تطبيع عربي طبيعي
تاريخ النشر : 2020-10-24 10:13

ليس غريباً أن يدفع السودان الثمن السياسي والمعنوي والمادي من أجل إخراجه من دائرة الإرهاب وجعله نظاماً مقبولاً في المجتمع الدولي بإرادة امريكية ، وهذا الثمن الذي يدفعه السودان اليوم حسب اعتقاده يتم في ميزان السيادة الوطنية والمصالح الاستراتيجية العليا للسودان ، وإن كان هذا الثمن على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته التي أصبحت تعاني انفكاكاً من الارتباط القومي للعرب بها ، فلا يهم السودان القضية الفلسطينية فهي أصبحت عبئاً عليه وعلى الدول العربية ، كما أن القضية الفلسطينية لم تعد محل اهتمام عربي فعلي ، وما البيانات التي تصدرها الدول العربية بدعمها للحقوق الفلسطينية إلا حبراً على ورق لا قيمة له في العلاقات السياسية التي أخذت بالظهور ما بين الدول العربية والكيان الصهيوني، لذلك لم يكن السودان أول المطبعين ولن يكون آخر المطبعين ، فالسودان طبع مع الكيان الصهيوني وفقاً لمصالحه الخاصة كما يدعي وكما ادعت من قبله دولة الإمارات ومملكة البحرين وكما ستتدعي بقية الدول العربية التي تنتظر دورها في قطار التطبيع .

وإذا كان مجلس الجامعة العربية قد امتنع عن الانعقاد لمناقشة تطبيع دولة الإمارات العربية مع الكيان الصهيوني فإنه اليوم لن يلتفت إلى تطبيع السودان إدراكاً منه أن تطبيع الدول العربية مع الكيان الصهيوني هو أمر طبيعي لا يستحق التعليق عليه في إطار تأمين المصالح الامريكية الصهيونية في المنطقة العربية، ولأنّ هذا ما نصت عليه المبادرة العربية التي وافقت عليها قمة بيروت عام ٢٠٠٢ ، دون النظر إلى ترتيب بند التطبيع في المبادرة بقدر ما تنص المبادرة على التطبيع أياً كان رقمه في المبادرة العربية .

إنّ إعلان السودان اليوم عن تطبيعه مع الكيان الصهيوني وإعلان الرئيس الأمريكي ترامب ومعه نتن ياهو مبشرين بوجود خمسة دول عربية تنتظر دورها في التطبيع مع الكيان الصهيوني فإن هذا يجعلنا لا نفاجأ بأن يصبح الكيان الصهيوني عضواً طبيعياً في جامعة الدول العربية بعد أن يتحول اسمها إلى جامعة الشرق الأوسط .

ولا يجد الفلسطينيون أمامهم سوى موقف الرفض والإدانة لتطبيع الدول العربية مع الكيان الصهيوني والذي سيؤدي إلى إلغاء عضوية فلسطين في جامعة الدول العربية وإحلال الكيان الصهيوني محلها بعد أن راح بعض مثقفي الخليج ينادون بتحرير المسجد الأقصى من الزعران الفلسطينيين بعد أن اعترض الفلسطينيون جميعهم على زيارة وفد أماراتي المسجد الأقصى دون المرور عبر البوابة الفلسطينية .

وهذا التطبيع يعني أنّ الفلسطينيين أصبحوا يشكلون عبئاً على الدول العربية ويجب التخلص منهم او من قضيتهم على الأقل وذلك بتوطين اللاجئين منهم حسب صفقة القرن حيث هم مقيمون في الدول العربية وفق ما تسمح به حالة الدول العربية أو ان يختاروا الهجرة إلى استراليا وكندا والبعض القليل منهم إلى الدول الإسلامية ، واعتبار الفلسطينيين المقيمين في فلسطين مجرد سكان في الكيان الصهيوني ، فهل يملك الفلسطينيون رفض ذلك وعدم القبول به ؟

في المواجهة الفلسطينية لنتائج التطبيع لا بدّ من موقف فلسطيني موحد يرتكز على قاعدة الوحدة الوطنية الفلسطينية عبر إطار واحد هو منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لكل شعبنا العربي الفلسطيني والمعبر عن هدفنا المرحلي في إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الوطنية الكاملة وعاصمتها القدس، وهذا يتطلب من كافة القوى الفلسطينية التي التقت في اجتماع الأمناء العامين الشهر الماضي أن تضع نتائج أعمالها موضع التنفيذ دون تلكؤ وتباطؤ ، فالوضع خطير جداً ، والانقضاض الامريكي الصهيوني على القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني أصبحت أدواته الدول العربية ، لأن التطبيع في المفهوم الامريكي الصهيوني هو قبول العرب بالرواية الصهيونية مقابل نقض الرواية الفلسطينية، فهل يرتقي الكل الفلسطيني إلى درجة المسؤولية في المواجهة الحتمية لتصفية القضية الفلسطينية.