سلوك الدول ما بين الواقعية الهجومية والواقعية الدفاعية
تاريخ النشر : 2021-01-15 07:29

ألأساس في نظرية الواقعية فكرة القوة وهى المحرك الرئيس الذى يقف وراء سلوك الدول وقراراتها. والقوة ترتبط بأمن وبقاء الدولة ، وهما الدافعان الثابتان للدولة القومية منذ ظهورها عام 1648، وأمن وبقاء الدولة يصطدم بأمن وبقاء الدول الأخرى وهذا ما يفسر لنا حالة الحرب الدائمة في العلاقات الدولية ،وحالة البحث عن تقاطع المصالح المشتركه والتي تقف وراء بروز التحالفات والمعاهدات الدولية . فالدولة لا يعنيها إلا مصالحها أولا.

ولذلك لا وجود دائم لقاعدة الصديق الدائم أو العدو الدائم ليحل محلها عدو اليوم صديق الغد وصديق اليوم عدو الغد.وقد أرتبطت نظرية القوة بنشؤ الدولة القومية والتي ورثت مفهوم الإمبراطوريات في العلاقات الدولية ,الفارق كبير بين المرحلتين الإمبراطوريات عددها قليل وقد تكون واحده او أثنتان في مرحلة تاريخية تحاول كل منهما فرض سلامها ،فهنا حلة الفوضى والصراع قد تكون أقل وأكثر سيطره وتحكما، اما مرحلة الدولة القومية فتتسم بالعدد الكبير، واليوم لدينا ما يقارب 194 دولة وهذا ما يفسر لنا إنتشار نظرية الفوضى والحروب بشكل أكبر، وكان أبرزها الحربان الكونية الأولى والثانية والتى راح ضحيتهما ملايين من البشر، وتأكيدا على صدقية فرضيات نظرية القوة أنه ورغم إنشاء الأمم المتحده لم يحل ذلك دون إستمرار الحروب والفوضى الدولية ونظريات المؤامره التى تدعم من نظرية القوة ،والتسابق الكبير على إمتلاك عناصرة القوة العسكرية والمتطوره منها ، وهذا التسابق لم يعد قاصرا على الدول الكبرى بل كافة الدول..وتنقسم نظرية الواقعية أو القوة اليوم إلى شكلين: الواقعية الهجومية والواقعية الدفاعية.والواقع ان الخلافات بين الهجومية والدفاعية صوريه أو سطحية قد تتعلق فقط بدرجة إمتلاك القوة.وكما يرى أنصار الواقعية الهجومية أمثال جون ميرشايمر هو السؤال عن مقدار وحدود القوة وهى حدود لا متناهية بالنسبة للدول ، فلا قيد يقف في طريق رغبة الدولة في إمتلاك القوة.لكن القوة يحدها ويقيدها قوة الدولة ألأخرى.

وهنا تدخل العلاقات الدولية في دائرة لا نهاية لها من القوة والصراع على القوة. فقوة الدولة تقوم على تقليص قوة من يقابلها أو التفوق عليها.ووفقا لنظرية الواقعية الهجومية تسعى الدول إلى تعظيم قوتها النسبية للحفاظ على مكانتها في سلم القوة العالمى. ولعل أفضل تلخيص للواقعية الهجومية ما أشار إليه لويس ديكنسون في كتابه الفوضى ألأوروبية الذى يتذكر فيه أن السبب الرئيس للحرب العالمية الأولى ليس ألمانيا أو غيرها من الدول، وإنما حالة الفوضى ألأوروبية.وتستند نظرية الواقعية الهجومية من وجهة نظر مير شايمر على عدد من الفروض أهمها:الأولى فرضية فوضوية النظام الدولى ، فلا توجد إرادة تعلو إرادة الدول وألأمم المتحده تحكمها إرادة الدول ألأعضاء.والثانية أن القوى العظمى بما لديها من قوة قادره على إلحاق الضرر بغيرها.والفرضية الثالثه صعوبة التكهن بأى هجوم يمكن أن تتعرض له الدولة ، فالتحالفات الدولية من وجهة نظر النظرية لا تساوى الحبر الذى كتبت به، فلا قدسية لها.والفرضية الرابعة أن أمن الدولة وبقائها هو المحرك لسلوكها السياسى، وهو ما يفسر ظاهرة الحرب والسلام.

وأخيرا الإعتماد المتبادل بين الدول ، فالدول لا تعيش في جزيرة منعزله، فالعلاقات بين الدولة حتمية .وهذا الفرضيات تقدم لنا ثلاثة أنماط من سلوك الدول الأول الخوف الدائم من سلوك الأخرين وأساسه عدم الثقة في سلوك أي دولة أخرى مهما كانت درجة الصداقة والتعاون بينها.والسلوك الثانى والذى نرى صوره اليوم بشكل واضح في محاولة تعظيم قوة الدولة بدون سقف محدد، ويبرز هذا في موازانات الدفاع الكبيرة كما رأينا أخيرا في تبنى موازنه أمريكية تصل إلى 740 مليار دولار. وهذه الموازانات تأتى على حساب الجوانب الإنسانية والمجتمعية مما تشكل عبئنا كبيرا وخصوصا لدى الدول الصغيرة الفقيرة.والسلوك الثالث الإعتماد على القوة الذاتية ، وهذا نلمسه في سياسات دول القوة مثل إسرائيل التي لا تثق إلا على أمنها الذاتى وقوتها الذاتية.

واليوم نظرية الواقعية الهجومية نراها في الكثير من ألأمثلة كالولايات المتحده وإسرائيل وإيران وتركيا، وما رغبة إيران في إمتلاك القوة النووية إلا ترجمة للواقعية الهجومية ، ونراها فيما تقوم به إسرائيل من ضربات إستباقية للتواجد إلإيرانى في سوريا والعراق وحتى في داخل إيران ذاتها.ويبقى أن هذه النظرية لا تقتصر على دولة دون أخرى ، بل زاد من تفاقمها بروز دور الفواعل من غير الدول وإمتلاكها للأسلحة المتطوره، وهذا يزيد من حالة الفوضى الدولية وتغير كل قواعد اللعبة الدولية وتراجع واضح للإعتبارات الأخلاقية لحساب إعتبارات القوة والمصلحة القومية.