حظر التجوال في عهد الكورونا وعهد الاحتلال بين ارادة السلطة وامتثال المواطن "واقع وحلول"
تاريخ النشر : 2020-09-11 14:39

فرض منع التجول والتجوال - حظر التجول - منع الخروج من البيت - الالزام القسري بالبيوت كلمات لها مدلولها السلبي المتراكم والراسخ في النفس البشرية لدى الشعب الفلسطيني منذ تاريخ الاحتلال الاسود على فلسطين . فمنهم من عاش تلك الحقبة ومرارتها، ومنهم من وردت لأسماعهم حكايات وقصص تلك الحقبة بالتواتر من اشخاص عاشوها وتميزوا في رواياتهم لحكاياتها عن قصص منع التجوال وما أحاط بها من الام و معاناة من جهة، وبطولات من جهة أخرى.. حقيقية مرة ومن نسج الخيال مرات عدة في كيفية رفضهم لمنع التجوال والتمرد عليه، وطرق خرقه تعبيرا عن رفضهم للاحتلال واجراءاته ، وهناك من كان يمعن في تفاصيل أدوار بطولة للمناضلين أبطال حكايات كسر حظر التجوال، وكيف كان المناضلين من الشباب يتسللون خفية للمساعدة في جمع المعونات الغذائية وايصالها للمحتاجين ، اضافة لمساعدتهم للمواطنين في قضاء حاجاتهم وتوفير الحماية لهم .. وهناك من كان يمعن في سرد قصص وحكايات شخصية لهم ولجيرانهم ، كيف كانوا لا يمتثلون لقرارات حظر التجوال ، وذلك لقضاء حاجاتهم وتسلية اوقاتهم، كيف كانوا يتسللون خفية من بين الشوارع تارة وقفزا على الجدران الفاصلة بين بيوتهم تارة أخرى، للخروج من بيوتهم والتجمع في بعض بيوت الجيران لتجاذب أطراف الحديث ولعب أوراق الشدة والسيجة ، ولقضاء اوقاتا ممتعة مع بعضهم . ومن الواضح للعيان أن التجمع في تلك المرحلة كان هدفا وعنوانا لكسر ارادة الاحتلال وعدم الانصياع لأوامره ، هدفا تحقيقه محفوفا بثلاثية من المخاطر لا رابع لها ، اما أن تؤدى بمن يخترق منع التجوال للاستشهاد ، او الاعتقال والزج في المعتقلات ، او حتى لتكسير العظام بحدها الادنى .. لكن وبالرغم من قسوة تلك الاجراءات القمعية لم تثني الجماهير الرافضة للواقع المفروض عليها من رفضها والابداع في اشكال وطرق رفضه لها، بل وشكلت بطولات لرفضها للاذعان لقرارات العدو الصهيوني .. ولا أعتقد بأن أحد سيختلف معي بأن كل ما جاء في تلك المرحلة من خرق لمنع التجوال كانت تعد بطولات لا صحابها محمودة بالرغم كل ما صاحبها من خطورة وألم ، وستبقى نقاط مضيئة في تاريخ وطننا النضالي ..

اما في الحالة الأخرى .. حالة فرض حظر التجوال والاغلاق على مناطق وبدرجاته على مناطق أخرى بسبب انتشار فيروس الكروونا من قبل حكومة غزة والذي جوبه بالاستهجان والرفض ، وعدم الامتثال من قبل الجماهير معللة عدم تقبلها لفكرة رواية انتشار المرض في بدايتها ، انطلاقا من عدم ثقها بالإعلام الفئوي الحكومي على اعتبار انها أزمة تفتعلها الحكومة لإدارة أزمانها بها ، الامر الذي ساهم في عدم امتثال الجماهير لأوامر فرض حظر التجوال . ومع تطور الحالة وتسارع وتيرتها وبدء توجيه الاتهامات من قبل حكومة غزة للجماهير باللامسئولية ، اضافة لزيادة الطين بلة بعملية استخدام القوة المفرطة وبوسائلها المتنوعة من قبل قوات الشرطة غير المؤهلة للتعامل الانساني مع الجماهير بدون عنف ، حيث أساءت استخدام السلطة الممنوحة لها‘ وتباينت تلك الاساءة بين عدة أشكال بين الصراخ والشتم والضرب وتوجبه الاهانات واعتقال كل من تطاله أيديهم والقاءهم فوق بعضهم مجتمعين على أرضية سيارات شرطة كبيرة وبأعداد كبيرة من البشر ، دون الاخذ بالاحتياطات الخاصة بمنع انتشار الفيروس ، وهذا السلوك يتنافى كليا مع فكرة منع التجوال للمحافظة على صحة الناس ، ومنع انتشار الفيروس , وما هو الا تأكيدا على قدرة الحكومة على فرض النظام بالقوة المفرطة، واستعراض لعضلات الحكومة على المواطنين . ولتعذرني الداخلية وشرطتها في ربطي للأحداث .. بأن هذا السلوك المشين للشرطة كان يحاكي سلوك شرطة وجيش الاحتلال في فرضها لتطبيق نظام حظر التجوال والذي اعاد للذاكرة الجمعية همجية سلوك الاحتلال الهمجي في تطبيق اجراءات المنع والذي كان له الدور الكبير في حفز الذاكرة الرافضة لهذا السلوك المشين ومقاومته بكل الوسائل . عموما لم يكن هذا الامر هو الوحيد المؤدي لزيادة رفض الانصياع لحظر التجوال والتحدي له، بل جاء اضافة للتراكمات الكمية للسلوك الحزبي الفئوي للحكومة وعملية قمع الحريات وتكميم الافواه و فرض الضرائب واستئثار عناصر الحركة وحكومتها بالمناصب والوظائف حتى وظائف بنظام المياومة والبطالات منها ، ناهيك عن التفرد بالحصول على كل ما يصل للقطاع من تبرعات وهبات ومعونات ، اضافه لممارسات عنصرية أخرى لا يتسع هنا المجال لاستذكارها .. وجميع هذه المسلكيات العنصرية للحكومة أدت الى رفع درجة شعور المواطن بانه ليس شريكا في هذا الوطن ، بل هو مستغل ومن الدرجة الثانية في المجتمع الامر الذي أدى الى عدم التزامه بتعليمات الحكومة ..

