خلال ورشة رقمية نظّمها مركز "مسارات".. مناقشة وثيقة سيناريوهات الصمود في الحالة الفلسطينية
تاريخ النشر : 2020-09-24 16:30

رام الله: ناقش مشاركون/ات في ورشة رقمية سيناريوهات حالة الصمود الفلسطيني التي خلصت إليها وثيقة أعدّها فريق بحثي فلسطيني، وشملت ثلاثة سيناريوهات: سيناريو استمرار الانقسام ومجتمع هش، وسيناريو الفوضى والانهيار، وسيناريو الصمود والوحدة.

وأشاد المشاركون بالوثيقة، وبمنهجيّتها القائمة على السيناريوهات واستشراف المستقبل، مؤكدين ضرورة العمل على تعزيز السيناريو المفضّل، وهو سيناريو الصمود والوحدة، وإبعاد السيناريوهين الأكثر سوءًا المتمثلين باستمرار الانقسام والفوضى، من خلال بذل الجهود لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، ومواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية، لا سيّما بعد طرح رؤية ترامب ومخطط الضم والتطبيع.

جاء ذلك خلال ورشة رقمية نظّمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، لمناقشة مسودة وثيقة سيناريوهات حالة الصمود الفلسطيني، بمشاركة أكثر من 85 مشاركًا/ة من السياسيين والأكاديميين والباحثين والنشطاء والشباب من مختلف التجمعات الفلسطينية.

وقد أدار الحوار د. عماد أبو رحمة، المستشار في مركز مسارات.

وقال أبو رحمة إن هذه الوثيقة محصلة جهد وعمل طويل شارك فيه قطاع واسع من أبناء شعبنا الفلسطيني من مختلف التجمعات، موضحًا أنها تأتي ضمن برنامج "دعم الصمود الفلسطيني عبر الحوار"، الذي ينفذه مركز مسارات بالتعاون مع مبادرة إدارة الأزمات الفنلندية، وبدعم من الاتحاد الأوروبي.

وافتتح هاني المصري، المدير العام لمركز مسارات، الورشة، موضحًا أن الوثيقة من الإنتاجات المهمة لمركز مسارات، ويمكن أن تكون فريدة من نوعها، كونها تعتمد على منهج السيناريوهات والتفكير الإستراتيجي، وهو مجهود ذهني يهدف إلى استشراف المستقبل، ويقوم على قواعد البحث العلمي، ولكن يضاف إليه الحدس والتخيّل والإبداع، ويستند إلى المعطيات والمؤشرات، والتأمل، والتحليل الكمي والنوعي، والاستنتاج القياسي، وتمثل التداعيات، وتحليل الأوضاع والنظم لرسم السيناريوهات المحتملة، التي قد تكون مرغوبة أو مكروهة، محتملة أو مستبعدة أو مفضلة، من دون إسقاط الرغبات على الواقع، بحيث يتم التعامل مع السيناريوهات بشكل موضوعي، والعمل على تقدّم السيناريو المفضل واستبعاد السيناريوهات الأكثر سوءًا.

وأضاف: يجب قراءة المعطيات والعوائق ونقاط القوة والضعف لكل سيناريو والتقاطعات فيما بينها، حيث يمكن الجمع بين أكثر من سيناريو، والانتقال من سيناريو إلى آخر استجابة لمتغيرات لم تكن في الحسبان، وبالتالي يجب عند العمل على رسم السيناريوهات استيعاب كل الاحتمالات والتغييرات المحتملة.

فيما أشار سلطان ياسين، مستشار مبادرة إدارة الأزمات الفنلندية في فلسطين، إلى انطلاق العمل على هذه الوثيقة في نهاية كانون الثاني 2020، من خلال تشكيل لجنة توجيهية وطنية من 15 شخصية من التجمعات الفلسطينينة المختلفة، لمناقشة الصمود الفلسطيني وسيناريوهات والمستقبل، بمساندة فريق بحثي محلي وآخر دولي، لوضع المنهجيات، والخارطة العامة للمشروع البحثي، الذي أخذ  بالحسبان السياق الفلسطيني، والمنهجي التشاركي، والقطاعات الفلسطينية المختلفة.

