فورين بوليسي: محاكمة إسرائيل أمام "الجنائية الدولية" قد تأتي بنتائج عكسية
تاريخ النشر : 2021-04-13 13:50

واشنطن: رأت مجلة "فورين بوليسي“ الأمريكية، أن التحقيقات التي تجريها المحكمة الجنائية الدولية في جرائم حرب محتملة ارتكبتها إسرائيل يمكن أن يكون لها نتائج عكسية، إذ من الممكن أن تؤدي إلى إشعال المشاعر القومية أكثر من تغيير أي وضع على الأرض.

وقالت المجلة في تحليل إخباري نشرته يوم الإثنين، "يجب ألا يفاجأ الإسرائيليون بالإعلان الصادر من المحكمة الجنائية الدولية يوم الـ3 من مارس، بأنها تخطط لفتح تحقيق في جرائم حرب محتملة تم ارتكابها في الأراضي الفلسطينية المحتلة“.

وأضافت، أن "خطر المحاكمات الدولية لاحقَ إسرائيل على مدار سنوات، لكن الأنباء الأخيرة الواردة من (هناك) لا تزال بمثابة قنبلة، إذ كانت إسرائيل وقتها تستعد لرابع انتخابات عامة في عامين“، مشيرة إلى أن ”رد الفعل الواسع والعنيف من جانب إسرائيل ضد احتمال محاكمتها دوليا غير مناسب، لكنه متوقع في الوقت ذاته، إذ تملك مؤسسات العدالة الدولية سجلا مريبا عندما يتعلق الأمر بكسب الدعم المحلي. وفي دول أخرى تواجه رفضا حادا، وتلاعبا سياسيا“.

وأردفت، أنه "في دول يوغوسلافيا السابقة، فإن العملية الشائكة التي استمرت 24 عاما في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة تركت إرثا معقدا، وكان الهدف منها ردع العنف وتحقيق العدالة، وتعزيز القدرة على المحاسبة، لكن كل الدول التي نشأت بعد تفكيك يوغوسلافيا خرجت من المحاكمة بمراجعة تاريخية، وقومية واستياء شديد من العدالة الدولية“.

واستطردت، أن "إسرائيل والأراضي الفلسطينية تواجه مؤسسة مختلفة عما كان عليه الوضع بالنسبة ليوغوسلافيا السابقة، فالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا كانت بمثابة هيئة مخصصة تم تأسيسها خلال الحرب، بينما المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة دائمة. كما أن الصراعات التي أدت إلى إطلاق تلك التحقيقات مختلفة“.

وأشارت إلى أنه "رغم ذلك، فإن دول يوغوسلافيا السابقة تشترك في مسارات موازية مفاجئة مع إسرائيل فيما يتعلق بتشابك العملية القانونية الدولية مع السياسات الداخلية، والآن وفي ظل ملاحقة شبح المحاكمة لإسرائيل، فإن تجربة البلقان يمكن أن تمثل أدلة على ما هو قادم مستقبلا“.

فشل في وقف جرائم الحرب

وقالت المجلة إن "العدالة الدولية ليست آلية لحل الصراع، فقد انتهت حروب يوغوسلافيا عبر سنوات من الوساطة الدولية، والمفاوضات والدبلوماسية القوية، بينما تهدف الإجراءات القانونية إلى إكمال المسار السياسي، من خلال ردع جرائم الحرب، ودعم جهود المصالحة طويلة الأجل، ومحاسبة الأطراف المسؤولة“.

وأفادت بأن "المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا فشلت في تحقيق هدفها الأول، المتمثل في منع جرائم الحرب، فمع نهاية الحرب البوسنية وفقا لاتفاقيات دايتون 1995، فإن أكثر من 100 ألف شخص قتلوا معظمهم من المدنيين البوسنيين، الذين لقوا مصرعهم على يد قوات صرب البوسنة، والميليشيات المتحالفة معها“.

وحسب المجلة، يمثل عدد الضحايا إحدى أسوأ المذابح التي شهدها الصراع، وهي "مذبحة سريبرينيتشا“، وفي 1998 و1999، وبعد 5 سنوات تقريبا من إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا قامت القوات الصربية بقتل 8 آلاف و661 مدنيا ألبانيا في كوسوفو.

وأوضحت، أن "العديد من القادة الصرب والبوسنيين والكروات الذين تم ملاحقتهم وتوجيه الاتهامات إليهم من جانب المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا بارتكاب جرائم حرب، يتم النظر إليهم بوصفهم أبطالا قوميين، إذ أصبح التمجيد الشعبي والسياسي لمجرمي الحرب موكبا للمراجعة التاريخية“.

