كيف يتحول الإعتقال السياسي الى إعتقال أمني في غزة ؟ 
تاريخ النشر : 2021-02-25 18:28

عندما إتفقت الأحزاب السياسية الفلسطينية أمام المخابرات العامة المصرية بأن يتم إطلاق صراح المعتقلين السياسيين في غزة والضفة , وذلك كبادرة حسن نية لما تم الإتفاق عليه بما يخص الإنتخابات القادمة وملف الحريات , فهذا الإتفاق بحد ذاته يعتبر إعترافاً صريحاً بأن هناك معتقلين سياسيين في السجون الفلسطينية , ولكن الغريب في الأمر أن حماس أنكرت وجود معتقلين سياسيين في سجون غزة , وإعتمدت حماس في هذا الإنكار على أن المعتقلين في سجونها هم معتقلين أمنيين , ومن هنا ستتحول المعركة السياسية بين فتح وحماس الى معركة قانونية , وبالطبع هذه المعركة أو هذا الملف كان مختبئ وراء الإنقسام والفصل الكلي بين غزة والضفة برغم خطورته وأهميته , والآن يطفوا على السطح من جديد بسبب أنه قد يفشل الإنتخابات القادمة كونه ملف يتعلق بحقوق المواطنين القانونية وحرية إختيارهم  , ومن هنا فكان يجب أن يتم حله حتى في ظل الإنقسام , لأنه أصبح ملفاً قانونياً لا يخص إبن حركة فتح فقط , بل يخص كل مواطن فلسطيني , ومن هنا أيضاً يجب  تعريف الإعتقال السياسي والإعتقال الأمني , وكيف يتحول الإعتقال السياسي الى إعتقال أمني .

إن المنظومة الأمنية  لحماس في غزة تعمل وفق قاعدة أن كل من لا يتفق مع حماس في غزه فهو مصدر للشبهة , وقد يشكل خطراً على وجودها , وبالطبع فهذه القاعدة تمس أبناء حركة فتح في غزة كونهم يتصدرون قائمة المعارضين لسياسة حماس , وبناء على ذلك فحماس تعتبر إبن فتح كونه معارض فهذا يعني أنه يخطط ليلاً نهاراً لإستهداف حماس , وخاصة أبناء السلطة والذين يشكلون هوس أمني لحماس بحسب زعمهم  , فحماس تعتبر كل من يعمل بجهاز أمني يتبع لحكومة رام الله أنه "متخابر مع رام الله"  ومن هذا المنظور يتحول الإعتقال السياسي الى إعتقال أمني , وهذا يستدعي أن يكون  الإستدعاء أو الإعتقال ذات طابعين مختلفين ولكن يخدمان  نفس الهدف , بمعنى أنه عندما تستدعي الأجهزة الأمنية في غزة شخص يحمل صفة تنظيمية أو صفة موظف سلطة , وذلك على خلفية إنتمائه السياسي أو الحكومي , حينها يتحول التحقيق من إنذار أو تحذير من ممارسة نشاط سياسي معين  , الى تحقيق أمني بتهمة تشكيل خطر على الأمن العام أو المقاومة في غزة , وهذا الإسلوب الذي تتبعه حماس يسد الطريق أمام أي معتقل سياسي بأن يحاول الدفاع عن نفسه من باب أن القانون الفلسطيني يسمح بالإنتماء الى الأحزاب السياسية , ويسمح بممارسة السياسة والتعبير عن الرأي , لأن المعتقل أصبح في نظر المجتمع شخص متهم أمنياً ولا يجوز له الدفاع عن نفسه , وعلى صعيد القانون في غزة يتم تحويل محضر جمع الإستدلالات  من جهاز الأمن الداخلي  الى النيابة العسكرية , بصيغة أن المتهم حاول قلب نظام الحكم , أو حاول الإخلال بالأمن العام كممارسة سياسية تهدف للمعارضة , وهكذا ينجح جهاز الأمن الداخلي أن يقنع النيابة العسكرية بأن المتهم مارس زعزعة الأمن كوسيلة تعبير عن معارضته للحكم كونه ينتمي الى حزب سياسي أو سلطة منافسة .

إن الإعتقال السياسي الدائم في غزة , سواء كان لأبناء فتح أو لعامة الناس  والذي يحمل صفة التهمة ويتحول الى حكم قضائي , هو ليس أكثر من تلاعب في الصيغة اللغوية والإصطلاحية والتي تدون في محاضر جمع الإستدلالات قبل أن يتم تقديمها للنيابة العسكرية أو النيابة العامة , وبالطبع فجميع هذه الصيغ تخلو من الإستدلالات الصحيحة والقانونية , فهي غالباً مبنية على الشك أو الإفتراضية والتي مصدرها حالة الهوس الأمني التي تعاني منه الأجهزة الأمنية , فملف الإعتقالات السياسية لا يتعلق بأبناء حركة فتح فقط , بل يتعلق بحقوق كل مواطن فلسطيني بشكل عام , فنحن هنا ليس من أجل الدفاع عن أبناء فتح بمعزل عن باقي المواطنين , بل من أجل الدفاع عن جميع المواطنين , فملف الإعتقالات السياسية أشمل وأبعد من كونه قد يفشل حوارات القاهرة ويفشل الإنتخابات , لأنه قد يفشل حلم الدولة ومشروع التحرر وإقامة الدولة , لأن الدولة التي لا يوجد فيها عدل لا يمكن أن تكون دولة , ولا يمكن أن تتحقق من الأساس .