وأوضح أن العمل مرّ بأربع مراحل، شملت عقد ورش عمل في التجمعات الفلسطينية المختلفة لمناقشة كيف نرى المستقبل في العام 2025، ومراجعة كل ما أنجز وما كتب من تجارب سابقة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والعوامل العربية والإقليمية والدولية، إضافة إلى استطلاع استكشافي شارك فيه المئات من الفلسطينيين من مختلف التجمعات، فضلًا عن إنتاج 6 أوراق حول تداعيات كورونا على الصمود الفلسطيني في القطاعات المختلفة، مشيرًا إلى أن الوثيقة عرضت على محكم دولي، وعلى اللجنة التوجيهية للمشروع لأخذ الملاحظات والتعديلات.

بدوره عرض د. عبد الرحمن التميمي، عضو الفريق البحثي لمشروع "الصمود عبر الحوار"، ملخّصًا عن الوثيقة، موضحًا أن أهم ما أنجز في هذه الوثيقة البيئة التي أنجزت فيها، ومشيرًا إلى أنه عمل مع مؤسسات كثيرة منذ 25 عامًا، ولأول مرة يشعر بأن هناك احترامًا للمعرفة والعلم، وهذا ما وجده في مركز مسارات، "إذ ترك لنا المركز ومديره الحرية في كيفية التفكير والكتابة". وأضاف: أن هذه الدراسة هي الأولى في فلسطين التي تمزج ما بين العلوم الإنسانية والطبيعية والسياسية والتفكير الإستراتيجي.

وأوضح أن هذه الوثيقة تأتي في الوقت المناسب لتسليط الضوء على مكونات الصمود والعوامل المؤثرة عليه، ولدراسة مدى تماسك الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، من خلال حوار مجتمعي يشمل كافة القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في التجمعات الفلسطينية المختلفة.

وأشار إلى أن الهدف منها دراسة حالة الصمود الفلسطيني عبر الحوار مع كافة الفاعلين في التجمعات الفلسطينية المختلفة، من خلال دراسة العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المؤثرة على حالة الصمود الفلسطيني، ودراسة السيناريوهات المستقبلية المتعلقة بمستقبل الصمود الفلسطيني، وكذلك دراسة الإمكانات والفرص والتهديدات التي يتعرض لها في كل أماكن تواجده، واستنباط القضايا الأساسية التي يجب التركيز عليها لصناعة سياسات مستقبلية تدعم الصمود، إضافة إلى معرفة البيئة الإقليمية والدولية، وتأثيراتها على حالة الصمود الفلسطيني.

وأوضح أن الدراسة اعتمدت منهجية تشاركية، ومقاربة تحليلية لعناصر الصمود الفلسطيني وعلاقتها مع بعضها البعض، تأثيرًا وتأثرًا، وقد طُبّقت المنهجية من خلال مراجعة الأدبيات، وإعداد تقارير وأوراق بحثية وأوراق سياسات قطاعية، واستطلاع آراء، ولقاءات وورش عمل، إضافة إلى استخدام تحليل النماذج الإحصائية، ومناهج الدراسات المستقبلية الرئيسية، مثل: مصفوفة التأثير المتبادل، ودولاب المستقبل، وتقنية بناء السيناريوهات، وتقنية دلفي، وتقنية (5Ts) لتحليل المؤثرات وتأثيرها.

وقال التميمي: يشكل وضع السيناريوهات جزءًا أساسيًا من معظم العمل المستقبلي. فالسيناريو هو مجموعة من المؤشرات والأحداث التي نتصورها في المستقبل، مع وصف كما قد يكون المستقبل عليه حينها. ومن المهم أن يتسم كل سيناريو بالاتساق والواقعية، إضافة إلى سهولة قراءته من قبل المؤثرين والمتأثرين، موضحًا أن عملية بناء السيناريوهات ترتبط ارتباطًا عضويًا بالاتجاهات العامة للمؤشرات، وخاصة الاتجاه الأعظم الذي يتكون ويدعم من اتجاهات فرعية تساهم في مسار الاتجاه الأعظم بنسب ومدة زمنية مختلفة.

وتطرق إلى مجموعة من المؤشرات المؤثرة، مثل المؤشر السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والتكنولوجي، والبيئي، والعربي، والإسرائيلي، والدولي، موضحًا أن عامل الزمن هو العامل الأكثر أهمية في تحديد الاتجاهات الكبرى والفرعية لأي مؤشر.

وأوضح أن الدراسة استخدمت مناهج الدراسة المستقبلية وأدوات البحث الخاصة بها لمعرفة السيناريوهات المحتملة والممكنة، وقد توصلت الوثيقة إلى ثلاثة سيناريوهات: سيناريو استمرار الانقسام ومجتمع هش، وسيناريو الفوضى والانهيار، وسيناريو الصمود والوحدة.

