استحضار الهزائم
تاريخ النشر : 2020-11-21 19:11

أبدا لم يكن واردا في حسابات احد أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه في العلاقة بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال فلقد كانت كل الحوارات تدور عن عودة المفاوضات والى احتمال عقد اجتماع قمة مثلا بين الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي أو حتى بوساطة مصرية أو أردنية أو برسالة تطمينات من بايدن أو طاقمه لنجد مبررا لما فعلنا نحفظ به ماء وجوهنا فلم يكن لأموال المقاصة أية علاقة بما جرى ولا بحكاية التنسيق الأمني ومرت شهور عديدة وشعبنا يعاني وأموالنا في خزائنهم كما سبق وأشرت في مقالات سابقة كقرض حسن وقد كان منسق الاحتلال واضحا في رسالته وكأنه ينفي عن نفسه تهمة تأخير أموالنا فقل بالنص " ولسوء الحظ , فان السلطة الفلسطينية هي من رفضت استلام هذه الأموال المجموعة من إسرائيل "
ما جرى في حكاية استعادة أموال المقاصة أسوأ نكبة في تاريخ القضية الفلسطينية فهي جعلت العلاقة أولا بيننا وبين منسق الاحتلال بمعنى حددت سقف التعامل معه ومن جانب آخر تنازلنا قبل أن يجف الدمع واعدنا السفراء إلى الإمارات والبحرين وتنازلنا عن كل ما قمنا به وقلناه منذ بدء الأزمة وحتى اليوم دون حتى أن يفاوضنا احد واعتبرنا كل ما جرى كأنه لم يجر وان ما طالبنا به لم يعد مطلبا على الإطلاق.
لم يصل بايدن بعد ولم يقدم هدايا مالية أو سياسية للسلطة الفلسطينية ولم يعيد فتح مكتب منظمة التحرير ولم نقبض أي ثمن لإعادة علاقتنا بالاحتلال بكل أشكالها ولم نكن بحاجة لتأكيد التزامهم باتفاقيات المفروض أننا لم نعد معنيين بها وأنها لم تعد ذات صلة ومع ذلك فان الاتفاقيات الحقيقية لم يأت على ذكرها منسق الاحتلال إلا بذكر الاتفاقيات المالية وحددها بالاتفاقيات الثنائية أي التفصيلية التنفيذية وهي قطعا لا تصل إلى مستوى الاتفاقيات السياسية فقد ورد بالنص " تعلن إسرائيل عن استمرار الاتفاقيات الإسرائيلية الفلسطينية ثنائية القطب لتشكيل الإطار القانوني المطبق الذي يغطي تصرفات كلا الطرفين في القضايا المالية والقضايا الأخرى ".
ما قطفناه من استلام ما رفضنا استلامه من طرف واحد من أموال المقاصة أننا دفعنا ثمنها بأسوأ ما يكون ومع أن أحدا لم يمنعنا أصلا من الحصول عليها فلماذا فعلنا ولماذا كان علينا أن ندفع الثمن بقبول ما فعلته الدول العربية وإعادة كل أشكال التنسيق دون أن يغيب سبب واحد من الأسباب التي أدت إلى إيقاف تلك العلاقات وبتنفيذ كل ما أرادوه بلا أدنى ثمن منهم.
اليوم حددنا سقفنا بمنسق الاحتلال فلا بايدن ولا نتنياهو ولا جهة أخرى واليوم لم يعد بإمكاننا الحديث عن معاقبة إسرائيل واليوم لن نستطيع أن نعاتب أيا من العرب إن طبع مع الاحتلال وزاد تطبيعا واليوم لم يعد في جعبتنا ما يقال عن حكاية إبريق المصالحة الذي لن يجد زيتا لإشعاله بعد اليوم ولن يلتفت احد لاحتفالية الأمناء العامين ولا لأمنياتهم بين بيروت ورام الله, وعلى ما يبدو فان الحال الذي وصلنا إليه يقول بكل الوضوح أننا منقسمون وان الاحتلال بات قدرا لدى البعض منا والانا الوطنية صارت بلا مضمون وأي حكاية عن الإصلاح والترقيع لم تعد تعني شيئا فيا عجزنا ويا فشلنا ولا شيء أكثر فلا نكبة أسوأ ولا حال أسوأ.