ثقافة العجب؟!
تاريخ النشر : 2020-09-20 13:34

ممارسات كثيرة تحدث في الساحة السياسية الفلسطينية تثير العجب وأكثر منه إلى درجة الاستغراب؛ وكأنّ السياسيين الفلسطينيين في الفصائل الفلسطينية يستغبوننا أو يهمشوننا؛ وكأننا في تصورهم مدحورون للتطبيل والتزمير، خاصة عندما تتفتق الرؤى السياسية لديهم عن فكرة سياسية يعتقدون أنها عبقرية، وهي ساذجة على طريقة بيع الماء في "حارة السقايين"، يريدون بها أن يضعوها " لهاية" في أفواههنا؛ فيكون صمتنا صمت المغلوب على أمره، الباحث عن لقمة عيشه، الماشي بجانب الحيط الحيط والقائل : يا رب السترة!! هذا بعد أكثر من مئة وعشرين عامًا من المقاومة الفلسطينية.

ثقافة العجب الأولى : هي الانقسام الفلسطيني في غزة المحاصرة، والضفة المحتلة، والقدس المنهوبة!!
فمنذ عام 2006، ونحن نسمع عن عنقاء المصالحة الفلسطينية، التي لم يعد فيها خلّ وفيّ، فصارت غولاً مستغولاً في التهام تاريخ المقاومة الوطنية الفلسطينية الذي زاد على مئة وعشرين عامًا. هذا الانقسام من أهم بنود صفقة القرن، سواء أكان ترامب في حكم أمريكا أم غيره؛ فسياسة "الخطوة –خطوة " التي اخترعها كيسنجر هى التي تمشي، وسياسة الكيان الصهيوني هي صاحبة القول الفصل في ظل العجز الشامل فلسطينيًا وعربيًا ودوليا عن كبح جماح هذا الكيان العنصري الغاصب. ومن المؤكد، أن حركة حماس التي تحكم إمارة أو دويلة غزة الفلسطينية، تدرك جيدًا أنّ مشروعها الانقسامي هو أهم أجزاء صفقة القرن، وقبل ذلك أهم أجزاء اتفاقيات أوسلو. وهذا الفعل يريح السلطة الفلسطينية، ويخلصها من ديمقراطية الحراك الفلسطيني الذي تسيطر حركة حماس على ثلثي أصوات الشعب الفلسطيني، بحكم برنامجها ذي القشور السياسية الإسلامية، والحمد لله على نعمة إسلامنا العجائزي.

ثقافة العجب الثانية: التهديد الفلسطيني بالتراجع عن اتفاقيات أوسلو!!
هل فعلاً نحن قادرون على التراجع عن هذه الاتفاقيات المشينة، بعد أن كبلتنا بها إسرائيل، فجنت هي الفوائد، ولم ندرأ أي مفاسد، ولم نحقق أي إنجازات فعلية في مستوى هذه الاتفاقيات، باستثناء التقول بأنّ مقاومتنا الوطنية الشعبية والعسكريتارية أصبحت على أرضنا المحتلة والمحاصرة والمعاقبة بكل الوسائل القمعية الإجرامية العنصرية الصهيونية. لا أعتقد أن وضع السلطة الفلسطينية، مع خيارات أن تكون غزة هي الدولة الفلسطينية، يؤهلها لاتخاذ إجراءات حقيقية تلغي بها اتفاقيات أوسلو، جملة وتفصيلًا!! وهكذا يبدو خيار الهيمنة الحمساوية على غزة من أهم بنود صفقة القرن أو صفعته!!

