحت المسجد الأقصى بهدف تدميره ولإقامة الهيكل الثالث مكانه، والسطو على التراث والفلكلور الفلسطيني، وعلى الأكلات الشعبية ... إلخ من جرائم الحرب المرفوضة من المعاهدات الدولية وخاصة إتفاقات جنيف الأربعة.

تجسيدا لسياسة الإستعمار التاريخية المتجددة لتحقيق كامل المشروع الكولونيالي، قامت العصابات الإستعمارية الإسرائيلية بإرسال إنذار للمهندس احمد عمارنة قبل ايام تطالبه بإزالة المغارة الواقعة على ارضه الخاصة، والتي يقيم فيها مع عائلته، بعد ان دمرت بيته، وحالت دون إعادة بنائه مرتين في قرية فراسين شمال الضفة الفلسطينية. رغم انه مضى على وجوده في المغارة 20 شهرا، ويقيم فيها مع زوجته الحامل وابنته، بعد ان رممها بالحجارة ووضع لها بابا وشباكين. وترافق الإنذار الموجه لعمارنة مع 17 إنذارا آخر لإزالة منازل ومنشآت لفلسطينيين آخرين في مناطق شتى من الضفة الفلسطينية. فضلا عن سلسلة الإنتهاكات الإسرائيلية الموازية لتأبيد الإستيطان الإستعماري على كل الأرض الفلسطينية العربية.

وتعقيبا على الإنذار الإسرائيلي الوحشي، يقول المهندس احمد، "دول العالم لا تطرد الوحوش من الكهوف. وأنا لا اطالب إلآ بالتعامل معنا كأننا "وحوش"، وعدم طردنا من ارضنا وكهوفنا ومغاراتنا. ويضيف عمارنة " لا افهم لماذا يمنعونني من السكن في مغارة." ورغم عتبي على ابن سرافين بشأن مطالبته الصهاينة إعتباره "وحشا"، بيد اني اتفهم المقاربة، التي ارادها. لكني اود ان اؤكد هنا، اننا بشر، واصحاب الأرض الأصليين، وهم طارئون، وعابرون في المكان والزمان، ولا يحق لهم تحت اي مسوغ قانوني، او ديني او سياسي طرد احمد وعائلته من ارضه، فقط مسوغ واحد يسمح لهم بذلك، هو قانون الغاب، قانون الوحوش الآدمية الإستعمارية.

وعندما توجهت وكالة "فرانس برس" للإستفسار حول إنذار الطرد لعمارنة من مغارته المقامة في ارضه الخاصة، ردت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية التابعة لوزارة الدفاع (كوغات) بالقول :" إن الأوامر في المنطقة (...) أعطتها وحدة الإشراف ضد المباني، التي بنيت بشكل غير قانوني، وبدون التصاريح والموافقات اللازمة." وردا على فجور (كوغات) المواطن الفلسطيني احمد عمارنة لا يحتاج إلى ترخيص للبناء، وهو عمليا لم يبنِ، انما اقام في مغارة موجودة تاريخيا على ارضه، ولم يفعل شيئا سوى ان وضع لها بابا وشباكين وبعض الحجارة لحماية اسرته من الرياح والوحوش. وبالتالي إدعاء ممثلو الإستعمار الإسرائيلي، إدعاء كاذب، والهدف منه ابعد من القوانين الإستعمارية، التي تتناقض مع كل القوانين والمعاهدات الدولية الأممية ومع حقوق الإنسان البسيطة، الهدف كما ذكرت آنفا، هو التدمير المنهجي لحياة الإنسان الفلسطيني لدفعه لخيار وحيد، هو الترانسفير، لتخلو الأرض للمستعمرين. لكن ستبوء أوهاومهم، واهدافهم الإستعمارية، والزمن دوار، والمستقبل لإصحاب الأرض الأصليين ومن يؤمن بالتعايش وخيار السلام.