في الانتخابات التشريعية والشعب
تاريخ النشر : 2021-01-23 15:13

بدأت بعض الأصوات تعلو للمشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة في أماكن عديدة، وظهر عدد من الأشخاص ممن رشّحوا أنفسهم للأقارب والأصدقاء، أو على وسائل التواصل/التبعثر الاجتماعي. والمفاجيء فيمن اطلعت على قوائمهم المفترضة وطروحاتهم هو الخيالية والركاكة أوالأحلام والأمنيات من جهة، والشخصانية أو العائلية من جهة أخرى وكأنها انتخابات مجلس بلدي أو قروي!

لم يكن لدى هؤلاء عمق التمييز والوعي أن المقصود كل الوطن، فأي قائمة لا تتعامل مع كل الوطن وقضيته الرئيسة وهي التحرر من الاحتلال، وتتعامل مع احتياجات كل الفلسطينيين سواء في المساحة الموصوفة بمساحة حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية (الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس..)، أو بكل المساحة التي هي فلسطين من حيث الرواية والانتماء الجذري والحق التاريخي الذي لا يزول والمستقبل، فهو ينتصر لذاته النزقة المتجهة نحو البريق الخُلّب، أو يسعى لامتيازات خاصة ونفوذ شخصي وبهرجة لا قيمة لها وطنيًا أو قيميًا.

الهدف المرحلي الأسمى منذ الانقلاب العسكري أو التمرد المسلح من "حماس" على غزة والسلطة عام ٢٠٠٧م كان من المتوجب أن يكون البدء في تطبيق الاتفاقيات كلّها، والتوافق في ظلّ المتغيرات على البرنامج الوطني العام الملزم للجميع، وحلّ كل مظالم إخواننا المجروحين في قطاع غزة، تحت سلطة الانقلاب… ولكن كان ما كان، فلنفهم شعبنا جيدا.

انتخابات في ظل الاحتلال مكرر

الشعبُ العربي الفلسطيني شعبٌ مسيّسٌ وشعب صلب وواعي، ويستطيع أن يميّز بدقة، ويفرز الغثّ من السمين، ويحدّد ويعاقب ويجدّد، وينتصر للأجدر بالفوز على قلب فلسطين.

إن الانتخابات التشريعية قادمة بإرادة فلسطينية حرّة نعم، وبتوافق فصائلي نحترمه نعم، ولكنها ستنعقد في ظل كابوس الاحتلال كالعادة.

تنعقد الانتخابات في ظل حصار غزة، وفي ظل عدم حل مظالم أهلنا المتراكمة في غزة، وتنعقد في ظل تهويد القدس المتواصل، وفي ظل تمدد المستعمرات وتسرب أرضنا، وفي ظل عدم وجود برنامج وطني نضالي يومي شامل، لكنها ستنعقد والاحتلال البغيض يقهرنا، وهو الذي بيده مفاتيح الحل بإجرائها أومنعها، أو إعاقتها.

ومن هنا نجد أن الدور الأوروبي والأمريكي ضروري في الضغط لإجراء الانتخابات، خاصة بالقدس، فيما أن العامل العربي قد حيّد نفسه وأسقط الجدار، أو جعل من الانعزاليين العرب يركبون مركب الإسرائيلي الاستعماري -الذي يحتقرهم- الى درجة الترويج لبضائع المستوطنات الممنوعة دوليا.

إمكانية تراجع الفصائل؟

إن الانتخابات التشريعية الفلسطينية نفترض حدوثها قريبا إن شاء الله، آملين ألا تجد "حماس" مبررًا جديدًا كما العادة للتحلل من الانتخابات والاتفاقيات ، كما فعلت مؤخرا بتذبذبها بين النعم ثم اللا ثم النعم، وسابقا بالاستدراكات والملاحظات على الاتفاقيات التي لم تنفذ منها شيئا تحت حجج الفسطاطين أو غيرها.

نأمل ألا تتراجع الفصائل، وأجد في حركة فتح عامة إصرارًا حقيقيًا على الوحدة الوطنية، فهي تنظيم قد صُمم أصلًا للوحدة بقلبه ومساره الحافل.

