بايدن.. وحقوق الإنسان العرجاء
تاريخ النشر : 2021-03-04 12:46

منذ دخول جو بايدن الرئيس الأمريكي المنتخب البيت الأبيض فى 6 يناير الماضي والشغل الشاغل للإدارة الأمريكية الجديدة هو ملف حقوق الإنسان في الشرق الأوسط.

وهو الأمر الذى لم تخفه الأوساط الدبلوماسية العربية والخليجية في ضوء غموض «بايدن» تجاه السياسات الخارجية التي سلكها الرئيس الديمقراطي السابق «باراك أوباما»، وتتساءل عما إذا كان سيسلك «بايدن» السياسات نفسها أم أن هناك تغييرات، وهل سيحتفظ بعلاقات إيجابية مع إيران في تناقض كامل مع نظام العقوبات المشددة التي اعتمدتها إدارة ترامب؟ وهل سيستمر فى بناء علاقات الثقة مع دول مثل مصر والسعودية والإمارات، خاصة في ضوء اتفاقيات السلام الأخيرة المدعومة من الولايات المتحدة؟ أم أنه سيعيد إنتاج سياسة الرهان على الفوضى التي انتهجتها إدارة أوباما التي لم تخف دعمها للربيع العربي، وصعود الإسلام السياسي، هذا الصعود الذى جلب الحروب والتفتت والفوضى لعدد من دول المنطقة؟

إن إغلاق «بايدن» باب التواصل مع الدول الصديقة وعدم توضيح رؤيته للقضايا الخارجية خاصة بالنسبة للشرق الأوسط الذى هو محور السياسة الخارجية الأمريكية، يشير إلى رغبته فى اتباع سياسة أوباما التى يعتبر نفسه امتداداً لها، وقد بدأت خطوطها الرئيسية تبرز بوضوح بعد التلويح بالعصا والجزرة للسعودية، بإعادة فتح ملف قضية مقتل الصحفي السعودي المعارض «جمال خاشقجي»، وتوجيه أصابع الاتهام لولى العهد محمد بن سلمان، وإمكانية معاقبة المملكة بهذا الخصوص، والإشارة إلى ملف اعتقال النشطاء السياسيين فى مصر، دون تعريف! فضلاً عن أنها ألغت قرار تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، وفتحت باب الحوار من جديد مع إيران بشأن الاتفاق النووى الذى ألغاه ترامب.

فى المقابل فقد جعلت إدارة بايدن من بين أولويات سياستها الخارجية الترويج لمعايير المثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية LGBT، حيث أصدر وزير الخارجية الأمريكية «أنتوني بلينكن» تعليماته برفع علم LGBT على السفارات الأمريكية قائلاً: «إننا نشهد زيادة فى العنف ضد المثليين فى جميع أنحاء العالم. أعتقد أن الولايات المتحدة تلعب الدور الذى يجب أن تلعبه فى دعم والدفاع عن الـLGBT، وهذا ما سوف تتولاه وزارتنا فوراً»! وتأكيداً على هذا الاتجاه، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن جامعة ولاية نيويورك قررت فصل الطالب «وين ستيفنز» بعد أن عثر زملاؤه على مقاطع فيديو نشرها على موقع «إنستجرام» ذكر فيها أن «الرجل رجل، والمرأة امرأة.. الرجل ليس امرأة، والمرأة ليست رجلاً»، وبحسب عميد كلية التربية التى ينتمى لها الطالب، فإن هذا الموقف يخالف قانون الولاية، بشأن الكرامة لجميع الطلاب!. فهل ننتظر من الولايات المتحدة بعد ذلك أن يصبح موضوع «انتهاك حقوق الأقليات الجنسية» أحد الموضوعات الرئيسية على أجندة العلاقات الأمريكية مع الدول العربية، فأضعف الإيمان أن يكون وسيلة وفرصة للضغط عليها؟.

إذا كانت الإدارة الأمريكية تنظر إلى ملفات حقوق الإنسان فى دول الشرق الأوسط بهذا النقاء، وترغب فى التعامل معه بميزان العدل، فماذا فعلت فى وقائع عديدة ومريرة بشأن الانتهاكات الإسرائيلية اليومية لحقوق الإنسان الفلسطيني؟ أم أن الفلسطيني لا يصنف على أنه إنسان وبالتالى ليس له أى حقوق؟ أم أنها تكيل بمكيالين فى تعاملها مع ملف حقوق الإنسان فى الشرق الأوسط؟! وفى الداخل الأمريكي ماذا فعلت الإدارة الأمريكية فى ملف العنصرية العرقية الذى تعانى منها الأقليات العرقية؟ وماذا فعلت بشأن اضطهاد الشرطة المستمر للسود؟ وجريمة مقتل «جورج فلويد» -الموثقة صوتاً وصورة- خير دليل على توحش الشرطة الأمريكية تجاه السود وتكرار خرقها للقانون، خاصة أن الضابط المتهم بقتل فلويد بدم بارد لم يوجه إليه اتهام! ما جعل السود يخرجون فى مظاهرات دامية وتأسيس حركة «حياة السود مهمة»، فماذا فعلت الولايات المتحدة لنصرة حقوق الإنسان للسود وغيرهم من المضطهدين؟.

هل أذنبت مصر برفضها قبول سلطة الإخوان المسلمين؟ كما أصبح جمال خاشقجي وسيلة مثالية للضغط على الرياض بيد واشنطن. وإذا كان ترامب قد اقتصر على ابتزاز الأموال والضغط من أجل مصالح إسرائيل، فإن النخب الذين تمثّلهم الإدارة الجديدة فى البيت الأبيض، لن تكفيهم الأموال، بل يريدون إلى جانبها السيطرة على عقول وأرواح البشرية جمعاء.

عن الوطن المصرية