تشاد والخطر الأعظم
تاريخ النشر : 2021-04-21 11:00

مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي في معارك، بعد ساعات من إعلان فوزه بولاية سادسة في الانتخابات الرئاسية، ليس خبراً ساراً لدول الساحل الإفريقي التي يتسم وضعها الأمني بالهشاشة وبسهولة الاختراق. فبعد تجربة مالي لا تتحمل المنطقة دولة فاشلة جديدة تعزز من تدهور الأوضاع وتدفعها إلى مزيد التعقيد والتشابك مع عناصر التوتر الإقليمية.

   إدريس الذي وصل إلى السلطة على رأس تمرد قبل عقود، غادر الحكم بطريقة دراماتيكة ومفاجئة. فقد كان متوقعاً أن أزمة مسلحة ستندلع في البلاد مع أنباء تحرك المتمردين على مقربة من الحدود الليبية ورفض أوساط أخرى نتائج الانتخابات الرئاسية. وأن يلقى «القائد» حتفه من الجولة الأولى فهذا يعني أن المعركة ستكون قاسية ومتعددة الفصول ومرشحة لتأخذ أبعاداً أوسع في مقبل الأيام، لا سيما وأن الوضع الإقليمي لا يشجع على إطفاء نيرانها بسرعة، فهناك سلسلة من التوترات في إقليم دارفور السوداني وجمهورية إفريقيا الوسطى والجنوب الليبي، فهذه المناطق تغص بالسلاح والمقاتلين الجاهزين لخوض أية معركة لحساب الغير. أما الخطر الأعظم فيتمثل في الجماعات الإرهابية التي تنتشر في النيجر ونيجيريا والكاميرون وصولاً إلى مالي، وهذه الجماعات تعمل على استثمار أي خلل أمني للتمدد ونشر التطرف والجريمة. وبعد مقتل ديبي، سينشط المتطرفون وربما سيسعون إلى الانتقام من الجيش التشادي الذي كان في مقدمة جيوش المنطقة في محاربة «بوكو حرام» الإرهابية وأبلى بلاء حسناً في القتال مع قوات من دول المنطقة.

  الوضع العام في تشاد يدفع إلى القلق، فبعد الحادث المأساوي أعلن الجيش حل البرلمان والحكومة وتعهد بانتخابات ديمقراطية بعد فترة انتقالية. وعلى عادة السلطات العسكرية الإفريقية يمكن أن تظل المرحلة الانتقالية مفتوحة حتى يتمكن الحاكم العسكري من سدة السلطة، أو يطيح به انقلاب أو تمرد. وتجربة مالي ليست بعيدة عن تشاد، فمنذ انقلاب قبل عشر سنوات لم تعرف البلاد الاستقرار الشامل رغم وجود قوة فرنسية ضاربة وأخرى تابعة للأمم المتحدة. ومازال من المبكر الوثوق في أن التشاديين سيشكلون استثناء في التجارب الإفريقية، كما أن تنصيب مجلس عسكري بقيادة نجل الرئيس الراحل قد لا ينهي الأزمة، بقدر ما يفتحها على مآلات سيئة، خصوصاً عندما تتدخل العوامل التاريخية والقبلية والإقليمية في الأزمة. فالحروب الأهلية تتشكل وتكبر وتمتد في المكان والزمان بحسب ما يحشر فيها من ثارات وحسابات ومصالح، لا سيما في منطقة مثل دول جنوب الصحراء، حيث تتقلب الأحداث والتطورات ولا تستقر على حال.

  الوضع في تشاد سيكون تحت الأنظار، ولا شك أن قوى إقليمية وعالمية وفي صدارتها فرنسا ستسعى إلى محاولة تطويق الأزمة وفق ما تمليه مصالحها والتوازنات الأمنية في الدول المجاورة. وأكثر ما تخشاه باريس ومنطقة الصحراء أن تحتل تشاد مقعداً بين الدول الفاشلة، وتودع مع رحيل ديبي عهداً من الاستقرار قاوم التحديات ثلاثين عاماً.

عن الخليج الإماراتية