وحقيقة التاريخ تثبت أن الكل أو البعض قد يتطرف يمينًا أويسارًا ثم يعود سعيدًا لقلب فكرة فتح الوسطية الجامعة، مهما اتهمها الآخرون بالتنفذ والسيطرة -ما حصل منها في مراحل- ولكن التي لا أراها كتهمة على إطلاقيتها، إلا رفضوية أيديولوجية، ومنبوذة لأنها منطلقة من عقلية الفسطاطين.

نأمل ألا تتراجع الفصائل، ومنها شوائب حركة فتح القلة أو المحورية التي تتمنى الإعاقة، أوستقوم بها لمجرد أن اسمها غير موجود بالقوائم، أو أي سبب، وكأن الدنيا تبدأ وتنتهي عند الشخص وليس القضية.

ونرغب ألا يعيق فصيل "حماس" الانتخابات، أو نتائجها لضغط المحاور الداخلية المتصارعة فيها، أو الخارجية الممولة بالملايين، مقابل اصرارها على التمسك بحكم غزة منفردة تكريسًا لتمردها وانقلابها وحلم الامبراطورية الاسلاموية، مقابل تقاسمها الضفة والسيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية.

قد لا يعجب الأمر السلطويون الانتهازيون المتسلقون في حركة فتح فيتوهون بين الحق والاستحقاق ليرتكبوا حماقات التعطيل إرضاء للكرسي والوظيفية التي كبّلتهم على حساب النضالية والوحدوية، التي افترض أنا البدء بها من بوابة الانتخابات التشريعية.

انتخابات وطنية لكنها بلا برنامج وطني شامل

ان الانتخابات التشريعية ليست لعبة محلية أو انتخابات نادي أو جمعية أو بلدية! انها انتخابات وطنية ذات أبعاد محلية وإقليمية ودولية يا سادة يا كرام. فعلى من ظن نفسه يدخل ناديًا أومجلسًا قرويا... أو سوق الخضار! أو صراعًا ليكون مديرًا (admin) لمجموعة فيسبوك فليفكر جيدًا.

هذه قضية وطن مازال محتلًا، وأرضٌ مازالت ترزح تحت وطأة الاستعمار الصهيوني، وشعبٌ بالخارج يفوق عدده الذي بالوطن في فلسطين الناقورة إلى أم الرشراش طولًا، فمن تتحمل أكتافه أعباء النضال، بمنطق التضحية حتى الشهادة أو النصر، فليتقدم لإحداهما من أي باب عام شاء.

إن الانتخابات التشريعية كان من المتوجب أن تكون لاحقة للبرنامج الوطني الشامل الذي تتوافق عليه كل الفصائل بالتفصيل، خاصة في ظل تقارب إلى حدّ الانطباق للبرامج السياسية للفصائل جميعها حاليًا (أي منذ وثيقة الأسرى عام ٢٠٠٦ التي أقرت الدولة بحدود ١٩٦٧م، وليس منذ وثيقة حماس ٢٠١٧ التي أقرت ذات الأمر أيضا، وليس منذ اتفاق بيروت-رام الله-اسطنبول-القاهرة ٢٠٢٠م) (باستثناء الجهاد الإسلامي)، حيث لا تكمن المشكلة بين الفصائل في البرامج السياسية مطلقا كما يحاول المؤدلجون تصويرها.

يبدو المؤدلجون الرفضويون وكأنهم مضطرين للانتخابات! فكيف يكونوا مع "أوسلو" وضد "أوسلو" في أن واحد. لكنهم مضطرون لكسر شوكة الاستسلاميين أوالمتنفذين! وهم بالحقيقة لا يختلفون عنهم سياسيًا البتة كما أشرنا، بل هم يشابهونهم بالمسلك الاستبدادي والسلطوي من حيث استطابت أقفيتهم الحكم أي كرسي الحكم لغزة، كما استطابت لأولئك الانتهازيين في رام الله، ومن هنا حقيقة التنازع وليس البرنامج السياسي، رغم اقرارنا بمشكلة الثقة وباختلاف النوايا من جهة، وباختلاف الأيديولوجيات والتمويل بالقطع.

الشعب الفلسطيني لن ينخدع

إن الانتخابات التشريعية لدى الأطراف إما ممرٌ نحو الوحدة أو مدخل نحو تجديد شرعيات متآكلة في عيون الكثيرين، أو هي مدخلٌ نحو هيمنة على حساب هيمنة أخرى.