عموما أنا واعتقد بأن الغالبية ستتفق معي بإيجاد بعض العذر لمسألة عدم الالتزام في البدايات لعدم ادراكنا بحجم الخطر ، أما اليوم فان عدم الامتثال لحظر التجوال وعدم التزامنا بالبيوت وبالتعليمات الخاصة بالسلامة المجتمعية مهما كانت المبررات تعبر عن اللامسوؤلية الاخلاقية والوطنية تجاه شعبنا وأمتنا فمن يحرص على الحفاظ على الوطن ومقدراته فليحرص على الانسان وحياته كأهم مقدرات الوطن لتتمكن من الابقاء على قضية الوطن وتحريره .

وهنا يبقى التساؤل المهم في هذا الموضوع .. هل سنقف منقسمين على أنفسنا كعادتنا مجموعة تكيل الاتهامات بارتباط المخالف مع جهات خارجية تعمل ضد الوطن ومجموعة أخرى تبرر هذا العمل المخالف وتعزوه لتراكمات سلوكيه عنصريه لدى الاخرين؟!! .. أكيد لا وألف لا .. عموما إن امعاني في الوصف التاريخي للتشابه في بعض دوافع الرفض لدى الجماهير في حالتي منع التجوال بسبب الكرونا وحالة منع التجوال بسبب التظاهرات ضد الاحتلال جاء بهدف تصوير الحالة التي تعصف بنا اليوم بشكل حقيقي للوصول الى الاسباب الحقيقية دون تحيز من وجهة نظري والتي قد يختلف معي فيها البعض وربما الكثير، لكنني اكاد أجزم بانه لن يختلف معي أحد في أننا جميعا نهدف لتحقيق مصلحة شعبنا ووطننا ..

ولاشك بأن الزيادة المضطردة لعدد المصابين بفايروس كورونا في قطاع غزة تعد مؤشر خطير، وتؤكد على أن الاجراءات الحكومية وحدها لم تعد كافية لمحاصرة التفشي الخطير للوباء، من دون توفر درجة عالية من المسئولية المجتمعية وتضافر الافراد والقيادات المجتمعية الشابة الحقيقية والمؤسسات الاهلية والشعبية على قاعدة الشراكة الحقيقية المجتمعية ، وأهم ما نحتاج اليه هو الوعي المجتمعي لدى الافراد بضرورة الالتزام بالبيت وأخذ الاحتياطات الصحية االلازمة لمنع تفشي المرض. وهذا ما دعاني للبدء في كتابة هذا المقال حرصا منى على تقديم العديد من الاقتراحات والتوصيات للحكومة صاحبة القرار وللمواطن بشكل اساسي لأنه حجر الاساس في انجاح عملية الالتزام بالتعليمات الصحية والامنية للخروج من هذه الازمة مجتمعين سالمين .

بالنسبة للحكومة بأجهزتها الامنية والصحية والاغاثية والاعلامية نقترح التالي:
• احترام عقلية المواطن عند تزويده بالمعلومات الضرورية للحفاظ علي نفسه أولا ثم على تعزيز دوره في حماية المجتمع ، فإشراكه وتعزيز دوره في المحافظة على المجتمع يحفز الكامن لديه للدفاع عن مجتمعه .

• تزويد المواطن بمعلومات حقيقة صادقه في مضمونها متجددة في توقيتها وموثوقة في مصدرها للتغلب على الاشاعة وافقادها جدواها .

• تزويد المواطن بإحصائيات حقيقية واقعيه عن توزيع عدد المصابين وخرائط الانتشار في المناطق بشكل دقيق. وعلى سبيل المثال " عملية ربط عدد المصابين في هذه الفترة القصيرة التي لا تتعدى شهر داخل قطاع غزة لا يمكن ربطها بفترة ظهوره عالميا لأنها حتما ستؤدي لنتائج غير منطقية".