ورغم أن المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة أدانت رادوفان كاراديتش، زعيم صرب البوسنة، ورادكو ملاديتش، القائد في الجيش الصربي، بتهم الإبادة الجماعية، فإن سلطات صرب البوسنة التي تحكم منطقة جمهورية ”صربسكا“ المستقلة بحكم الأمر الواقع، تعمل على إنكار وإعادة كتابة الأحداث التاريخية، ويرفض قادة صربيا وصفها بالإبادة الجماعية.

وعرقلت روسيا، الداعم القوي لصربيا وجمهورية ”صربسكا“، الجهود الدولية لتمرير قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يعترف بـ“سربرينيتشا“ كإبادة جماعية في 2015، وفي 2018 رفضت الجمعية الوطنية لصرب البوسنة اعتبارها إبادة جماعية أيضا.

بالعودة إلى الملف الإسرائيلي مع المحكمة الجنائية الدولية، فقد واجهت إسرائيل تحقيقات دولية سابقة، مثل: تحقيقات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتحقيق المحكمة الجنائية الدولية الحالي في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وجرائم الحرب في غزة، التي ارتكبت خلال حرب 2014، وأثناء المظاهرات على حدود غزة في السنوات الأخيرة، ورغم ان إسرائيل ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، فإن سلطاتها أظهرت قدرا من الحرص في التعامل مع الموقف على الصعيد السياسي، بحسب المجلة.

ورأت "فورين بوليسي“ أنه من المستبعد أن تنظر إسرائيل في أي وقت إلى جرائم الحرب بشكل حاسم في المستقبل، علاوة على ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي هو على الدوام المؤسسة الأكثر ثقة بين اليهود الإسرائيليين.

وكما هي الحال في يوغوسلافيا السابقة، فإنه من غير المرجح أن تؤدي محاكمة القادة العسكريين أو السياسيين الإسرائيليين إلى تغيير هذا الرأي السائد لدى الشعب الإسرائيلي. وردا على التحقيق الجاري في المحكمة الجنائية الدولية، فقد أعلنت إسرائيل عدم التعاون مع المحكمة، بل أن البرلمان المنتهية ولايته مرر مشروع قانون لحظر التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، بموجب القانون الإسرائيلي.

وسوف تحقق المحكمة الجنائية الدولية -أيضا- في استهداف حركة (حماس) مناطق المدنيين بالصواريخ واستخدام دروع بشرية، من بين اتهامات أخرى، إلا أن إسرائيل تنظر إلى الضرر القانوني الناشئ عن تحقيقات المحكمة بشكل حصري ضدها فقط.

تشاؤم وتشكيك في الدور الأمريكي

وقالت المجلة الأمريكية إنه على الصعيد العملي، فإن تسييس المحاكم الدولية يلقي عبئا ثقيلا على عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، التي ظلّت مجمدة منذ 2004، بينما لا تلعب الولايات المتحدة، بوصفها الوسيط التاريخي، أي دور مساعد في هذا الصدد، وينظر الفلسطينيون إلى الولايات المتحدة بوصفها وسيطا غير عادل، في الوقت الذي استغل فيه اليمين الإسرائيلي تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية كمبرر لتجنب عملية السلام برمّتها.

ولفتت إلى أن استطلاعات الرأي التي أجريت أخيرا، سواء على الصعيد الفلسطيني أو الإسرائيلي، تشير إلى أن 21% فقط من الإسرائيليين والفلسطينيين يرون أن الإجراءات التي تقوم بها المحكمة الجنائية الدولية ستدفع إسرائيل نحو الحدّ من سياساتها، مثل: التوسع الاستيطاني. 71% من الفلسطينيين، و51% من الإسرائيليين يرون أن إسرائيل لن تتراجع عن سياساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وذكرت أنه "رغم أن الإجراءات القانونية الدولية، سواء في يوغوسلافيا السابقة أو في إسرائيل، يمكن أن يكون لها تداعيات مثيرة للقلق على السياسة المحلية وتقويض الدعم للعدالة الدولية، فإن أهداف المحاكم الدولية تظل ضرورية كما كانت دائما لكن القانون لا يمكن أبدا ممارسته بمعزل عن السياسة“.

وختمت المجلة تحليلها بالقول، إن "التلاعبات السياسية المحلية طغت على سعي المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة لتحقيق العدالة، كما أن عمل المحكمة الجنائية الدولية في الأراضي الفلسطينية يواجه بالفعل نفس مصير ما حدث في يوغوسلافيا“.