زواج فصائلي بالإكراه
تاريخ النشر : 2020-09-25 18:11

يبدو (حسب مصادر مقربة) أن الطرفين الفلسطينيين مكرهان على ضرورة القيام بخطوات سياسية محدودة، على الصعيد الداخلي ؛ لإيهام جهات دولية بوحدة النظام السياسي الفلسطيني في شطري الوطن . . يعني أنهما اضطرا على الزواج بالإكراه أمام العدسات، في حين يظل ما بينهما على ما هو عليه من التنافر خلف الأبواب المغلقة.

أما سبب القبول بهذا الزواج، فيرجع إلى:
١- أنهما راوا أن قافلة السلام والتطبيع بين العرب وإسرائيل والأمريكان ستسير بالفلسطينيين أو بغيرهم .
٢- أنهما رأوا أن رياح التغيير ستطال رؤوسا قد حان قطافها، وأن دولا عربية مستعدة جهارا نهارا للسير في هذا التجاه، بل لدعمه بعنف.
٣- أنهما راوا أن تخلي بعض الدول العربية عن سياساتها المالية الداعمة لطرفي المعادلة الفلسطينية؛ بناء على ضغوط أمريكية وإسرائيلية، على وشك الوقوع. وهو ما يعني أن بنوكا ومؤسسات فلسطينية على وشك الإفلاس. وأن السلطتين في غزة ورام الله، لن تعودا قادرتين على تحمل الأعباء المالية اللازمة لإدارة السلطة والمحافظة عليها.
ومهما يكن من أمر فإن المطلوب من الطرفين أن يتجاوزا الزواج الانتخابي، بحيث يتحركا على عدة جبهات ومن عدة منطلقات، منها:
١- ترميم الجبهة الداخلية وتوفير مظلة، أي مظلة ، للقاعدة الشعبية المنهكة والمتعطشة للتغيير، والتي وصلت إلى حد القرف من الوضع القائم، وإلى حد الاستعداد للعمل على التغيير بوسائل تفرض مواجهة غير مسبوقة بين القاعدة الشعبية وبين مغتصبي القمة!
٢- إدراك الحقيفة الفاقعة الظاهرة للعيان، والتي مؤداها أن النظم العربية المتجهة للتطبيع لا تتصرف بإرادتها الحرة، وأن كل نظام من تلك النظم له حساباته السياسية والاقتصادية التي اضطرته لعمل ما لم يكن مستعدا للقيام به. مع العلم أن جل هذه الدول كانت تقيم علاقات دبلوماسية سرية مع إسرائيل، منذ أمد طويل. وهو ما يعني أن وضعها اليوم لم يختلف كثيرا عما كان عليه بالأمس. ودعونا نتذكر أن كلا من أمريكا وإسرائيل كثيرا ما كانا يحيطان بعض هذه الدول بالإجراءات السياسية أو العسكرية المنوي اتخاذها ضد الفلسطينيين، قبل القبام بها، وان هذه الدول عينها تخلت عن دور الشريك في الصراع ، واكتفت بدور الوسيط الساعي لانتزاع فتيل الأزمة . . وقد كان مثل هذا السلوك مقبولا من قبل . .فما الذي تغير?!
٣- الإقرار بفشل أو عجز أو تأخر الدبلوماسية الفلسطينية في اتخاذ الإجراءات المناسبة الكفيلة بوحدة الموقف الإقليمي العربي، بمجرد ظهور إرهاصات التحول باتجاه التطبيع مع إسرائيل. ودعونا نقول بصراحة إن الدبلوماسية الفلسطينية قبلت بتطبيع قطر مع الجانب الإسرائيلي، وتعاطت مع هذا التطبيع باعتباره أمر مشروع ومقبول، في حين رأى الطرفان الفلسطينيان تحولا كبيرا في موقف الإمارات منذ أكثر من ست سنوات، ولم يقوما بعمل ما يجب القيام به للمحافظة على العلاقة مع دولة الإمارات على ما كانت عليه من الحميمية والدعم.
٤- اتخاذ إجراءات دبلوماسية إبداعية على الصعيد العربي لاحتواء الشرخ المتعاظم بين طرفي النظام الفلسطيني من جهة، وبين عدد من الدول العربية التي تملك الثروة، وعدد من الدول العربية الأخرى التي تملك العمق البشري والقدرة الوازنة إقليميا ودوليا، من جهة أخرى. ولا اعتقد أن القيادات الفلسطينية مؤهلة، اليوم، لهذا النوع من الإبداع الدبلوماسي، لا نفسيا ولا مهنيا!
ه- البحث عن حاضنة إقليمية: عربية أو إسلامية، أو حاضنة مشتركة من الطرفين، بشرط ألا يتسبب ذلك في الاصطفاف ضد الدول العربية التي اتخذت خطوات غير متوقعة في علاقاتها مع إسرائيل. وأعتقد أن مثل هذه الحاضنة موجودة ويمكن التوافق معها ريثما تمر العاصفة من عنق الزجاجة.
٦- التواصل مع الدول المحبة للسلام والداعمة للحق الفلسطيني على الصعيد الدولي، والظهور أمامهم بمظهر فلسطيني متماسك وجدير بمواصلة الدعم ؛ إلى أن يتمكن الفلسطينيون من نيل الحد الأدنى من حقوقهم السياسية والإنسانية.
٧- الوعي بالتحولات الإقليمية الجارفة والذاهبة باتجاه الشرق الأوسط الجديد، الذي تم التحضير له منذ عام ١٩٩٣م من جهة، وباتجاه إعادة صياغة التحالفات الإقليمية بما يضمن دمج إسرائيل، وتوجيه دفة الصراع باتجاه آخر ، سينتهي بتهميش القضية الفلسطينية وتجاوزها على نحو شديد الإيلام.
٨- الوعي بأن المتغيرات السياسية والدبلوماسية الراهنة، وأن الإمكانات الاقتصادية الفلسطينية الحقيقية تتطلب اتخاذ إجراءات اقتصادية ومالية فلسطينية مؤلمة، وعلى أساس (ما حك جلدك غير ظفرك) وأساس (على قد فراشك مد رجليك).
٩- ويأتي قبل كل هذا وبعده، ضرورة العمل الفلسطيني على أرض الواقع بما يشعر أمريكا وإسرائيل بخطر الانزلاق إلى حافة المجابهة على أساس إعادة أبجديات الصراع وأدواته، على نحو غالي الكلفة إسرائيليا وإقليميا.
١٠- ضرورة إشعار إسرائيل وأمريكا، على نحو عملي وواقعي، أن مفتاح السلام ومفتاح مواصلة الصراع في يد الفلسطينيين، وفي يد الفلسطينيين وحدهم، وأنهم مستعدون لدفع ثمن هذا القرار، ولكن ليس وحدهم ، نظرا لانه لم يعد لدى الفلسطينيين ما يخسرونه أكثر مما خسروا . . وعلى الجميع أن يتذكر المثل المسهور (ياقرد ربنا سخطك. قال: شو بده يرجعني غزال).
والسؤال الآن هو: هل القيادات الفلسطينية مستعدة للتصرف بهذا القدر والحس العالي من المسؤولية الوطنية والأخلاقية، أم أنهم سيواصلون ما أدمنوا عليه من الانقسام، وتعميق هوة الاختلاف، منذ أمد طويل?!
ملاحظة: يرجى المشاركة والتعميم لطفا لا أمرا، ودعما لمساعي تصحيح المسار الفلسطيني بطريقة مختلفة!
رابط صورة الكاتب