ما بعد "السلام مقابل الكلام"..والملطمة السياسية القادمة!
تاريخ النشر : 2020-08-15 09:24

كتب حسن عصفور/ يوم 13 أغسطس 2020 سيبقى في "الذاكرة السياسية"، ولن يصبح خبرا كما غيره، بعد اعلان "الاتفاق الثلاثي" بين الإمارات وإسرائيل وأمريكا على رحلة تطبيع جديدة، ولن يتوقف التاريخ المعاصر عند تلك المحطة فغيرها قادم، ويصبح الأمر بلا مفاجئة، كما حاول البعض أن يبدو بعد ذلك الاتفاق.

من حيث المبدأ يجب الإدراك، ان قضية فلسطين لم تعد قضية العرب المركزية والأولى كما كان يقال يوما ما، ولم تعد هي قاعدة الصراع في المنطقة والإقليم، وذلك منذ زمن بعيد، لكن قوة الثورة وحضورها الكبير فرض على الغالبية الرسمية العربية عدم المجاهرة بتلك المسألة، والزعيم الخالد ياسر عرفات قالها في زمن حصار بيروت والغزوة العدوانية وعليها، بقيادة شارون.

3 أشهر من حرب وتدمير واقتحام أول عاصمة عربية لم يتحرك نظاما واحدا لنصرة بيروت والثورة، مع صمود أسطوري في حينه، قالها الشهيد العام أبو عمار "يا وحدنا"..ومن هنا أدرك أن "معادلة" مركزية قد باتت بديلا لما كان.

بعد قمة كمب ديفيد 2000، بدأت المواجهة الأكبر والأطول مع دولة الاحتلال استمرت 4 سنوات حتى انتهت باغتيال الخالد أبو عمار، لم تتحرك دولة عربية واحدة من أجل وقف العدوانية ومحاولة تدمير السلطة (الكيان الفلسطيني الأول فوق أرض فلسطين)، بل أنهم حركوا "قواتهم السياسية" لصياغة مبادرة "السلام" بعد نداء بوش الابن يونيو 2002 (حل الدولتين) شرطا لإنهاء قيادة ياسر عرفات واستبداله بقيادة تتوافق والرؤية الأمريكية الجديدة.

ولاحقا لعبت الرسمية العربية، دورا راعيا للانقسام الفلسطيني الذي يمثل أهم اختراق إسرائيلي للجسد الفلسطيني، والأداة التي تقف عائق أمام انطلاق المشروع الوطني، واحتضن كثير من العرب طرفي الانقسام دون ملامة، بل ودون جهد حقيقي لوقفه، وكأنه المطلوب استمراره لنصل الى نقطة الفصل، بين مرحلة ومرحلة، بين البحث عن إعادة الأرض وفلسطينيتها مقبل سلام للمحتل، الى ان يصبح "السلام مقابل الكلام" بلا ضمان أو قدرة على فرض معادلة ردع مع العدو.

قد يبدو منطقي أن يشمل الغضب من الخطوة الإماراتية مع إسرائيل كل الشعب الفلسطيني، وغالبية الشعوب العربية، فالتطبيع لا زال "لقمة" غير مقبولة على شعوب الأمة، خاصة بعد أن اكتشف الجميع ان دول الكيان لن تكون دولة سلام وهي تحتل فلسطين التاريخية من النهر الى البحر ومن رأس الناقورة حتى رفح، وهي لا غيرها من أضاع فرصة صناعة اتفاق "سلام تاريخي" مع الشعب الفلسطيني" يوم ان اغتالت رئيس وزرائها اسحق رابين، الذي ذهب للبدء في صناعة ذلك السلام، بتوقيع اتفاق أوسلو.