ثقافة العجب الثالثة: في ضوء النهج الإجرامي للكيان الصهيوني، واجتياحاته بعد اتفاقيات أوسلو لما كان حلمًا في إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدس الشرقية، هل نحن قادرون على أن ننتصر على هذا الكيان المجرم الغاصب عسكريًا؟!!
لا أظن أننا سننتصر عسكريًا على هذا الكيان، بعد تدمير الكيان الصهيوني للضفة وغزة في انتفاضة الأقصى عام 2000، وشن الكيان الصهيوني الحرب على الشعب الفلسطيني بعدة اجتياحات، أطلقت عليها أسماء، منها : عملية الدرع الواقي، وأمطار الصيف، والرصاص المصبوب، وكانت الهزيمة العسكرية الفلسطينية تفوق التصور في ظل الإجرام الصهيوني الذي شن حربًا على المدن والقرى الفلسطينية، لتنتهي هذه الحرب عام 2005، ليبدأ بعدها سيناريو الانقسام الفلسطيني منذ عام 2006، بعد انخراط حماس في انتخابات أوسلو؛ لينتج عنها ثلاثة اجتياحات صهيونية لغزة: اجتياح بقعة الزيت اللاهب عام 2008، ثم اجتياح عامود السحاب2012، ثم اجتياح الجرف الصامد عام 2014. لا أريد أن أتحدث عن خرافة النصر التي حققتها الفصائل الإسلامية في هذه الحروب، والولاءات الإقليمية لإيران وغيرها، مما جر الويلات على الشعب الفلسطيني، وخاصة على مليوني فلسطيني في غزة، أخرجتهم حركة حماس من دائرة الصمود والتصدي للاحتلال الصهيوني المباشر، كما هو حال الضفة الغربية؛ ليغدو شعبنا كبش فداء للإجرام الصهيوني، والجوع، والدمار، ومئات الآلاف من الشهداء والجرحى، عدا عن دكتاتورية حماس ، وولاءاتها الخارجية!!

ثقافة العجب الرابعة: التوجه إلى المقاومة الشعبية الشاملة، ردًا على التطبيع مع الاحتلال، وتطبيق اتفاق الحد الأدنى الفصائلي ؟!
هل تركنا في أي يوم من الأيام المقاومة الشعبية للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة؟! منذ الوعد الاستعماري بإعطاء فلسطين وطنًا قوميًا للكيان الصهيوني، وشعب فلسطين يناضل ويتحدى هذا الكيان العنصري الإجرامي، ... ولعل الوضع الذي وصل إليه الفلسطيني اليوم في فلسطين المحتلة لم يعد يحتمل في ظل معطيات كثيرة أن يفعل أكثر من المقاومة الشعبية السلمية، وفي الوقت نفسه لن ينسى شعار :" بدنا نعيش"؛ لذلك تخطئ فصائل الإسلام السياسي إن اعتقدت أن تحالفها مع أيران وغيرها، يمكن أن يسهم في تحرير فلسطين من عدو مجرم، يسعى بكل الطرق إلى استقلالية غزة، وشن الحروب عليها باستمرار، والنتيجة التي يرتضيها هذا الكيان المجرم هي أن تتغنى هذه الفصائل بانتصاراتها الوهمية على الكيان الصهيوني، الذي يدرك جيدًا أن شعارات المقاومة الفلسطينية الإسلامية تفيده كثيرًا، وتجر الويلات على الشعب الفلسطيني تحت أنظار العالم الأخرس، باستثناء بعض المظاهرات في بعض البلدان مساندة للشعب الفلسطيني في محنته العظمى... عجيبة أن تصل أسلحة إيران إلى غزة ، ولم يحدث في أي يوم من الأيام أن تكتشف هذه الأسلحة رغم حصار غزة في عنق الزجاجة!!
ثقافة العجب الخامسة: هل الإمارات والبحرين أول وآخر من طبع مع الكيان الصهيوني؟!
إنّ أية سياسة فلسطينية لا تضع في حسابها مصلحة الوجود الفلسطيني في أية دولة عربية أو دولية هي سياسة خاطئة بكل تأكيد. المصالح بين الشعوب العربية مصالح إستراتيجية، لكن للحكومات سياساتها ومواقفها مختلفة بحسب علاقاتها وشؤونها، ومن ثمّ لا بد من إدراك المصلحة الشعبية الفلسطينية قبل كل شيء. فإذا كان عدد الأغلبية أبناء الجالية الفلسطينية في الإمارات ما يقارب مئة وخمسين ألف فلسطيني؛ فإن لهؤلاء مصالح، ومن حقهم أن يعيشوا في الإمارات بصفتها وطنًا ثانيًا لهم، ولا يمكن أن تكون مواقفهم السياسية إلا مع سياسة الدولة التي يعيشون فيها. وفي حال أي تطبيع مع الكيان الصهيوني، فإن المحك عربيًا يكمن في تمادي الكيان الصهيوني في إجرامه بحق الفلسطينيين؛ حينئذ يتضاعف الخزي والعار إن استمر أي تطبيع عربي مع الكيان الصهيوني.
ثقافة العجب ممتدة، وقد انغرست في أذهان الأغلبية الصامتة!!