ميركل ترضي الصين
تاريخ النشر : 2020-10-23 10:16

حظيت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالثناء على موقف حكومتها الأخير بشأن الصين، بما في ذلك «الحظر الفعلي» لشركة «هواوي» والاستراتيجية الجديدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، والاستعداد الجديد لإثارة موضوع حقوق الإنسان مع الإدارة الصينية. ويعتبر التحوّل الواضح في ألمانيا نبأ ساراً في واشنطن، التي ضغطت على ميركل بشدة بسبب علاقاتها مع بكين. إلا أن اعتماد ألمانيا على الصين أعمق بكثير مما يمكن للجهود الأخيرة معالجته، وهناك أسباب تدعو للشك في مدى جدية برلين في تقليل اعتمادها على بكين.

وعلى سبيل المثال، لا ينص قانون أمن تكنولوجيا المعلومات الجديد في ألمانيا على استبعاد شركة «هواوي» من تشغيل الشبكات اللاسلكية في البلاد، ولكنه يحتم على الشركة الصينية الحصول على موافقة مسبقة ذات مسارين للحصول على حق مزاولة العمل في ألمانيا. ويتضمن المسار الأول الحصول على شهادة فنية من المكتب الفيدرالي لأمن المعلومات الألماني الذي بالأصل يدعم «هواوي»، في حين أن المسار الثاني يتطلب حصولها على شهادة ثقة يتم تقييمها من قبل وزارات ألمانية مختلفة، مثل وزارة الشؤون الاقتصادية والطاقة التي يرأسها مناصرون للصين.

ومن الناحية النظرية، يمنح التشريع ميركل القدرة على حظر «هواوي» من خلال الاستشهاد بالتهديدات التي تشكلها على الأمن القومي. ولكن إذا هددت بكين بالانتقام عبر إلغاء أي من المصالح التجارية الألمانية في الصين، من معاهدة الاستثمار التي أطلقتها ميركل بين الاتحاد الأوروبي والصين إلى مصنع شركة «BASF» في تشانجيانغ بقيمة 10 مليارات دولار وصفقة «فولكس فاجن» لبيع سيارات كهربائية للصين بقيمة 17.5 مليار دولار، فليس من الواضح ما إذا كانت برلين ستتحمل كل هذا العناء، في مقابل قضايا هواوي الأمنية.

في واقع الأمر وبعد وقت قصير من إعلان برلين عن مشروع قانون أمن تكنولوجيا المعلومات، ظهرت أنباء مفادها أنه في عام 2018، قام مسؤول رفيع المستوى بإخفاء معلومات استخباراتية حول عمليات التأثير الصينية على جميع مستويات الحكومة والمجتمع والأعمال الألمانية، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بالعلاقات الاقتصادية. ووفقاً لموقع «أكسيوس»، قامت المستشارة الألمانية شخصياً بمراجعة التقرير قبل زيارة بكين في العام التالي، وكانت النتيجة إبرام 13 صفقة تجارية بين المديرين التنفيذيين الألمان والصينيين.

وإذا كانت هناك أسباب للتشكيك في فعالية سياسة تكنولوجيا المعلومات الجديدة في برلين، فإن الأمر ذاته ينطبق على مبادراتها الأخرى بالنسبة للصين. وعلى الرغم من الدعاية حول «الاتجاه الجديد» لاستراتيجية ألمانيا في التعامل مع الصين، فإن المبادئ التوجيهية الأخيرة لوزارة الخارجية الألمانية بشأن منطقة المحيطين الهندي والهادي، تجنبت الملف الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة، وذلك لصالح ما تسمية «التشابك» من خلال التجارة والاستثمار والمساعدة الإنمائية. أما بالنسبة لحقوق الإنسان، فقد أوضحت ميركل أن الحلول لمشاكل مثل هونج كونج «لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الحوار».

ولكي نكون منصفين، يبدو أن سعي ألمانيا الحثيث لتحقيق مصالح اقتصادية وتجارية في الصين، هو استراتيجية جادة لتحقيق الاستقرار. وتسعى برلين جاهدة لتفادي الخسائر الضخمة في التصنيع والاضطرابات الاقتصادية التي هزت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وجنوب أوروبا في السنوات الأخيرة. ويعتقد المسؤولون الألمان أنه يجب تجنب هذا النوع من الشعبوية القومية التي أدت إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأي ثمن، وقد يكون جيران ألمانيا هم أول من يوافق على ذلك. وبصفتها محرك نمو الصادرات الألمانية، وأكبر شريك تجاري لها، فإن الصين ليست مجرد سوق كبيرة ومربحة، حيث يرى الألمان في الصين آلية للحفاظ على الحقبة الطويلة الوحيدة من الوئام المحلي التي عرفتها البلاد.

* المستشار السابق في سفارة الولايات المتحدة في برلين (فورين بوليسي)

عن الخليج الإماراتية