منظمة التحرير الفلسطينية والتحديات الصعبة
تاريخ النشر : 2020-12-17 09:32

في ظل اشتداد الهجمة المعادية على شعبنا الفلسطيني وحقوقه المشروعة ومحاولة تصفية قضيته الوطنية يشكل استهداف منظمة التحرير الفلسطينية كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

أحد ابرز معالم هذه الهجمة التي بلغت ذروتها في ظل حكم الرئيس الامريكي الآفل دونالد ترامب،  ومع مغادرته البيت الابيض مطلع العام المقبل، لا يعتقدن أحد أن مثل هذا الاستهداف يمكن أن يتغير بل سيأخذ أشكالا جديدة  تتمحور  كلها في محاولة الانقضاض على حقوق شعبنا أو على الاقل تدجينه للقبول بسياسة الامر الواقع التي يجري ترسيخها يوم بعد يوم وعلى مختلف المستويات.

وكما أشرت فإن الذين يعملون على استهداف شعبنا وحقوقه يحاولون تمرير مسعاهم الخطير عبر محاولة شطب منظمة التحرير الفلسطينية كسقف أعلى لطموحاتهم أو اضعافها وانهاكها والانتقاص من مكانتها للانقضاض على دورها بالحد الادنى، واللافت في هذا المجال ان هذا الاستهداف يأتي والمنظمة ومؤسساتها كافة تعيش منذ عقدين من الزمن في حالة غير مسبوقة من الضعف والوهن الذي بات يصل بكل اسف لشفى الاندثار.

وفي خضم هذا الوضع  الذي لا يسر صديق باتت حتى غالبية الأجيال الفلسطينية الشابة لا تعرف عن المنظمة ،مكانتها وتاريخها ودورها إلا لماماً، رغم ما قامت به من دور هام وتاريخي  في قيادة النضال الوطني الفلسطيني منذ منتصف الستينات حيث اعادت لشعبنا ودوده على الخارطة السياسية وقد شكلت بذلك التكوين السياسي لحركة التحرر الوطني الفلسطينية، وإطارها  العام وقيادة مسيرتها الوطنية، وهي من احيا القضية الوطنية  الفلسطينية واعادها الى واجهة الاحداث وعبأت شعبنا ونظمته حولها وهي من صان القضية وحماها وحملها الى العالم اجمع وحول الشعب من جموع من اللاجئين الى ثوار ينشدون العودة وحق تقرير المصير، ونحت قيادتها وبما قدمه شعبنا من تضحيات حظيت القضية الفلسطينية بتأييد العالم اجمع، انها باختصار شديد شكلت في الزمن الصعب الوطن المعنوي للشعب الفلسطيني وعلى أرضيته مارس حياته السياسية الاجتماعية والثقافية  بتفاصيلها كافة، وما من شك فإن ذلك تزامن أيضا مع حالة نهوض وطني وقومي بل وتقدمي على مستوى العالم ساعد في احتضان المنظمة وكفاح الشعب الفلسطيني ويعرف كل ذي بصر وبصيرة ان تلك الظروف لم تعد قائمة بل أن العكس تماما هو من يتسيد الموقف، الامر الذي يقتضي صون المنظمة والحفاظ عليها.

اليوم وفي ظل ما نعيشه من مخاطر تقف المنظمة كما أسلفت صاحبة الانجازات العظيمة والمكانة الكبيرة والتضحيات الجسام، صاحبة الرصيد والارث الكفاحي المجيد على مفترق طرق حساس وخطر فتواجه عدو خارجي يتربص بها شراً يريد تجاوزها والقفز فوقها لما مثلته من دور ومكانة وبهذا يريد القفز على الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني وشطب ما حققته من التفاف شعبي حولها ومن نجاحات لا يستهان بها في مختلف المحافل الاقليمية والدولية ، وأما على المستوى الداخلي.

وهو الاهم فلم  يعد غياب دور المنظمة ومكانتها والشعور بأهميتها يقف عند حدود الأجيال الشابة التي لم تعاصر ظروف نشأتها ومعالم الطريق الشاق الذي سلكته على مختلف الصعد لتحقيق ما نعتز به من انجازات، بل ومع الاسف فقد طال هذا التغييب للمنظمة ودورها حتى العديد من أبنائها الذين كانت لهم الرافعة التي حملتهم الى كافة مواقع القيادة لكنهم اليوم يتعاملون معها بكل استخفاف وضيق يصل لدرجة الاسهام في اضعاف دورها وتبديد مكانتها وطغت عملية  الانخراط في دوامة السلطة ومظاهرها المتعددة هو الشغل الشاغل وعلى هذا الاساس وفي معمعان هذا الانغماس في السلطة وما حملته من مظاهر المكان والمكانة منذ ما يقارب الربع قرن بدا وكأن دور المنظمة قد انتهى، وكأن  اهداف شعبنا وحقوقه الوطنية التي رفعتها منظمة التحرير وقدم شعبنا الفلسطيني في سبيلها التضحيات الجسام قد تحققت بقيام هذه السلطة على ما تيسر من ارض الوطن.