وأوضح أن سيناريو استمرار الانقسام سيستمر، ويطول عمره في أحسن الأحوال، أي في حال عدم التدهور السريع في المؤشرات، لأن تسارع التدهور سيقصر فترة هذا السيناريو لصالح السيناريو الثاني وهو الفوضى، الأمر الذي قد ينشئ سيناريوهات فرعية. أما سيناريو الانهيار والفوضى، فقد قد يكون أحد مسارات السيناريو الأول في حالة حدوث متغيرات تجعل من الصعب الحفاظ على الوضع الراهن، وقد يتطور بفعل العوامل والمسرعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإقليمية والدولية، موضحًا أن احتمالية هذا السيناريو ستكون نتيجة طبيعية لمسار السيناريو الأول، إلا إذا حدث أمر قليل الاحتمال عالي التأثير، مثل قرار لدول كبرى بالتدخل المباشر في حل الصراع، أو قيام انتفاضة فلسطينية عارمة، أو تغير سياسي إيجابي في بلد عربي.

وأشار إلى أن هناك عوامل عدة يمكن الارتكاز عليها في حالة سيناريو الصمود، وتحسن الأوضاع الفلسطينية، وهو ممكن في حالة حدوث أي من السيناريوهات الفرعية التي تشمل تغيرًا محليًا، أو إقليميًا، أو دوليًا، مشيرًا إلى أنه على الرغم من هشاشة الوضع الفلسطيني وسوء الحال، إلا أن الأوضاع الإقليمية والدولية والإسرائيلية في حال ديناميكية سريعة التغير، حيث هناك عوامل قوة فلسطينية على الصعيد المحلي يمكن الارتكاز عليها في تحسين مؤشرات الوضع الفلسطيني، سواء على الصعيد الفلسطيني، أو على المستويات الإسرائيلي والإقليمي والدولي.

وخلص إلى أن مربط الفرس للصمود الفلسطيني كما يتبين من كل المؤشرات مرهون بالأداء الفلسطيني الداخلي أولًا، وفهم شبكة العلاقات الدولية والإقليمية على أنها أعقد بكثير مما نتصور، ومما تتخيله عقلية العربي العاطفية الخادعة ثانيًا.

وتطرق إلى الحال في العام 2025، موضحًا أنه على من الرغم من المؤشرات الضعيفة لإمكانية ترميم الوضع البائس، إلا أن الحال الفلسطيني سيبقى هشًا وسيكون الصمود مرهونًا إلى حد كبير بالعمل على عكس اتجاه المؤشرات السلبية، من خلال التحليل الكمي والكيفي للمؤشرات السلبية سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وبيئيًا.

وأضاف: لا يمكن عكس اتجاه كل هذه العوامل في وقت قريب، لا سيما أن تسارع الفعل الفلسطيني دائمًا منخفض في حل الإشكاليات، وبالتالي فإن المجتمع الهش سيستمر على الأغلب في السنوات الخمس القادمة، خصوصًا أن نسبة المناعة لدى المجتمع الفلسطيني كما أشارت المعطيات الرقمية تتجه نحو السلبي في عزوف الشباب عن العمل السياسي والفقر والبطالة، في حين إن عوامل الضغط لصالح إضعاف الصمود ترجع احتمالية بقاء المجتمع الفلسطيني هشًا.

وطرح العديد من المشاركين أسئلة ومداخلات حول الوثيقة، فهناك من أشاد بها وبالمنهجية القائمة على استخدام المؤشرات واستشراف المستقبل وبناء السيناريوهات، وهناك من أشار إلى أنها بحاجة إلى تطوير، وخاصة لجهة تأصيل بعض المفاهيم، وهناك من قال إن الدراسة ممتازة لكن نتيجتها محبطة وتشاؤمية، بسبب الضعف العام في الحالة الفلسطينية والمؤشرات السلبية إقليميًا ودوليًا.

وطالب المشاركون ببذل الجهود لمنع حدوث السيناريو السيئ أو الأسوأ، وتذليل العقبات لتقديم سيناريو الوحدة والصمود، من خلال العمل على تعزيز صمود المواطنين على أرضهم، ودعم المناطق المهمشة، وإعادة بناء منظمة التحرير، وتغيير شكل السلطة، وإعادة الثقة ما بين المواطن والسلطة والأحزاب، فيما قال البعض إن الحل يكمن في إجراء الانتخابات كمدخل لإنهاء الانقسام.