• يجب بث برامج توعيه صحية ومجتمعيه للتأكيد على الالتزام عبر الفضائيات و المحطات المتلفزة والاذاعية والمكتوبة وليست كالتي تبث حاليا مع شخصيات سياسية ودينية مجتمعية ارتبطت بالسياسة وتلوثت بحزبيتها و فقدت تأثيرها وأهميتها ، وتستبدل بعناوين جديدة لهذه البرامج من قيادات محلية مجتمعية ولو حتى شخصيات مناطقيه مغمورة ممن يقتنع بهم الشباب من اصحاب التأثير في المجتمع ويفضل البعد كل البعد عن الشخصيات الحزبية جميعها لانها فقدت تأثيرها المجتمعي ولم تعد اهلا لثقة المجتمع.

• رفع درجة اشعار المواطن بالشراكة المجتمعية والمساواة في الحقوق لكي يتنامى لديه الشعور بالالتزام بالواجبات " وهذا يحتاج من الحكومة إعادة دراسة احتياجات المجتمع الحقيقية بعيدا عن الفئوية السابقة واعادة توزيع المنح والهبات بشكل يضمن وصولها لكل بيت دون الاستثناء.

• اعادة النظر في عدالة الضرائب المفروضة والمخالفات وتلزيم الاسواق والاماكن العامة ومواقف السيارات بشكل يشعر المواطن بالعدل والمساواة .

• رفع درجة الوعي السلوكي لدى أفراد قوات الامن واعادة تشكيل الوعي لديهم بانهم في مثل هذه الظروف يتعاملون مع أهلهم وليسوا مع اعداء الوطن. وعليه يفضل أن يكون على راس كل مجموعة ضابط حكيم متخصص ، ويفضل اصطحاب أحدا من أهل الحارة المؤثرين مع الشرطة عند التجوال في حالات تطبيق فرض منع التجول.

• يفضل أن يستعين جهاز الشرطة ببعض من القيادات المجتمعية الشابة ومن جيل الوسط لتشكيل جيش مدني للقيام بالمهمات الجماهيرية المجتمعية مثل التوعية واقناع الجماهير للحد من رفض الانصياع لتطبيق فرض منع التجوال.

• التعامل برفق واحترام بالغ الاهمية مع المصابين بالمرض عند استدعاء طواقم الصحة وقوات الامن والاستعانة بخبراء نفسيين لتهدئة روع المصابين وتطمين أهاليهم.

• التعامل مع المريض عند احتجازه وحجره في البيت باحترام والنظر لاحتياجاته وتوفيرها بسرعة كي لا يشعر بانه مجرم ومعاقب هو وأهله. وليس كما يجري اليوم يعامل كأنه مجرم تحت طائلة اللوم هو وأهله ويشهر بهم ، بل ويتم التقاعس عن تلبية طلباتهم.

• يجب التعامل مع المريض الذي يتم حجره في المشفى بنوع زائد من الاهتمام فهو ليس مجرم ولا معاقب والجميع يدرك بانه ليس هناك دواء لعلاج هذا الفيروس سوى تقوية المناعة، وأهم علاج لتقوية المناعة بجانب بعض العلاجات هو تحسين الحالة النفسية للمريض ، ليس كما يجري مع المحجورين وفق رواياتهم" ان ما نسمعه من بعض المرضى بانهم محجورين في مدارس بجوار المشفى الاوروبي دون اهتمام" .

• تشجيع المواطن المصاب على الاسراع للاتصال بالأرقام المعلنة من قبل وزارة الصحة والداخلية لفحصه واخذ عينة منه وذلك من خلال رفع درجة شعور المواطن المصاب بالأمان له ولأهله في حال اكتشاف المرض لديهم.

أملين أن تسمع مقترحاتنا آذان المسئولين لما فيه مصلحة مجتمعنا ووطننا.
بالنسبة للمواطن :

ان كل هذه الاجراءات والتعليمات وحظر التجوال والجهود المبذولة هي للمحافظة فقط عليك وعلى صحتك ، يامن ترفضها وتتمرد عليها احتجاجا على ظلمك وانتهاك حقوقك ومصادرة رايك ، فهل يعتقد من يرفض الالتزام بالتعليمات احتجاجا بان هذا الاحتجاج سيكون ذو فائدة بعد دوره السلبي في سرعة تفشي المرض المؤدى للموت المحقق للجميع؟!! الاجابة أكيد لا .. لذلك يا ابن وطني احرص على أن تبقى حيا ، كي تطالب بحقوقك وتعزز دور الجماهير من حولك ، فالوطن وديمومة قضيته في امس الحاجة لبقائك مع كافة مقدرات وطنك . فاحرص على البقاء حيا في وطنك. وعزز حرصك بالالتزام بتعليمات الصحة والسلامة ، التزم في البيت ولا تغادره الا مضطرا ، وشجع الجميع البعد قدر الامكان عن التجمعات العائلية في البيوت لانها الشرارة التي تساهم في الانتشار السريع للوباء . أبناء وطني .. حافظوا على أنفسكم وما تبقى من امتداد نسلكم لاجل حرية وطنكم ان كنتم في نواياكم تجاه وطنكم صادقين .