استفزازات إسرائيلية وضبط نفس إيراني
تاريخ النشر : 2020-11-29 18:48

تفاخرت إسرائيل بقوتها العسكرية وقوة مخابراتها أمام الدول العربية، وقد فرضت إسرائيل على بعض الأنظمة العربية التطبيع معها من منطلق القدرات الإسرائيلية الخارقة، لا من منطلق العلاقة المتوازنة بين الدول، إن التطبيع العربي الإسرائيلي أشبه بعلاقة الذئب والغنم، فكان تطبيع بعض الأنظمة العربية مع إسرائيل من منطلق الخوف والطمع، الخوف من القوة والنفوذ الإسرائيلي لدى الإدارة الأمريكية، والطمع برضا إسرائيل، وبقاء الأنظمة حاكمة.

وبهدف تعزيز القناعة لدى الأنظمة العربية بقدرات المخابرات الإسرائيلية الخارقة، تعمد إسرائيل بين فترة واخرى إلى إيصال رسائل قدرة إلى الأنظمة العربية، على شاكلة اغتيال العالم الإيراني محسن زادة، هذه الرسالة تؤكد على قوة التحالف مع الأنظمة العربية التي تشارك إسرائيل الهدف في محاربة المفاعل النووي الإيراني، وتؤكد على مصداقية إسرائيل في القدرة على الفعل الميداني دون قراءة العواقب، بالإضافة إلى مساعي إسرائيل الحثيثة لاستثمار الوقت الراهن لتحقيق أهداف استراتيجية تتعلق بمستقبل المنطقة ككل، وقد يكون توجيه ضربة عسكرية لإيران على رأس الأولويات التي تسعى إليها إسرائيل في هذه المرحلة.

إن اغتيال العالم النووي الإيراني محسن زادة لم يكن العمل الاستفزازي الإسرائيلي الأول ضد إيران، فقد قصفت إسرائيل القوات الإيرانية في أبو كمال شمال سوريا قبل أيام، وقتلت عدداً من الضباط الإيرانيين، وقبل ذلك بأيام قصفت إسرائيل القوات الإيرانية في منطقة القنيطرة جنوب سوريا، وقتلت عدداً من الضباط الإيرانيين وفق بعض وسائل الإعلام.

هذا التصعيد الإسرائيلي المتعمد ضد إيران، واستفزازها العلني والمتلاحق يتزامن مع حشد حاملات الطائرات الأمريكية، ويتزامن مع انتشار قوات بريطانية وفرنسية على أرض الجزيرة العربية بهدف حماية حقول النفط، وكأن الحرب على الأبواب، ولاسيما بعد اللقاء الذي عقد في مدينة نيوم على البحر الأحمر، والذي ضم السعودية وإسرائيل وأمريكا.

إن أي حرب ضد إيران تشارك فيها القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية هي في مصلحة إسرائيل الاستراتيجية، التي تسعى إلى حشد  قوات الآخرين لمحاربة إيران نيابة عنها، فبقاء القوة الإيرانية دون تدمير لا يخدم الأطماع الإسرائيلية، ولا يضمن الأمن لإسرائيل التي تشكو تنامي قوة المقاومة في الجنوب اللبناني وفي قطاع غزة، بل وتقلق إسرائيل من تنامي قوة الحوثيين في اليمن، ولم يعد خافياً حجم الضرر الذي أصاب إسرائيل، والذي سيصيبها إذا استمر الدعم الإيراني لرجال المقاومة في غزة، وهذا ما تحدث عنه وزير الحرب السابق ليبرمان، عندما سرب معلومات أمنية عن امتلاك مقاومة غزة لصواريخ موجهة، ولقنابل عنقودية، وما كان لمقاومة غزة امتلاك تلك القذائف دون الدعم الإيراني.

وإذا كانت مصلحة إسرائيل تقضي التصعيد في الأيام الأخيرة لترامب، فإن حسابات إيران التي راهنت على فوز بايدن تقضي التهدئة، فإيران ليست متعجلة في الرد على مقتل العالم النووي محسن زادة، وهذا كان واضحاً في تصريح رئيس الحكومة حسن روحاني، وقد يكون لإيران رد محدود ومحسوب، وقد تحتفظ بحقها في الرد في مرحلة لاحقة، وتتعمد تفويت الفرصة على تحالف نتانياهو ترامب ، وقد يكون الرد الإيراني بالعودة إلى الاتفاق النووي الذي ألغاه ترامب، وهذا  ما لن ترضى عنه إسرائيل وحلفاؤها من الأنظمة العربية، لذلك فإن ضبط النفس الإيراني المتواصل لن ينسجم مع المخطط الإسرائيلي، والذي يقوم على مواصلة الاستفزاز لإيران، بل ستحرص إسرائيل في الأيام والأسابيع القادمة على شن أكثر من هجوم على القوات الإيرانية في سوريا،، أو على قوات حزب الله في الجنوب اللبناني، أو على رجال المقاومة في قطاع غزة، وستواصل إسرائيل عدوانها ضد إيران في أكثر من مكان، وقد رفعت جاهزية جيشها تحسباً لكل طارئ.