في جميع الحسابات الفصائلية إن لم تتسع عيون هذه الفصائل لتفترض أنها تمثل جزء من الشعب، بل وجزء صغير -بمجمل كل الفصائل- فإنها تتوه بين المفاهيم، وتجعل من رغبتها بترجيح الشخصي الوظيفي والفصائلي، على النضالي الجهادي في مقابل شعب ألِفَ الجهاد والنضال ما كُتب عليه.

الشعب العربي الفلسطيني لن تخدع عيونه بهرجات الدعايات الانتخابية النازعة للعقل والمخلخلة للعواطف من مثل: صوتك أمانة، والله يراقبك! وأنت معنا ستعيش سعيدًا، وبيدنا مفتاح جنتك! أو ما يشابهها أوغيرها من الشعارات المضحكة التي قد تظهر على أعمدة الإنارة قريبا بين رام الله ورفح.

إن سلطان العقل والوعي والقدرة الكامنة في الشعب الفلسطيني هي التي ستفوز فهو وحده الذي يستطيع أن يحدد مَن هي القائمة التي تسعى لفلسطين، ليس اتكالًا على تاريخ مضى سواء منذ العام ١٩٢٨ أو العام ١٩٦٥ أو العام ١٩٨٧م.

الشعب الفلسطيني الحرّ لا يقبل من السياسي الركوب على ظهر الإسلام العظيم أو احتكاره، ويرتكب كل الموبقات! فكل المجتمع مسلم والحمد لله، ولا يحتاج لشخص أو فصيل ليقوّمه سياسيّا.

الشعب الفلسطيني الحرّ لا يقبل من السياسي الركوب على ظهر الوطنية الحصرية دون الآخرين، ولا يقبل التغطي بالأيقونات والرموز التاريخية البطلة والنضالية مدخلًا للفوز.

مفاتيح المستقبل وليس الماضي مطلب الشعب

الشعب العربي الفلسطيني بمسيحييه ومسلميه، وهو الشعب العفيّ عقلًا الملتصق بأرضه روحًا هو الذي يستطيع أن يُعطي عجلة القيادة لمن يحقق له المستقبل الذي يرتبط بحقيقة البرنامج السياسي النضالي، والذي قد يُنظر له من حيث المضمون وامكانية التطبيق الى جانب خدمة الشعب كلّه (ماذا تريدون أن تفعلوا لنا؟)، وليس شعب الفصيل، بالضفة وغزة بالتساوي (دون إغفال كل الشعب الفلسطيني بالداخل والخارج).

الشعب العربي الفلسطيني يفهم ضرورة تطابق الشعار المرفوع مع الامكانية بواقعية الفهم، لأنه يعي جيدًا الصراع صراعنا العربي-الصهيوني وتداخلاته العميقة، ويفهم أن السلوك السياسي للأشخاص المرشحين مؤشر حقيقي لدى الناخب الفلسطيني للبرنامج أو الفصيل أوالأداء المرتقب.

لا تفرحوا كثيرا بالانتخابات التشريعية، فالأصل أن لا تقوم انتخابات تحت الاحتلال، والأصل أن تكون الانتخابات لدولة فلسطين المستقلة ذات السيادة، والأصل أننا مازلنا حركة أو فصيل، أو حركات ثورية نضالية نتخذ من السلطة حصان سباق نحو تكريس الدولة كحل مرحلي، وهي الدولة التي كان من المتوجب قيامها عام ١٩٩٩ فكانت الانتفاضة رفضًا للسيطرة الصهيونية الاستعمارية العنصرية الاقصائية.

المفاتيح كلها ليست بيد المحاور الإقليمية، ولا بيد الفصائل وتجاذباتها وانقساماتها الداخلية، فلا تتوهموا، وليست المفاتيح كلها بيد القوى الكبرى وعلى رأسها أمريكا والمتغطرس الإسرئيلي، وإنما جلّ المفاتيح بيد القدس وبيد فلسطين، بيد أرضنا أولاً، وبيد شعبنا الفلسطيني البطل الذي كما كان يردد الخالد ياسر عرفات أنه الأكبر من كل قياداته السابقة واللاحقة، فلا تلوموا إلا أنفسكم. (وللحديث بقية).