كأن الشعب صار عشباً يابساً
تاريخ النشر : 2021-01-16 12:53

أعترف لأولادنا، وأهلنا، وأشقّائنا الأحبّاء في «الخليج»، بأنّ حبري ضاق ذرعاً وأنا أزيّنه ملفوفاً بنصوص ملفوفة بالخجل الواضح منكم، مع أنّ الريشة والعيون والأصابع اللبنانيّة، ومعظم اللبنانيين، يغرقون في مستنقعات متنوعة ومتعددة، طائفية وتحاصصيّة مترامية الأطراف في مساحة وطنٍ صغير حضَنه العرب، وساعدوه، لكنّ معظم حكّامه ومسؤوليه طلّقوا وطنهم وشعبهم كليّاً. اليوم يصرخ الحبر ممزقاً المناديل المخادعة ليعلن أرقاماً قياسيّة في الفقر، والبطالة، والنهب:

1- بلغ الفقر في لبنان حدوداً لا يمكن أن تطاق، ولا يقاسي عذاباته سوى الشعب اللبناني اليوم، والخطير جداً في الأمر أنه الفقر الذي قد أتوقّعه مخيّماً على حياة اللبنانيين حتّى عام 2035، وقد يصل ليطاول 375000 عائلة، إن لم نتدارك معاً الأمور شديدة التعقيد.

لقد أصبحت كلمة الفقر عنواناً لحاضرنا ومستقبلنا جميعاً، يتداولونها يوميّاً في الاجتماعات الرسميّة، ووسائل الإعلام، بالثياب المزركشة والياقات المنشّاة من دون اجتراح حلول، أو سماع رأي جديد، أو انتباه لما يحصل من مآس من حولنا.

لنوضح أنّ هناك فرقاً كبيراً بين الفقير العادي، والفقير المدقع، إذ لا يتجاوز مدخول ما يعرف بالفقير 4 دولارات يوميّاً، مقابل دولارين للفقير المدقع، أو الغارق في الفقر والحاجة، تبعاً لتقديرات البنك الدولي.

أين نحن من هذا، وقد وصل معدل الفقر المدقع إلى حدود ال90% من المقيمين في لبنان؟

لو سحبنا هذه التقديرات على اللبنانيين، لوجدنا أنّ الدولة فعلاً غائبة كليّاً. فهناك نحو 6 ملايين نسمة من المقيمين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر بمفهومه الدولي، إذ لا يحصّل الفرد الواحد منهم 3000 ليرة لبنانية يوميّاً، أي ما دون معدّل الفقر المدقع الذي أشرت إليه أي 16000 ليرة لبنانية يومياً للفرد الواحد إذا احتسبنا الدولار ب8 آلاف ليرة لبنانية، وهو بات أعلى من ذلك بكثير، خصوصاً أنّ الحكومة تبشّر اللبنانيين برفع الدعم اليسير عن المواد والسلع الغذائيّة والحياتية الأساسية.

2- تحقيق معدلات البطالة نسباً غير مسبوقة ولا مألوفة وصلت مؤخّراً إلى ما يتجاوز ال75%، الأمر الذي يضاعف يوميّاً من عمليات السرقات، والخطف، والابتزاز، والتشليح، والسطو اليومي في وضح النهار، وتكاثر العصابات، وإشغال السلطات القضائية التي لم تتمكّن من أن تتحرّر بعد من تشابك رموز السلطات السياسيّة وتدخلاتها وأعبائها الوطنيّة، مع أنّ اللبنانيين جميعاً يعتبرون القضاء خشبة الخلاص الأقرب والأرقى التي تستطيع المحاسبة وإطلاق الأحكام، وتجليس هذه الأوضاع التي فاقت التصوّر الإنساني.

3- قام العديد من السياسيين وأصحاب النفوذ والأعمال في مرحلة أولى، بتحويل ما يزيد على 40 مليار دولار من ثرواتهم بالليرة اللبنانية إلى العملات الأجنبية، وتنعّموا بالفوائد الخارقة السقوف، ثمّ قاموا بتحويلها إلى الخارج بين 2016 – 2019 وتمّ ذلك بتوصيات غريبة وغامضة عملت على تخفيض التصنيف المالي للدولة اللبنانية المنحدر على السلّم الدولي، والنتيجة: التسريع في هدم الاقتصاد اللبناني. ويتفاقم الأمر كارثيّاً، لأنّهم يتابعون تحويل الأموال من لبنان إلى الخارج عبر مختلف أساليب التحايل المصرفيّة، في الوقت الذي ترتبك المصارف فيه لزيادة رساميلها بنسبة ال20 في المئة فتلجأ إلى مزيدٍ من الإطباق على بقايا ودائع اللبنانيين المحجوزة لديها خلافاً للقوانين.

 ويمكن تقدير أموال المودعين المنهوبة ب90 مليار دولار أمريكي، يضاف إليها 14 مليار دولار سنوياً، نهباً لموارد الدولة غير المحصّنة، بما يوصلنا إلى 435 مليار دولار باتت خارج لبنان، مع أنّ صحيفة «الواشنطن بوست» الموثوقة تجاوزت هذا الرقم المقدّر، وخاطبت اللبنانيين علناً بما تناقلته وسائل الإعلام اللبنانيّة، بأنّ «أموالكم المهربة والمودعة في الخارج تزيد على 800 مليار دولار»، محفوظة في جنّات الجزر الضريبية العالمية التي تديرها القوى الدولية، ومعظمكم يئن من جوع... حتّى الذين استهلكوا حياتهم في خدمة دولتهم يسقطون أسرى نهب أموال ضماناتهم الاجتماعيّة المقدرة ب8 مليارات دولار، ولا من يسأل أو يبحث عن ضمانة، أو يقدّم وعداً باستعادتها.

يا للشعب.. كأنّه العشب البشع اليابس.

عن الخليج الإماراتية