آفاق ما بعد الانتخابات الرئاسية السورية
تاريخ النشر : 2021-04-23 15:03

حدد مجلس الشعب السوري يوم السادس والعشرين من مايو/ أيار المقبل، موعداً لانتخابات الرئاسة السورية في جلسة عقدت يوم الأحد الماضي (2021/4/18). حدث ذلك في ظل تحديات هائلة تواجه المستقبل السوري سواء على الصعيد الاقتصادي – المعيشي أو على الصعيدين الأمني والسياسي، وحدث ذلك أيضاً في أعقاب «حراكات» مهمة شهدتها الأزمة السورية؛ للخروج من النفق المظلم للأزمة، بمشاركة روسيا وأطراف عربية، سواء في اتجاه صفقة غير مباشرة مع «إسرائيل» عبر الوساطة الروسية تخفف من وطأة المواجهة «الإسرائيلية»- الإيرانية على الأراضي السورية، مقابل إعادة فتح المباحثات حول إعادة الجولان السوري المحتل، أو سواء مسار عودة سوريا مجدداً إلى جامعة الدول العربية.

بحث هذا الأمر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في زيارته لمصر ولدول خليجية منها دولة الإمارات والسعودية وقطر، وقبلها زار وزير الخارجية السوري الجديد فيصل المقداد العاصمة العُمانية مسقط، ضمن وفد دبلوماسي عالي المستوى، في زيارة حملت تفاؤلاً بوساطة عُمانية؛ لتحريك جمود الأزمة السورية وفتح آفاق الحل المعقدة.

في ذات الوقت تمردت المعارضة السورية على جمود الحراك السياسي للأزمة، وقامت بكل الاستعدادات اللازمة لتأسيس كتلة سياسية داخلية معارضة أخذت اسم «الجبهة الوطنية الديمقراطية» وصاغت وثيقة سياسية تتضمن أهم معالم المشروع السياسي لهذه الجبهة التي كان من المقرر أن تعقد يوم 27 مارس/ آذار الفائت؛ لكن الأمن السوري حال دون انعقادها، وربما يكون قد وضع نهاية مبكرة للأهداف التي كانت تأمل تلك الجبهة تحقيقها؛ ومن أبرزها: إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية، وبناء جيش وطني مع تحييده عن السياسة والعمل الحزبي.

هذه الجبهة التي ضمت 18 مكوناً سياسياً؛ من أبرزها: «هيئة التنسيق الوطنية»، تواجه الآن بسؤال: وماذا بعد؟ أي ماذا بعد الانتخابات الرئاسية، بما تعنيه من فرض تساؤلات مهمة تمتد أيضاً إلى المسارات السياسية الأخرى وآفاق انفراج الأزمة، ومن أبرزها بالطبع عودة سوريا لتشغل مقعدها بجامعة الدول العربية، خصوصاً وأن الجولة التي قام بها وزير الخارجية الروسي لتحريك هذا المسار شهدت تبايناً في المواقف بين دول عربية ترى أن أسباب تعليق العضوية لا تزال قائمة طالما لم يحدث أي تقدم ملموس على المسار السياسي، بينما ترى دول أخرى أن عودة سوريا إلى المنظومة العربية؛ يمكن أن تسهم في الدفع بالحل السياسي الذي ما يزال يواجه بتحديات.

وسط هذا كله يأتي الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، وهذا الإجراء يحمل أحد معنيين، إما، أن النظام في سوريا قرر أن يتحدى كل المحاولات الأخيرة للأخذ بحل سياسي للأزمة، يلتزم بالقرارات الصادرة عن الشرعية الدولية ومحصلة منصات جنيف وأستانا وسوتشي، وأن يفرض نفسه كأمر واقع، ويجعل من المحافظة على وجوده على رأس السلطة خياره الأول والأخير على الرغم من كل الاعتراضات الدولية على إجراء تلك الانتخابات الرئاسية خاصة الأمريكية والأوروبية، وإما أن تكون هذه الانتخابات ضرورية؛ لتهيئة الظروف المناسبة للبحث بهدوء في هذه المسارات.

هناك رؤية ثالثة ترى أن أولوية النظام السوري الآن تتركز حول إنقاذ الوضع الاقتصادي المتردي؛ بسبب الحصار الاقتصادي الأمريكي وقيود «قانون قيصر» وبسبب ما يمكن اعتباره حصاراً اقتصادياً إسرائيلياً من نوع آخر عبر إعاقة إسرائيل وصول شحنات النفط الإيرانية إلى سوريا. هذه الرؤية ترى أن المعاناة الهائلة التي يتعرض لها حالياُ أكثر من 20 مليون سوري في ظروف معيشية صعبة؛ بسبب انتشار فيروس «كورونا» والانهيار شبه الكامل للنظام الصحي والنقص الكبير في الغذاء والدواء ومشتقات الطاقة المختلفة تكتسب أولوية قصوى لدى النظام، وأن الاستحقاق الرئاسي ضروري؛ لمواجهة هذه التحديات والصعوبات الداخلية؛ لكنه لا يعني انغلاقاً أمام كل محاولات ومسارات الحل السياسي.

أخذ هذه الرؤية في الاعتبار؛ يطرح أيضاً بعض المعالم أو المؤشرات المحتملة لأي حل سياسي مستقبلي؛ لأن من يقوم الآن بالدور الأساسي لإنقاذ سوريا هما إيران وروسيا؛ حيث تقرر تأسيس «غرفة عمليات ثلاثية: روسية - إيرانية- سورية»؛ لتأمين التدفق الآمن والمستقر لإمدادات النفط والقمح والمواد الغذائية اللازمة لسوريا.

إيران ستوفر هذه المواد، وروسيا ستتولى تأمين الناقلات التي تحملها حتى توصيلها إلى سوريا في تحد روسي- إيراني واضح؛ هدفه كسر الحصار الأمريكي- الأوروبي- الإسرائيلي لسوريا. إجراء أقل ما يوصف به أنه «تغيير لقواعد الاشتباك» في سوريا بين روسيا وإيران في مواجهة دول الحصار، خطوة مهمة تحمل حتماً معالم ما بعد الانتخابات الرئاسية السورية، وبوضوح أكثر خرائط الصراعات والتحالفات التي لن تكون بعيدة عما يجري بين إيران وأمريكا من محادثات نووية في فيينا، وما يحدث بين تركيا وأطراف عربية.

عن الخليج الإماراتية