من اغتال رابين لا يمكنه ابدا أن يكون صانع سلام ولا يمكن أن يصبح "شريكا" في أي من ملامح السلام، ولم يكن صدفة ابدا، ان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الذي قفز من حجر الفساد الى منصة الفرح، أن يتذكر الاتفاقات مع العرب، كمب ديفيد مع مصر ووادي عربة مع الأردن والسلام مقابل السلام الذي صنعها، وتجاهل أي إشارة الى اتفاق أوسلو بين المنظمة وإسرائيل عام 1993، تجاهل انكاري مؤشر أن السلام لن يمر من فلسطين كما كان شعارا عربيا، (الحرب تبدأ من فلسطين والسلام منها)، فتلك مقولة أصبحت جزءا من "الذاكرة السياسية".

وبعد، ما هو قادم أن هناك دولا عربية باتت جاهزة تماما لتوقيع اتفاقات مع إسرائيل، وقد يكون أسرع مما يعتقد البعض الذي فتح ملطمة كبرى مع توقيع اتفاق الإمارات وإسرائيل، واستبدل التفكير من خطة مواجهة الى خطة ندب وعويل سياسي، كثيره كذب صاف، دون تفاصيل لماذا يكذبون، خاصة من أطراف غارقة في "العشق التطبيعي".

الأمر لن يقف على ما كان، ولكن ما سيكون، بعد إعلان عربي تطبيعي جديد، فهل سنعيد ذات الملطمة، أم سيكون الانهاك أصابهم مما فقدوه قدرة على "البكاء".

هل حقا أن حملات الدعاء والتنديد يمكنها أن تضع عقبة أمام طريق تنفيذ اتفاقات أخرى، أم أن الأمر يبدأ برد عملي مباشر على رأس الأفعى في دولة الكيان الإسرائيلي.

ولا يوجد سر في دليل الرد الوطني، لو ان المسألة حقا بحثا عن مواجهة للقادم وليس لما كان فقط، خطة فعل وليس ندب تصبح هي القاعدة التي تنطلق بها الرسمية الفلسطينية الى الدول العربية، بعيدا عن أوهام كبرى، وبدون "جعجعة" مكشوفة جدا، لم تترك أثرا عمليا واحدا يمكنه تعديل مسار عن مسار.

مطلوب وفورا اليوم وليس الغد العمل على:

*سحب الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير وإسرائيل واعتبار الاعتراف بين دولتين هو الشرط الأساس.

*تجسيد دولة فلسطين رسميا استمرارا للسلطة القائمة، وتلغى كل ما سبق مرتبط بها لصالح الدولة، ويسري ذلك الأمر في الضفة والقطاع والقدس وفقا لقرار الأمم المتحدة 19 /67 لعام 2012.

*ذهاب الرئيس محمود عباس الى قطاع غزة والدعوة الى لقاء وطني عام لإعلان دولة فلسطين تحت الاحتلال، وتسمية برلمانها وحكومتها وانتخاب رئيسها.

*تشكيل الجبهة الوطنية المتحدة لمقاومة التهويد ومشروع ترامب.

*مطالبة الأشقاء في مصر ترسيم الحدود مع دولة فلسطين، والعمل على بحث العلاقة مع الأردن، ورسم خطة عمل مشتركة حول المستقبل القادم معهما، وهناك تفاصيل متعددة، من ترسيم حدود الى مسألة الوضع في القدس والمقدسات المسيحية والإسلامية.

لم يتم الإشارة الى انهاء الانقسام لأن وصول الرئيس الى غزة وبحث ما سيكون هو الانهاء العملي.  

دون ذلك لا تذهبوا الى العرب، فلن يحترمكم أحد، وقبله لا تتركوا لأدوات خدمة غير الوطني تلعب دورا تحريفيا في مسار المواجهة المطلوبة من الاحتلال الى غيره تحت ذرائع عدة.

ملاحظة: مفارقة لطيفة أن حلفاء قطر والجماعة الإخوانية فتحت ماكينتها ضد الاتفاق الثلاثي، وتجاهلت أن الدوحة هي مقر صناعة البديل الوطني وراعي الاتفاق بين حماس والموساد...صحيح شو رأي قطر الدولة في الاتفاق!

تنويه خاص: لكي يصدقك الناس عليك ان تبدأ بنفسك...حكمة ابدية ما كذبت يوما!