تحريم التطبيع الإعلامي "رايح جاي"!
تاريخ النشر : 2020-09-23 09:17

كتب حسن عصفور/ بعد عقد لقاء إعلامي عربي مع وزير إسرائيلي، هبت نقابات إعلامية فلسطينية في حملة جديدة ضد "التطبيع" من جانبه الإعلامي، ومن بينها نقابة الصحفيين الفلسطينيين، التي تسجل حضورا فاعلا في مواجهات متعددة، تنجح وتخفق وفقا لطول نفسها في المواجهة، وكذلك تجمع محسوب على حركة حماس.

الغضب الصحفي الفلسطيني محق تماما، إدراكا أن الإعلام هو أحد أهم الأسلحة التي تشكل الوعي العام، بل وصياغة مواقف سياسية، فما بالنا والأمر يتعلق بالتعامل مع المؤسسة الرسمية لدولة الكيان، وما قد تقدمه من حركة تحريف أو تشويه للتاريخ والحاضر في الصراع أو "بقايا الصراع" مع دولة الاحتلال.

ومن باب التذكير لقيمة الإعلام وأثره، فلا زال الإعلام المصري الرسمي والخاص، يرفض حتى ساعته لقاء أي مسؤول من دولة الكيان، بل يغيب عنها ممثلي الإعلام العبري، وكذلك في الأردن، ولعل مصر والأردن تجسدان صورة حقيقة لرسم جدار صلب بين "التطبيع الرسمي" و"التطبيع الشعبي" بكل أشكاله ومظاهره، الذي مثل رسالة سياسية تستحق التفكير، خاصة في زمن الانفتاح العربي المفاجئ.
ولكن، هل يمكن اعتبار "هبة" صحفيي فلسطين مسارا حقيقا أم هي جزء من رد فعل محسوب بمسار "الذاتية" التي حكمت موقف الرسمية الفلسطينية وحماس و"التحالف القطري الإيراني"، وتلك مسألة ليس سوى تنبيه أو تذكير بأن الغضب من "التطبيع" لا يجب أن يتحول لمصلحة فئوية أو تجارة سياسية.
كان من المهم على صحفيي فلسطين أن يستندوا الى تجربة مصر والأردن في التعامل الإعلامي مع "التطبيع"، بصفته النموذج الأبرز كفاحية، بل هو يتفوق كثيرا على الفلسطينيين بذاتهم، فذلك سيزيد من صلابة الموقف الرافض، ولكن يبدو أن هناك "حسابات صغيرة" ترتبط بمزاج الثنائية السائدة راهنا بموقف ما من مصر وربما الأردن.

ومن باب التذكير، او الدرس التاريخي لمن يقاتل التطبيع الإعلامي، فأول وسيلة إعلامية فتحت باب "التطبيع الواسع – الشامل" مع دولة الكيان، وكسرت كل الحواجز، كانت قناة "الجزيرة" القطرية والتي يسيطر جماعة الإخوان وأنصار حماس على كثير من الحضور فيها.

"الجزيرة" القطرية هي وليست غيرها من أدخل رواية العدو وجيشه بتفاصيلها الى كل بيت عربي، بحيث أصبحت الأسماء الرسمية الإسرائيلية والإعلام العبري جزء أساسي من مكون الرسالة القطرية في القناة "الصفراء"، ويمكن اعتبار أن الناطق باسم جيش الاحتلال أحد أبرز الثوابت لها، وتفوقت جدا على مختلف الوسائل العربية، ولكن لم تواجه بهبة غضب دائمة حقيقية، وأصدر البعض بعضا من بيانات "خجولة"، لم تمثل أثرا على القناة القطرية.

 فيما صحفيي حماس وجسهم النقابي شكل رأس حربة لتعزيز "القناة الصفراء"، بل أنهم كانوا جزءا منها، ولذا لم نجد يوما أي رسالة غضب من هذا الجسم "الحزبي" ضد الجزيرة، بل لعب واقعيا دورا تخريبيا بالترويج لها، معتبرا انها تقدم خدمة لدعم "المقاومة" ما يكشف زيف موقفهم من التطبيع الإعلامي.

ولاحقا بدأت تتسابق قنوات خليجية على فتح بابها للرواية الإسرائيلية عبر استضافة ساسة وإعلاميين من دولة الكيان العدو، ولم تقف المؤسسات الفلسطينية بجدية كافية، أمام ظاهرة "التطبيع الإعلامي".

ولا بد من الإشارة الى أن لتطبيع الإعلامي بدأ أيضا في وسائل إعلام فلسطينية، رسمية وحزبية وخاصة، ويمكن مراجعة ذلك لو أن المعركة يراد بها "حق" وليس "باطل" مدفوع الأجر.

لو أن الأمر مواجهة التطبيع الإعلامي، هل تعلم هذه الأجسام النقابية، ان الحضور الفلسطيني الرسمي وشبهه أو المستقل في الإعلام العبري يمثل مادة شبه يومية، ولا يمر يوم دون أن يكون بعض من الرسميين الفلسطينيين "ضيفا" على وسيلة إعلام عبرية، وهناك ضيوف دائمين على إذاعة الكيان باللغة العربية، ولعل الذاكرة لا تزال تحفظ قيام أمين سر تنفيذية المنظمة بعمل إعلانات خاصة للقاء يجمعه مع قناة عبرية رسمية.

ولذا لو أريد المواجهة، يجب تحريم التطبيع بكل مظاهرة، اللقاء مع الإسرائيلي أو لقاء الفلسطيني مع العبري...ومقاطعة كل من يكسر ذلك، بل ومن يذهب الى القنوات والوسائل المطبعة...تلك هي بوابة المواجهة، والمعركة ليست "مزاجية" أو "انتقائية" لوسيلة دون أخرى، فمن يصمت على "الجزيرة" أو "العربية" ليخرس نهائيا عن الحديث ضد "التطبيع الإعلامي"، فذلك خير لفلسطين، لأن النفاق السياسي هو الضرر الأكبر الذي ينال من القضية المركزية.

وسلفا نقول لصحفيي فلسطين، لن يلتزم أكثر من يجعجع ضد التطبيع من الفلسطينيين بالحديث للقنوات المطبعة عربيا أو للإعلام العبري...فدونها سيفقد كثيرا من "ميزات" مقابل خدمات خاصة!

ليكن معيار المواجهة مستقيما أو لا ضرورة لضجة بلا فائدة!

ملاحظة: فلسطين لم تغب عن كلمات قادة الدول في أول جمعية عامة افتراضية...حضور يؤكد أنها أعمق كثيرا من محاولة تسطيحها أو خطفها لصالح "محور غير عروبي"!

تنويه خاص: حتى ساعته لم تجب "قيادة الجعجعة" الفلسطينية على سؤال: أيهما أخطر التطبيع أم قبول صفقة ترامب أو كلاهما.. الجواب يحدد الكذب من الحقيقة في الصراخ المستمر!