بهذا المنطق النظري والسلوك العملي الذي ترسخ تدريجياً لما يزيد من عقدين من الزمن بدا وكأن السلطة حلت مكان المنظمة رغم انها أنشأت بقرار منها وليست بديلا عنها، وأنها احد مؤسساتها التي انشأت بقرار من المجلس المركزي في ايلول عام ١٩٩٣ لرعاية وإدارة شؤون  الاراضي الفلسطينية بموجب اتفاق اعلان المبادئ (أوسلو) الموقع بين منظمة التحرير وإسرائيل، ان نص قرار تشكيل السلطة الوطنية الصادر عن المجلس المركزي يؤكد أن المنظمة هي المرجعية وهي المسؤولة عن السلطة وعن أداءها بكل تفاصيله، و على عاتق المنظمة تقع المسؤولية السياسية عن القضية الفلسطينية برمتها، كما تقع عليها مسؤولية رعاية شؤون شعبنا الفلسطيني في الشتات الذي يشكل ٦٠٪؜ من مجموع الشعب الفلسطيني، وأن منظمة التحرير وليس السلطة ووزاراتها هي من يمثل الشعب الفلسطيني في كافة المحافل العربية والدولية، ومن يتحدث باسمه وهي من يوقع أية اتفاقات تتعلق بمستقبل الشعب الفلسطيني ومصيره ،إن هذا الحال قلل دون شك من مكانة المنظمة وأضعف دورها ليس فقط على صعيد  علاقاتها مع جموع اللاجئين في الشتات  بل على الصعيدين العربي والدولي كما ولدى المنظمات والهيئات السياسية والبرلمانية والشعبية الإقليمية والدولية التي تعاملت مع مؤسسات السلطة الوطنية كمؤسسات بديلة للمنظمة.

هذه الأيام وفي ظروفنا الراهنة فإن المحذور قد حصل والمؤسف قد وقع حيث نشهد تراجعاً غير مسبوق لمكانة المنظمة وغياب لدورها بل واهتزاز لمكانتها وتغييب متعمد لمؤسساتها وعلى رأسها اللجنة التنفيذية الخلية القيادية الاولى والعليا للشعب الفلسطيني وقد تعمق هذا الغياب بكل اسف اعقاب المجلس الوطني الذي عقد  في نيسان عام ٢٠١٨، وما تلاه من اضعاف تام لدور اللجنة التنفيذية والغاء العديد من  دوائر المنظمة واستبدالها بأسماء باتت اقرب لمؤسسات الدراسات والابحاث ،وربط الصندوق القومي بوزارة المالية وتعطيل دور المنظمات الشعبية الى ان شاخت وتآكل دورها، ناهيك عن ما شهدته المؤسسات السياسية والتشريعية والتنفيذية للمنظمة من تعويم واغراق بحيث وصلت عضوية المجلس الوطني الفلسطيني لأكثر من ٩٥٠ عضواً بعد أن أضيف العديد بشكل مخالف للقانون وقد سجلت تحفظي في حينه على ذلك باعتباره خرقا فاضحا للنظام والقانون، وعلى ذات الطريق من الفهلوة والاستفراد  والتواطؤ أيضا جاءت تشكيلة المجلس المركزي واستكمال عضويته ولجانه بطريقة افقدته اي دور وفعالية يمكن القيام بها وتلاحظون معي انه لم يعقد اي اجتماع له منذ عامين رغم ان النظام ينص على عقده كل ثلاث شهور. 

في ظل هذه الحالة من الضعف والوهن المستشري من الطبيعي ان يكون حال اللجنة التنفيذية للمنظمة وهي أعلى هيئة قيادية سياسية للشعب الفلسطيني على ما هي عليه الان بحيث باتت تعقد اجتماعات تشاورية في بدعة لم تعرفها من قبل ، حتى وأن هذه البدعة غابت مع وفاة امين سرها المرحوم صائب عريقات ومع وفاته توقفت اللجنة التنفيذية عن اداء اي دور بما في ذلك مجرد اصدار البيان الذي كان المرحوم عريقات يحرص على القيام بها، واعتقد ان ما تعيشه اللجنة التنفيذية من واقع مرير يتمثل ليس فقط فيما تعيشه من تهميش ووهن بل ايضا بما يحدث من استخفاف بقراراتها والتراجع عن القرارات التي كانت قد اتخذتها دون استشارتها بحيث يعلم أعضاءها عن ذلك عبر وسائل الاعلام كما حدث من تراجع عن القرارات التي اتخذتها في ١٩-٥ فيما يتعلق بالاتفاقات مع دولة الاحتلال. 

