ليس بالقانون وحده تستعاد الحقوق ..! 
تاريخ النشر : 2020-08-25 21:27

لا يكفي أن يكون القانون بجانبك ولصالحك حتى تنال حقوقك أو تستعيدها، حتى لو صدر لك حكم قضائي يؤكد على حقوقك ويطالب الخصم بردها إليك أو لإصحابها، إذ لابد من وجود قوة تنفيذية بجانب القانون تمتلك القوة والقدرة والصلاحية الكافية لتنفيذ القانون وتنفيذ احكام القضاء، سواء كانت هذه الحقوق فردية أو جماعية، خاصة أو عامة، لذا فإن السلطة التنفيذية الشرعية والقوية الخالية من العيوب على مستوى الدولة، هي التي تحتكر استخدام هذه القوة وتمتلك القدرة والمشروعية في استخدامها في وجه الجميع من افراد ومؤسسات الدولة لتنفيذ القانون واحكام القضاء المستندة إليه، في حين أن افتقاد مثل هذه القوة أو غيابها أو عدم توفرها أو فسادها يجعل من قواعد القانون واحكام القضاء حبرا على ورق، وتحل الفوضى وقانون الغاب محل القانون واحكامه، لتحكم العلاقات داخل الدولة والمجتمع الواحد، وتكون النتيجة إنتاج مجتمع مهلهل ودولة ضعيفة وفاشلة. 

ما ينطبق على فاعلية القوانين الداخلية من حيث المشروعية والفاعلية والنفاذ في استنادها إلى سلطة تنفيذية تمتلك القدرة وتحتكر استخدام عنصر القوة لتنفيذ وفرض احترامها والتقيد بها من قبل افراد المجتمع الواحد ومؤسساته، ينطبق ايضا على فاعلية قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وقرارات محاكمها المنظمة للعلاقات بين الدول واشخاص القانون الدولي بصفة عامة، إن افتقاد القانون الدولي والقضاء الدولي للسلطة التنفيذية التي تمتلك القدرة والشرعية وتحتكر استخدام  القوة في مواجهة الخارجين عليه من أجل فرض احترام قواعده واحترام قرارات القضاء الدولي لتصبح نافذة على اشخاصه وافراده وتنفيذ احكامه وقراراته بحقهم  جعل المجتمع الدولي اقرب إلى حالة الفوضى وإلى قانون القوة وقانون الغاب منه إلى حالة النظام المحتكم للقانون. 

في ظل هذا النظام الدولي السائد منذ الحرب العالمية الثانية إلى اليوم فإن القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ليست أكثر من (مجرد لعبة علاقات عامة يتقنها الكبار من الدول لتوفرهم على عنصر القوة بكل تجلياتها المختلفة التي يمكن لهم استخدامها في وجه الآخرين من الضعفاء واستخدام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية فيها فقط في اطار التبرير والتغطية على تدخلاتهم في شؤون الآخرين أو حروبهم ضد الغير) ..! 

إن المثال الأوضح على ضعف القانون الدولي في حماية الحقوق أو استعادتها لأصحابها من غير الكبار يتجلى في تطبيقاته على مختلف القضايا العربية وعلى رأسها قضايا الاعتداءات الإسرائيلية على فلسطين وعلى العرب بصفة عامة، إن كافة القرارات التي صدرت بشأن قضايا الصراع العربي الإسرائيلي والإعتداءات الإسرائيلية المتكررة والمتواصلة (هي مجرد توصيات وليست قرارات فاعلة وملزمة ترافقها أية تدابير لفرض احترامها وتنفيذها على أرض الوقع، فهي مجردة من عنصر القوة المادية القادرة على فرضها وتنفيذها، تاركة الأمر للمعتدي لتحديد مدى الإلتزام بها والكيفية التي يرتئيها لتنفيذها، فهي لا تمتلك سوى قوة معنوية خالية من القدرة والقوة الدولية التنفيذية لفرضها والزام الكيان الصهيوني المعتدي على تنفيذها والتقيد بها...)... 

ان غياب وافتقاد القوة الذاتية العربية والفلسطينية قد سهل على الكيان الصهيوني تجاهل تنفيذ كافة القرارات الدولية التي صدرت عن الأمم المتحدة منذ القرار ١٨١ لسنة ١٩٤٧ إلى القرار ١٩٤ لسنة ١٩٤٨م إلى آخره من سلة القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن والجمعية العامة بدون استثناء ... 

لذا فإن مواصلة الإنتظار لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وقرارات محاكمها واحترام قواعد القانون الدولي في ظل غياب القوة التنفيذية الدولية والقوة التنفيذية الفلسطينية والعربية الذاتية، هو ضرب من ضروب الخيال المستعصي على التحقيق والتطبيق على أرض الواقع، هذا يفترض السعي إلى بناء القوة الذاتية العربية والفلسطينية بكافة اشكالها وتجلياتها وتفعيلها في مواجهة قوى الإحتلال الإسرائيلي لدفعه إلى الإنصياع لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بشأن تسوية الصراع القائم، لأن الركون إلى النظام الدولي القائم وقراراته غير كفيل بإستعادة الحقوق الوطنية المغتصبة أو حتى جزء منها يلبي الحد الأدنى لتطلعات الشعب الفلسطيني والأمة العربية، وغير كفيل بإجبار الكيان الصهيوني بالإلتزام بها ... وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ... 

لذا بدأ البعض من الدول العربية يهرول بإتجاه التطبيع العلني عدا السري منه ولو على مستوى الحكومات، مع العدو الإسرائيلي دون فرض ما يتوجب عليه من احترام وتنفيذ لقرارات الشرعية الدولية الصادرة بشأن الصراع، ما يعني استسلاما كاملا له واعلان للهزيمة أمام أهدافه وغاياته واختراق لوحدة الموقف العربي .. 

إن أولى مهام بناء القوة الفلسطينية الذاتية،  يتمثل بالتخلص من عناصر الضعف المتمثلة في انهاء الإنقسام واعادة صياغة الرؤيا الوطنية الآخذة في التشظي والتآكل أمام عنت وصلف الإحتلال واجراءاته الإجرامية على أرض الواقع من استيطان وضم وتجزئة للجغرافيا والديمغرافيا الفلسطينية، والعمل على اعادة بناء المؤسسات الوطنية وتفعيلها من فصائل واحزاب ونقابات ومنظمات وفصائل مكافحة وجسر الهوة الواسعة والعميقة بينها وبين جماهير الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وصولا إلى البناء الوطني الشامل على اسس ديمقراطية تشاركية في اطار م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. 

بعد ذلك يتسنى لـ م.ت.ف وللشعب الفلسطيني وقيادته في الداخل والخارج من استعادة عناصر القوة الفلسطينية والعربية والدولية المختلفة والضاغطة لإستخدامها في مواجهة العدو الإسرائيلي، في مقدمتها استعادة الحاضنة الشعبية والرسمية العربية، اضافة إلى تفعيل الرأي العام الدولي الرسمي والشعبي ليفعل مواقفه المعنوية والمادية التي سبق أن عبرت عنها دوله في المحافل الدولية المختلفة، ومساندة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والوقوف إلى جانب مطالبه الوطنية التي اقرتها الشرعية الدولية ويوجب القانون الدولي احترامها وصيانتها وتنفيذها بدءا من حق العودة إلى حق تقرير المصير وإنهاء الإحتلال والإستيطان إلى إقامة الدولة المستقلة والمترابطة جغرافيا وديمغرافيا وعاصمتها القدس ... 

ليس بالقانون وحده تستعاد الحقوق والأوطان...