تلك القرارات التي جاءت لتمثل امتدادا لقرارات المجلسين الوطني والمركزي وما حملته من مؤشرات هامة بسلوك مسار جديد يتجاوز الاتفاقات الموقعة مع الاحتلال وقد جاء النكوص عن تلك القرارات (قرارات 19-5) بمثابة اعلان واضح عن العودة للتمسك بمسار الاتفاقات وعودة العلاقات مع دولة الاحتلال، هذا المسار الذي لن يوصلنا الى الاستقلال وقد سبق وان تم الاعلان عن التحلل منه، ان هذا الواقع من التذمر وعدم القبول دفع بالدكتورة حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية لتقديم استقالتها علها تقرع جدران الخزان بعد طول صمت. 

وبعد: أن ما تعيشه منظمة التحرير بمؤسساتها ودوائرها وسفاراتها كافة من ضعف ووهن وغياب لكل منطق تشاركي، يتناقض وبكل وضوح مع الدور والمكانة التي انشأت لأجلها منظمة التحرير الفلسطينية، ولأجل المحافظة على ما حققته من انجازات ولصون الارث الكفاحي الذي رسخته بدماء وتضحيات شعبنا الفلسطيني لابد من القيام بخطوات جادة ومسؤولة للإصلاح بروح الشراكة الوطنية لا الاستخفاف، بمنطق التعاون والتعاضد لا الاستخدام، بمنطق الاخوة لا بمنطق الوصاية، بهذا المنطق  الاخوي والرفاقي الصادق فقط يتجسد الحرص على حقوق شعبنا الوطنية وعلى منظمة التحرير الفلسطينية واستعادة دورها وتعزيز مكانتها واصلاح مؤسساتها بما يضفي مصداقية اكبر على وحدانية تمثيلها لشعبنا الفلسطيني ويغلق كل الابواب امام كل من تسول له نفسه تجاوزها او الالتفاف عليها أو اضعاف صفتها التمثيلية تحت مسميات مختلفة تجد في ثغرة الانقسام البغيض وما خلفه من تداعيات منفذا ومناخا لها ، بغير ذلك ستبقى فإن ابوابها ستبقى مفتوحة وجدرانها هشة تتقاذفها رياح المؤامرات والدسائس التي تستهدف قضيتنا الوطنية وتريد من المنظمة ان تقوم فقط بدور ذكر النحل الذي ينتهي دوره عند قضاء الحاجة التي يخططون لها.

وبعد كل هذا انني أدرك انه ونظرا للواقع المعقد الذي نعيشه وفي ظل وتراكم الأخطاء والخطايا واستمرار التنكر لكل دعوات الإصلاح لسنوات طوال أن مسألة إصلاح المنظمة وإعادة الاعتبار لها واستعادتها لمكانتها بفعالية لن تكون عملية مسألة سهلة ، لكنها مهمة واجبة بكل الأحوال ، فهي تحتاج أولا الى توفر النوايا الصادقة وبذل جهود جادة وجبارة من قبل كل المعنيين فعلاً بإعادة الاعتبار للمنظمة وفي مقدمتهم  الأخ الرئيس ابو مازن الذي بيده كل المفاتيح لذلك ، ومعه كل أبناءها الذين حملوا مشعلها ودافعوا عن القرار الوطني المستقل في أحلك الظروف واخطرها،  

إن توفر مثل هذه الارضية المتمثلة بصدق النوايا وجدية في الخطوات ليس امرا مستحيلا لكنه شرطا أساسيا للنجاح  في ذلك  سيساعد دون شك في التغلب على كل ما ستواجه هذه العملية من صعوبات ومتاعب  ستكون حاضرة بكل تأكيد، خاصة وان غياب هذه الارضية في السابق هو الذي حال دون نجاح العديد من اللجان التي شكلت لوضع تصورات خاصة بتفعيل المنظمة وتعزيز مكانتها التي سكنت سويداء قلوب شعبنا  وحفظها في المقل في اصعب الظروف، إنها  المكانة التي تفرض علينا جميعا التكاتف والتعاضد لاستعادتها والحفاظ عليها وتعزيزها في مواجهة الانواء التي تتعرض لها قضيتنا الوطنية على اكثر من مستوى وصعيد ، أختم مقالي هذا مجدداً الدعوة الصادقة لكل الحريصين على المنظمة ودورها ومكانتها  لبحث السبل الكفيلة التي تضمن الوصول لما نبتغيه بروح من الشراكة الوطنية والحرص الصدوق كبوصلة لا يمكن الحياد عنها رغم الصعاب